طارق العاطفي – أمين الخياري
يتواجد محمد كنوف في النرويج منذ ما يعادل 5 سنوات، بعد تجربة الاستقرار في بلجيكا مدة سنتين، ويشكل نموذجا شبابيا إيجابيا للتمسك بالطموحات الدافعة إلى التطور بسرعة، خاصة أنه يحرص على جمع الحضور السياسي الحزبي بالرهان الدراسي في التعليم العالي، دون إخلال بالتزاماته الأسرية التي تستدعي قبوله باشتغالات مازالت غير متوافقة مع تطلعاته.
يعمل كنوف على التعريف بالخصوصيات المغربية في أوسلو من خلال تقديم صورة إيجابية عن التوهجات الثقافية للوطن الأم، وبجانب ذلك يلازم حزب العمال النرويجي، ويقبل على التعليم العالي في الهندسة الكهربائية الصناعية، متشبثا بكون “الجالية الشابة بالنرويج” مطالبة بمواصلة الأداء الإيجابي الذي أطلقه الرعيل السابق في هذه البلاد.
القانون والكهرباء
ولد محمد كنوف سنة 1992 في الناظور، وفي حي “اولاد ميمون” من المدينة نفسها كانت نشأته، مخالطا أقرانه في هذا التجمع السكاني المشتهر بنشاطه التجاري مستقطب الباحثين عن “سلع مليلية” من مناطق عديدة بالمغرب، وبالحي نفسه دام مساره الدراسي حتى المرحلة الإعدادية.
يقول محمد: “ذكريات جميلة تربطني بالناظور في مرحلة الطفولة، وسط أصدقائي بالحي وأيضا خلال ممارسة كرة القدم ضمن الفئات العمرية المختلفة لنادي الفتح الرياضي الناظوري، كما كنت في وسط يشجع على البذل الدراسي في إعدادية المسيرة وثانوية الناظور الجديد”.
وبعد الحصول على شهادة الباكالوريا، حصل كنوف على دبلوم السلك الأول من دراسة العلوم القانونية في الكلية متعددة التخصصات بالناظور، التابعة إلى جامعة محمد الأول في وجدة، وبالموازاة مع ذلك حرص على نيل تكوين من سنتين في المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية، ليصير حائزا دبلوم تقني متخصص في كهرباء الصيانة الصناعية.
الطريق إلى أوسلو:
يذكر محمد كنوف أن التفكير في الهجرة غاب عن ذهنه بعدما كان حريصا، عقب نيل شهادة الباكالوريا، على الجمع بين التعليم العالي في العلوم القانونية، من جهة، ومهارات تقنية تتيح له الاندماج في سوق الشغل، مستقبلا، من خلال الأوراش الصناعية الآخذة في النماء بمجموعة من أرجاء المغرب.
ويعلق الشاب الثلاثيني على تلك الفترة قائلا: “الطفرة جاءت بعد الحصول على فرصة الانتقال إلى بلجيكا سنة 2012، وقد قمت باستغلالها من أجل كسب دبلوم في اللغات عن طريق معهد في جهة بروكسيل، ببلدية ‘أوكل’ تحديدا، كما عملت على الانخراط في بعض الأنشطة المهنية من أجل تدبر أموري في هذه التجربة الأوروبية”.
واكتفى كنوف بسنتين اثنتين فقط من التواجد في مملكة بلجيكا، قبل أن يقرر التحرك صوب منطقة اسكندينافيا بغرض ضبط حياته على إيقاع بديل، وكلل هذا الخيار تعرفه في بروكسيل على امرأة تحمل الجنسية النرويجية، لينخرط في تجربة زواج تراهن على تأسيس نواة أسرية في مدينة أوسلو.
هندسة الكهرباء الصناعية:
يشدد محمد كنوف على أن وصوله إلى النرويج، سنة 2017، جعله يقف على مصاعب في الاندماج لم تكن حاضرة بشكل ملحوظ خلال تواجده على الأراضي البلجيكية، إذ كان ملزما بتخطي الوضع من خلال التعرف على الثقافات المحلية، من جهة، وضرورة الخضوع لبرنامج تعليمي يتيح له إتقان التواصل باللغة النرويجية.
ويضيف “ابن الناظور” بهذا الخصوص: “الصعوبة الأكبر تمثلت في عدم وجود الأجواء التي تعرفها بلجيكا من خلال الجالية المغربية المتواجدة هناك بكثرة، وبالتالي أحسست فعلا بطعم الغربة في البداية، لكن الإقبال على ممارسة كرة القدم أتاح لي تشكيل صداقات جديدة مع أشخاص ينشرون الطاقة الإيجابية ويقدمون الدعم والمساندة لمسايرة طموحاتي”.
كما يكشف كنوف أنه استغرق قرابة 3 شهور من أجل تعلم اللغة النرويجية، ليضيفها إلى مهارات حديثه بالفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ثم حصل على فرصة عمل في مؤسسة فندقية، لكنه مازال حاملا رهانات دراسية نتيجة توفقه في معادلة الدبلوم التقني الذي حصل عليه في الناظور، وينتظر استيفاء التكوين في هندسة الكهرباء الصناعية.
في حزب العمال:
يقبل محمد كنوف على العمل السياسي في أوسلو من خلال التواجد في حزب العمال النرويجي، مستندا في هذا الاختيار إلى ميولات سياسية وجمعوية استشعرها خلال فترة العيش في مدينة الناظور، عبر نشطاء مدنيين بالحي الذي كبر فيه، من ناحية، وكونه يتوفر على عم ينشط سياسيا وحبب إليه الحضور في الأنساق الحزبية، من ناحية أخرى.
ويقول محمد: “حزب العمال يعتبر صاحب تجربة كبيرة في الإمساك بزمام السلطة في النرويج، إذ يرتبط بالتسيير خلال ولايات انتدابية عديدة مضت، والانتماء إليه يشجعني لأن عددا من مسؤوليه في أوسلو قبلوا الاشتغال على مقترح برنامج قدمته للقيام بزيارة إلى الصحراء المغربية، من أجل الوقوف على حقيقة الأوضاع هناك، وإطلاق لقاءات مع سياسيين مغاربة لتقريب وجهات النظر بما يخدم البلدين معا”.
ويستند كنوف إلى رصيد 5 سنوات من النشاط السياسي الحزبي في العاصمة النرويجية، وتحديدا بمنطقة “توين” في أوسلو، ليؤكد أنه يسير صادقا في المنحى الملائم لتوجهاته الإيديولوجية، وأنه يملك رغبة حقيقية في خوض أول تجربة انتخابية في النرويج، بدعم من تنظيمه السياسي، عبر الترشح في الاستحقاقات المحلية القادمة.
الابتعاد عن الهامش:
يعتبر محمد كنوف أن السير صوب البصم على مسار ناجح، شخصيا ومهنيا، يحتاج من ذوي الأصول الأجنبية في النرويج، على الخصوص، التوفر على رغبة صريحة في النجاح، أولا، زيادة على العمل بجدية عالية والعمد إلى ضمان الاستمرارية في الأداء حتى تتم صيانة المكتسبات قبل البحث عن تطورات إضافية.
ويؤمن المغربي نفسه، الوافد على أوسلو عبر بروكسيل، بأن المغاربة مختاري الاستقرار على التراب النرويجي لا خيار أمامهم غير الدخول إلى عمق المجتمع في الحيز الجغرافي الذي يحتضنهم، وأي تردد في القيام بذلك لا يمكن أن يجعلهم إلا واقفين على الهامش، بلا أي حظوظ في الاستفادة من الفرص المتيحة لتحسين الأوضاع.
“لدي يقين، أيضا، بأن أفراد الجالية المغربية سفراء للوطن الأم أينما كانوا، وهذا ما يطالب الحاضرين في النرويج بالحرص على تقديم صورة إيجابية عن كل المغاربة، والمساهمة في إرساء التقارب الهوياتي والثقافي مع النرويجيين جميعا حتى يعرفونا بجد”، يختم محمد كنوف.