بقلم الأستاذ المتقاعد : الحسين أقليد
عادة ما يبتغي التلاميذ والأستاذ أثناء الدرس جوا هادئا، يكون بعيداً عن كل ما من شأنه أن يعكر صفوه ويكدره، ويحول دون الاستيعاب الجيد له، و هو أرب كل نساء التعليم ورجاله داخل فصولهم ، وتثور حفيظتهم إنْ عكر صفو هذا الهدوء السائد أثناء الدرس .
ولكن ما حدث لنا” التلاميذ و العبد الضعيف ” أثناء حصة دراسية لم يخطر على الذهن، ولم يرد على البال، إذ و نحن بالحجرة رقم :3 بثانوية حسان بن ثابت التأهيلية بزايو، إقليم الناظور مستغرقون في تحليل نص شعري عربي قديم، والتلاميذ يتابعونه باهتمام عز نظيره، كسرت هذا الهدوء واخترقه كما تخترق إبرة بالونا منفوخا ينفجر في فضاء ضيق مغلق، زغرودة ” حلوة ” صدح بها أحد التلاميذ في جناح المراحيض القريب من قسمي، فوصلتنا واضحة وجلية كأنها بثت على الأثير بالموجة FM ، أو كأن هذا التلميذ قد استعان بمكبر صوت ليشنف الأسماع بهذه “الزغرودة العسلية”، فانفجر التلاميذ ضاحكين، لم أتمالك بدوري نفسي من الضحك معهم، لأنها كانت متقنة الأداء، استوفت بنجاح عظيم جميع المراقي الصوتية الضرورية لزغرودة فائقة الجمال، إلا أنها لم تكن بليغة ، فالمقام الذي اختاره هذا التلميذ لزغرودته لم يكن مناسبا لها، فلكل مقام مقال، و لكل مقال مقام، كما يقول أهل البلاغة.
لا أخفي عنكم، أنني بعد هذه الزغرودة الحلوة الصادرة عن هذا التلميذ، قد أزعجني صوته، وتحول إلى صوت نشاز، لأنه عرقل لي ولزملائي الأساتذة الدرس، و تكرر هذا الأمر في حصة الغد، فما كان مني و أنا عائد من عملي إلى منزلي إلا أن أجهد عقلي بعد جهد جهيد خلال الساعات الأربع من العمل بالقسم، فاهتديت إلى حل خليق وجدير أن يضع حدا لطيش هذا التلميذ وتهوره، و إذا لم يفلح سأخبر إدارة المؤسسة بالمشكل.
في إحدى حصصي، و قبل نهايتها بخمس دقائق، فاجأت تلاميذ القسم بهذا الكلام عن زغاريد هذا التلميذ: قلت لهم و أنا متيقن أن كلامي سيصل إليه بسرعة البرق أو الصوت، وهذه بغيتي و أمنيتي، قلت لهم: إن هذا التلميذ الذي يتقن تقليد النساء في زغاريدهن يحاول عبثًا وبدون جدوى أن يتمرد عن جنسه ويتوق إلى أن يصبح من الجنس الآخر، فالزغرودة الحلوة الرائعة والساحرة لا يمكن لأي رجل أن ينافس فيها المرأة، فهي من صميم اختصاصهن و إبداعهن، فمن نافسهن من الرجال في ذلك عُـدَّ منهن.
فكان حلا ناجعا، رغم قساوته و مرارته، وضع بصفة نهائية حدا لطيش هذا التلميذ و تهوره، و لم تعد الزغرودة ” الحلوة ” تضايقنا ألبتة، و السلام ختام .
زايو في :17/2/2023 – على الساعة 23.45
ننتظر قصصا من فترة التسعينات استادنا اوقليد