قلم: محمد الموساوي
اثار فيلم انوال الذي يقوم بتصويره المخرج محمد بوزكو وسيناريو محمد النضراني وتشخيص مجموعة من الممثلين المغاربة،اثار الكثير من ردود الفعل، بين من يدعو الى تأجيل اصدار الحكم على الفيلم الى ما بعد مشاهدته، وهناك من راى من حقه ان يبدي رأيه منذ الان، لعدة اعتبارات. وهذا امر عادي، لا يستدعي القساوة في النقاش ولا توزيع الاتهامات، خاصة ان الفيلم يتعلق بحدث تاريخي حساس، ما زال لحد الان يتم التعامل معه بتوجس واحيانا بمنطق تصفوي، ولذلك من تحصيل الحاصل ان يثير هذا النقاش وهذا التعارض في الاراء.
شخصيا من الذين يرون انه من حقنا ان نبدي رأينا فيه منذ الان، لعدة اعتبارات، هذا بيانها:
– اولا: لنتفق ان الامر يتعلق بفيلم مبني على حدث تاريخي ورجل استثنائي، وليس فيلم تخييلي خالص، هذا الحدث وهذا الرجل ما زالا محاصران في المغرب، هذه حقيقة لا مراء فيها، لنتذكر ان في محاكمات معتقلي حراك الريف، كانت توجه اسئلة الى المعتقلين من قبيل: لماذا نشرت صورة الخطابي غلى الفايسبوك ولماذا وضعت في بروفايلك علم جمهورية الخطابي..الخ، وايضا قبل سنوات قليلة في احدى مباريات كرة القدم التي كان طرفها فريق شباب الحسيمة، حدث ان رفع الجمهور صورة للخطابي فهرع المخازنية الى المدرجات لانتزاع الصورة، رغم انه في حالات مشابهة، مثلا جمهور اتحاد طنجة، اكثر من مرة صنعوا “تيفو” لابن بطوطة، ولا احد انتزعه منهم. اضف الى ذلك ان السلطات دأبت كل سنة على قمع وقفة رمزية ينظمها بعض الشباب في موقع انوال احتفاء بالذكرى.
ونحن نعلم ان الفيلم ينجز بدعم من المركز السينمائي المغربي الذي هو مؤسسة رسمية، وعليه من حقنا ان تكون لنا تخوفات مسبقة، حتى قبل مشاهدة الفيلم، للاعتبارات الانفة الذكر، ولاخرى لا يتسع المجال لعرضها هنا.
-ثانيا: نعرف ان الافلام التاريخية تستلزم ميزانية ضخمة، مثلا تكلفة انتاج فيلم عمر المختار بلغت 35 مليون دولار، اي 35 مليار سنتيم، في حين ان المركز السينمائي المغربي، لم تبلغ ميزانيته خلال العشر سنوات الاخيرة مجتمعة هذا القدر، مع العلم ان المركز يمول كل موسم عشرات الافلام وليس هذا الفيلم فقط، اذن فنتأمل في الميزانية التي رصدت لفيلم “انوال”. من جهة ثانية سيناريو الافلام التاريخية عادة يتكلف بكتابته سيناريست محترف وتقوم بمراجعته نخبة من المتخصصين في الموضوع، فمثلا فيلم الرسالة كتبه السيناريست العالمي الايرلندي “هاري كريج” وقامت بمراجعته لجنة مكونة من توفيق الحكيم وعبد الرحمان الشرقاوي ومحمد علي ماهر وعبد المجيد جودت السحار.
هذا بالنسبة للميزانية والسيناريو، اما بالنسبة للتشخيص، فاغلب الممثلين الذين شخصوا ادوار شخصيات تاريخية، يقومون بتهيء انفسهم لهذا الدور من خلال التردد على مكان اقامة الشخصية التاريخية، ومحاولة تمثل شخصيته قبل التشخيص من خلال تقليد ماذا كان يلبس، ماهي الطقوس الحياتية التي كان يمارسها …الخ كل هذه الامور حتى يكون صادقا في تشخيص الدور وتمثل الشخصية احسن تمثل، فهلا قام ربيع القاطي (الموكول له تأدية دور محمد بن عبد الكريم الخطابي) بهذه التدريبات، ام كل شيء اريد له ان يكون على عجل؟
-ثالثا: بالنسبة لمن يقولون ان محمد النضراني كان معتقلا سياسيا وانه رجل شريف وصادق، طبعا هذا لا ينكره احد، لكن هذه السيرة وحدها لا تكفي لكتابة سيناريو عن معركة وزعيم من هذا الحجم، والا لماذا لجأ العقاد الى “هاري كريج” لكتابة سيناريو الرسالة وايضا سيناريو فيلم “عمر المختار”؟ هل ليس هناك كتاب سيناريو عرب يمكن لهم ان يقوموا بهذه المهمة، ام ان العمل الفني الاحترافي يحتاج الى الاحترافية في صناعته وانتاجه.
محمد النضراني نعزه ونقدره ونجلّه، نعم له تجربة في كتابة السيناريو وقد سبق له ان انجز قصص مصورة bandesdessinées عن محمد الكريم الخطابي في غاية الروعة، لكن هذا ليس كافيا، في تقديري، ليس كافيا لتقديمه كحجة للانتظار الى ما بعد الفيلم لابداء الرأي.
-رابعا: هناك من يلق بحجة مفادها: نحن ليس لدينا تراكم في هذا المجال، دعونا نبدأ ومن بعد عندما نحقق التراكم يمكن ان نصحح اخطاءنا وننتج ما هو افضل واكثر احترافية.
طيب، ظاهريا تبدو هذه الحجة معقولة، لكن في تقديري، هذه الحجة هي اقرب الى ما قاله يوما عبد الرؤوف في احدى “سكيتشاته”، (قالك عبد الرؤوف انا الا بغيتوني نقرا خصني نبدا من الشهادة اوننزل معها للقسم الرابع فالثالث فالثاني ثم التحضري، ماشي غنبدا من التحضيري) هذا ما ينطبق تماما على هذه الحجة. طيب ان اردتم الدفع بتحقيق التراكم في انتظار استواء عودنا في المجال لنحقق ما هو اجود وافضل، فلنبدأ من التحضيري وليس من قسم الشهادة، بمعنى فلنبدا مثلا بانتاج افلام واعمال حول “عما اوثمسمان” “موح ازذاذ” “موح امضارس” “عدنبي”…وغيرهم كثير، وحول “دهار اوباران” “اغريبن” “معركة دحر يوحمارة” وغيرها، عندما نحقق التراكم حينها يمكن ان نصعد الى القمة، ونصل الى قسم الشهادة، وننجز فيلما عن انوال والخطابي.
-خامسا: من عادة الافلام التي تنجز حول شخصيات تاريخية، ان تتعرض لمثل هذا النقاش، وليس في الامر اي انتقاص، مثلا غيفارا انتجت حول العديد من الافلام، والكثير من هذه الافلام تعرضت للنقد والحكم المسبق حتى قبل ان ترى النور، تعرضت لذلك بالنظر الى الجهة المنتجة وبالنظر الى طاقم الفيلم والميزانية المرصودة.
-سادسا: شخصيا لدي تخوف مرده الى الى هذه المعادلة التي ستكون حاضرة بقوة بعد مشاهدة الفيلم، ستكون حاضرة شئنا ام ابينا. هذه المعادلة فحواها، ان من سيشاهد الفيلم، من حيث لا يدري، وربما بدون وعي حتى، سيقسط في فخ مقارنته بفيلم “عمر المختار” وعندما نعلم الميزانية التي رصدت لعمر المختار والطاقم الفني (ازيد من 250 ممثل ينتمون الى ازيد من 15 جنسية، و كومبارس يتجاوز 5000 ممثل)، وايضا التشخيص المزدوج، فمثلا شخصية عمر المختار اداها انطونيو كوين في التشخيص، وصوتيا اداها الممثل عبد غيث، ونحن نعلم ان عبد الله غيث ممثل بارع، لماذا لم يأخذ الدور اصلا، ولماذا اللجوء الى كوين، والاستعانة بصوته فقط في هذا الدور؟ الامر راجع الى شيء اسمه الاحترافية واتقان العمل، ولا علاقة له بمنطق “ديالنا ولا ماشي ديالنا”. (هذا لمن يتحججون ان النضراني من عندنا وان بوزكو من عندنا خصنا نشجعوهوم، ومن يقول: نشين اريفين انهدّم ايويا) وعليه ستكون المقارنة مظلومة، ان لم اقل ستكون طريقا لتقزيم شخصية الخطابي وتصفية قوة وجدارة معركة انوال، طبعا لن يحدث هذا لي ولا لك انت، بل ستحدث للمتلقي الذي معلوماته محدودة جدا عن الزعيم والمعركة، وهذا حال اغلب المغاربة بسبب الحصار الرسمي المضروب عليهما.
لكل هذا، ولمعطيات وحجج اخرى لا يتسع المقام لسردها، جعلتني ارى ان الفيلم يحكمه التسرع والعجلة، مثله مثل اي اكلة تم تحضيرها في طنجرة الضغط، لالتهامها على عجل، وعليه من حقي ان ابدي تخوفا قبليا حتى قبل مشاهدة الفيلم.