أضحت الهجرة بالمغرب ظاهرة اجتماعية مستفحلة لا تقتصر فقط على الهجرة السرية بقوارب الموت وإنما بشكل قانوني من خلال عقود عمل وتأشيرات لدول مختلفة يطلبها كفاءات وحاملي شواهد ودبلومات بالمغرب.
سنحاول تناول هذا الموضوع من خلال جانبين الأول يتطرق للهجرة السرية والثاني يتطرق لهجرة الكفاءات والأطر. فبخصوص الهجرة السرية عرفت أوجها خلال السنوات الأخيرة 2016-2017-2018 -2019-2020-2021-2022 ووصلت نسبتها لأرقام قياسية لم تصلها منذ سنوات، حيث تشير بعض الأرقام لبلوغ أكثر من 10 آلاف مهاجر سري للضفة الأخرى، عكس التصريحات الرسمية للحكومة التي تنفي وصول هذا العدد.
وتمظهرت الهجرة مؤخرا من خلال وسائل جديدة كالاعتماد على الدراجات النارية البحرية أو الزوارق السريعة (زودياك، فونطوم، الشبح …) بينما لم يعد يتم اللجوء إلى الاختباء وسط شاحنات نقل السلع كما كان يتم في السابق وتم التشديد على هذه الطريقة الأخيرة من خلال وضع أجهزة الكشف والتجسس لشاحنات نقل البضائع الضخمة بعد أن هاجر بهذه الطريقة عشرات الآلاف وأغلبهم كان من القاصرين ومنهم من كان قد لقي نحبه بين عجلات الشاحنات. وقد ظهرت سنة 2018 زوارق تعمل بثلاث محركات أو أكثر تقل معها المرشحين الراغبين في الهجرة وذلك بشكل مجاني دون أي أجر يذكر الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها يتم إطلاق الرصاص الحي من طرف السلطات المغربية على مرشحين للهجرة كان يمتطون زورقا خفيفا بثلاثة محركات وكان يقل حوالي 18 مرشح للهجرة لقيت في هذا الحادث شابة حتفها بينما أصيب أربعة آخرون بالرصاص وتم نقلهم للمستشفى وتم اعتقال صاحب الزورق وهو إسباني الجنسية ومشتبه لارتكابه بعض الجرائم في الترابين الإسباني والمغربي. وقد توافد آلاف الشباب من مجموعة من المدن المغربية على سواحل الشمال (طنجة/سبتة المحتلة/تطوان/الحسيمة/مليلية المحتلة – اقليم الناظور) راغبين في فرصة مجانية للهجرة بعد انتشار وتكرر حالات خروج زوارق بشواطئ الشمال تقل مرشحين للهجرة بشكل مجاني.
الهجرة هي تعبير عن رفض البقاء في البلد، واحتجاج على الوضع المزري، فالاحتقان بات يخيم على المواطنين من خلال سخطهم المتواصل على ما وصل إليه الوضع.
أما بخصوص هجرة الكفاءات فهي هجرة تنعش البلد المستقبل أكثر من الهجرة السرية التي تنعشه أيضا باليد العاملة الرخيصة، فهجرة الكفاءات كان يصطلح عليها في الماضي هجرة الأدمغة. وهي هجرة ازدهرت مؤخرا ونجدها بمظاهر مختلفة، إما أن يكون الشاب (ة) قد درس ببلد أجنبي (إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، كندا…) وبعد نهاية دراسته يرفض العودة ويندمج هناك من خلال التحفيزات التي تقدم إليه وظروف الرفاه التي يعيشها عكس المغرب أن تكون موظفا عموميا وبأجرة ستعاني لأنك ستصنف في الطبقة المتوسطة أو أقل، و إما أن يكون الشاب (ة) درس بالمغرب وحصل على شواهد عليا أو دبلومات مهنية فيراسل شركات أجنبية وتتكلف لهم بكل الوثائق والتأشيرة وما إلى ذلك فيغادر البلاد نحو عمل أفضل وحياة كريمة. وتجد تخصصات الكفاءات مختلفة بين الطب والصيدلة والهندسة والمعلوميات. ففي خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الأخير أكد فيه على ضرورة احتضان الكفاءات والاعتناء بالشباب وفتح فرص شغل.
عن أسباب الهجرة، فهي نتاج ظواهر أخرى كالبطالة والفقر وعنوسة الرجال والنساء وقلة الخدمات الاجتماعية وارتفاع مستوى المعيشة بالمغرب ودخول الحكومة في اصلاح صندوق المقاصة لدعم المواد الغذائية الأساسية التي رفعت الحكومة يدها عنه، وتقليص نسبة التوظيف والتوجه نحو التوظيف بالتعاقد الشيء الذي يرفضه الشباب الحامل للشواهد ويضطر مكرها للانخراط فيه هروبا من البطالة، والاصلاح المشؤوم لصناديق التقاعد الذي جعل المتقاعد يشتغل سنوات أكثر ويساهم في الصندوق بشكل أكبر ويخرج بمعاش تقاعد أقل.
كذلك فقدان المواطن المغربي الثقة في المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية والبرلمان، الذين يعتبرون مرآة للشعب لكنهم عكس ذلك، في مرضهم يتعالجون ببلدان أجنبية، يدرسون أبناءهم هناك، يصرفون أموالهم هناك، يقضون عطلاتهم هناك. ثم ضرب التعليم من خلال تغيير البرامج التعليمية والمقررات الدراسية والاتجاه نحو التدريج بدل التعريب، وضرب مجانية التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص وعدم إيجاد بدائل للمنقطعين عن الدراسة والاتجاه نحو خوصصة التعليم.
عادل تولة
هاذه الهجرة هي التي تنقذ الشعوب العربية من أسنان حكامهم الذين يفترسونهم في واضح النهار على مرأى ومسمع دوال العالم .