خبر مصطفى الخطابي الحياة في المغرب وفي النرويج على إيقاعين، أولهما يتسم بالثبات والاستقرار بينما الثاني جاء مناقضا لذلك تماما، ليحرص المنحدر من مدينة بركان على شق مساره بكيفية منفردة منذ بلوغه سن 15 عاما، ثم يلاقي الاتزان مرة أخرى بعد رحلة شاقة على الصعيدين الشخصي والمهني.
زاوج الخطابي بين العصامية والتكوين الأكاديمي من أجل تحصيل قدرات تتيح له التعامل مع متطلبات الأداء في الميدان الاقتصادي، ثم امتد بعطاءاته نحو رهانات المجال الإعلامي في الإطار المالي، دون أن يتقاعس في الإقبال على العمل التطوعي بغية ضمان إشعاع أكبر للمجتمع الإسلامي في العاصمة النرويجية أوسلو.
“عاصمة الليمون”
عانق مصطفى المختاري الحياة سنة 1977 في بركان، وسط أسرة محافظة متسمة بالاستقرار التام لضمان بيئة مناسبة لنمو أبنائها، وبين “عاصمة الليمون” ومدينة السعيدية القريبة منها شب وترعرع حتى أضحت ذكريات عيشه في المغرب مرتبطة بهذين الفضاءين أكثر من غيرهما، ولا يزال يحرص على زيارتهما كلما تأتت له الفرصة للقيام بذلك.
يقول مصطفى: “كانت تلك المرحلة من حياتي جميلة جدا، وما زلت أتذكر تميزي حينها في مادة الرياضيات على امتداد مساري الدراسي، خاصة المرحلة الإعدادية التي قضيتها في مؤسسة ابن رشد، وأستحضر أيضا فضل أسرتي في حصولي على نشأة نقية لم تعرف أي مشاكل اجتماعية مؤثرة”.
من جهة أخرى، يعتبر المختاري أن ما ألفه في بركان حينها لم يعد له أثر اليوم، حيث اتسم الماضي بالهدوء والمتعة في العلاقات الاجتماعية من خلال تواصل الجيران على الدوام وتضامنهم في السراء والضراء، معلنا أنه كان يعيش في حي يفتح أبواب المنازل أمام جميع أفراده دون حيطة أو حذر، بينما صار اليوم منغلقا ولا أحد فيه يعرف اسم من يقيم بجواره.
مفعول السياسة
يؤكد مصطفى الخطابي أن فكرة الهجرة لم تكن حاضرة لديه تماما، وأن وجودها كان ناتجا عن حصول أخيه الأكبر على شهادة الباكالوريا واختياره إكمال الدراسة في مملكة النرويج، لتحضر تطورات لاحقة أدت إلى التحاق الأسرة بفضاء استقراره الجديد من أجل البصم على انطلاقة بديلة لكل أفرادها.
يفسر المتأصل من بركان قائلا: “أخواتي تزوجن في المغرب، وأخي الأكبر رحل إلى النرويج، بينما بقيت بمعية أخوين آخرين، في تلك الفترة، مقبلين على التمدرس وحريصين على الاجتهاد موسما تلو الآخر، بينما كان والدي يرفض أي انتقال إلى النرويج عند مفاتحته في الموضوع، معتبرا أن هذا الانتقال قد يؤثر بكيفية سلبية على التربية التي منحنا إياها”.
“جاءت الطفرة بسبب النشاط السياسي لأحد إخوتي، إذ كان نشطا في الساحة اليسارية بطريقة أثارت مخاوف أبي إلى أقصى حد، ومن هذا المنطلق حضر بعض الضغط من أخي المستقر في النرويج كي ننتقل إلى العيش في البلاد نفسها، وهو ما كان فعلا في النهاية”، يزيد مصطفى المختاري.
تحول مفصلي
عاش مصطفى المختاري تحولا مفصليا في حياته بعد 3 شهور فقط من الوصول إلى النرويج، وأتى ذلك بعد عودة والدته للاستقرار في بركان بعد مرضها وتوصل التشخيص الطبي إلى كونها لا تستطيع البقاء في اسكندنافيا بسبب عدم قدرة بدنها على استحمال درجة الحرارة المنخفضة التي تتميز بها هذه المنطقة من العالم.
يعلن ذو الأصل المغربي أن هذا المستجد جعله يفقد الرعاية التي كانت تحيطه بها أمه قبل أن يبلغ السادسة عشر من العمر، ليقرر العيش مستقلا في مسكن آخر بعد الولوج إلى التعليم الثانوي واستفادته من منحة دراسية وتسهيلات مالية تتيح له ذلك، وجاء كل هذا بعدما أفلح في تعلم اللغة النرويجية خلال فترة لم تتجاوز 12 أسبوعا.
يذكر المختاري أن مساره الدراسي، رغم حرصه على العيش وحيدا وبتواصل محدود مع باقي أفراد الأسرة، قد تقدم بثبات مع مزاوجته بالإقبال على العمل، ويعلق: “كنت أسير بإفراط في السرعة وسط سوق الشغل، وقد حاولت تأسيس شركة لتوريد بضائع من الخارج قبل أن أعرف أن التشريعات تستلزم وصولي إلى سن الـ18 بالتمام والكمال”.
من الهندسة إلى “الميديا”
حاول مصطفى المختاري أن يقبل على التكوين الذي يتيح له العمل مهندسا معماريا بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، لكنه أقدم على تغيير الوجهة بعد رصد معاناة مع آلام في الظهر تجعله غير متوفر على القدرات البدنية اللازمة للتواجد في أوراش البناء، ودون كثير من الوقت في التفكير أصر على ملازمة التجارة.
أقبل “ابن بركان” على كلية خاصة للتخصص في العلوم الاقتصادية بتركيز على المبيعات، وبالموازاة مع ذلك أسس شركة باسم “المختاري للخدمات” من أجل القيام بعمليات استيراد من دول آسيوية، عاملا من خلالها على جلب أجهزة تلفزيونية ثم القيام بتوزيعها، لكن المنافسة مع شركات كبرى أنهت فترة الازدهار التي شهدها هذا الأداء التجاري.
في المرحلة الموالية، التحق مصطفى المختاري بقسم التسويق في “هيغنار ميديا” النرويجية، وهي مؤسسة ناشطة في ميدان الإعلام يملكها واحد من أكبر مليارديرات البلد، وفيها حصل على ثقة صاحبها إلى درجة وثوقه في خبرة ذي الأصل المغربي وتمكينه من مناصب عليا بناء على الكفاءة والتطور بطريقة عصامية.
جريدة ومجلة
يتولى المستقر في النرويج منذ 30 سنة، حاليا، مسؤولية التسويق والمبيعات في منتوجين إعلاميين للشركة التي يعمل بها، ويتعلق الأمر بجريدة اقتصادية يومية تتعاطى مع الأخبار الاقتصادية والمالية، وتحاليل سوق البورصة، إضافة إلى مجلة نصف شهرية مهتمة بمتابعة كل ما يهم المقاولات والشخصيات ذات الارتباط الوثيق باشتغالاتها المتشعبة.
يقول مصطفى: “هذا الموقع يجعلني أتولى مسؤولية الإشراف على تنمية المبيعات، أولا، إضافة إلى إبرام العقود بين الجريدة والمجلة مع الأطراف الأخرى من أجل الحرص على تجويد المحتوى الإعلامي والاهتمام بضمان المواكبة الدقيقة للفاعلين الرئيسيين في المجالين الاقتصادي والمالي على وجه التحديد”.
كما يعتبر المختاري أن موقعه المهني الحالي يجعله واعيا بحجم الأدوار الموكولة إليه، والانتظارات من تحليه بالنجاعة والفعالية في ما يقوم به بوتيرة يومية، ليس من أجل الشركة فقط وإنما بغية مسايرة رهانات مختلف الشركاء، من ناحية، ولتلبية تطلعات قراء المنبرين المذكورين في الحصول على ما يكفي من الأخبار والمعطيات لتشكيل آراء سليمة وواضحة.
تطوع عن قناعة
يصرح مصطفى المختاري بأن نمط الحياة التي أقبل عليها منذ وصوله إلى النرويج قد أثر على ميوله الدينية طيلة سنوات من الاستقرار في هذه البلاد الاسكندنافية، إذ عاش مرحلة فراغ عقدي ابتعدت عن الممارسات التي يواظب عليها المسلمون من أجل الحصول، خصوصا، على السكينة وإبداء صورة مشرقة للمعاملات الاجتماعية.
ويزيد النرويجي المغربي عينه: “كان ذلك نابعا من تصرفات يقوم بها بعض الناس في تناقض مع تعاليم الدين السمح، وبعدها جاءت هداية من الله جعلتني أتعرف على ديني من جديد، وتذوقت حلاوة الصلة مع الله ثم اندمجت في المجتمع الإسلامي عن قناعة”.
يتواجد المختاري، في الوقت الحالي، ضمن الفريق المدبر لشؤون مسجد التوبة في أوسلو، وهي معلمة ثقافية ودينية بارزة على مستوى النرويج وعموم منطقة اسكندنافيا، محاولا المساهمة في تنشيط هذا المرفق المتميز بمنحه إشعاعا خارجيا إضافيا، وإعادة توجيه علاقاته مع البرلمان والمسؤولين الوطنيين والإدارة المحلية وباقي المجتمعات الدينية، ومن بينها اليهود.
مفتاح الانتباه
يؤكد مصطفى المختاري، بناء على تجربته الخاصة في إطار الهجرة، أن ما تعرفه النرويج في ديناميتها الاجتماعية يمكن أن يرتقي إلى الاقتراب من الجنة على الأرض، كما أن ما هو متاح فيها يتيح للناس، كيفما كانت خصوصياتهم العرقية والثقافية والعقدية وإمكانياتهم الشخصية والمهنية، تطوير أنفسهم على الدوام.
كما يرى مغادر المغرب في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي أن المعنيين برهانات الهجرة، من الوافدين أو المزدادين ضمن أسر ذات أصول أجنبية، بمقدورهم الاستفادة من كل الفرص المتاحة أمامهم في النرويج شريطة التوفر على المفاتيح اللازمة للحصول على ثقة المجتمع.
“النرويجيون منغلقون على أنفسهم، وهذا أكيد، لأنهم لا يتحدثون إلى الغرباء بدون توفر الأسباب الداعية إلى ذلك، وهذه الخصوصية تدعو الوافدين على هذه البلاد الاسكندنافية إلى البحث عن المفتاح الذي يجعل المحيطين بهم يمنحونهم الانتباه، بعد ذلك يمكن للمهاجر أن يحصل على كل الدعم من أجل التقدم والارتقاء”، يختم مصطفى المختاري.
طارق العاطفي – أمين الخياري