زايو سيتي
في الوقت الذي أصبحت فيه ظاهرة تشغيل الأطفال تثير قلق العديد من الفاعلين الاجتماعيين في المغرب وفي الوقت الذي صار العالم يندد بالظاهرة، نجد أن مدينة زايو أصبحت تسلك مسارا معاكسا، من خلال تزايد عدد الأطفال القاصرين الذين يشتغلون بمهن مختلفة.
فقد عاينت “زايوسيتي.نت”، صباح اليوم، صفّاً من الأطفال يقف بـ”الموقف”، وسط زايو، في انتظار فرصة لقدوم أحد المشغلين يأخذهم للعمل في حقول سهل صبرة بأولاد ستوت.
هذا المشهد “المأساوي” ينذر بكارثة اجتماعية يكون الطفل ضحيتها الأولى، مع انعكاسات ذلك على الأسرة وعلى المجتمع.
الحديث إلى هؤلاء الأطفال يشكل دراما حقيقية لواقع مر، خاصة حين يكشفون لك عن التعويضات التي يتلقوها نظير الأشغال “الشاقة” التي يقومون بها، لتكتشف أن أصحاب الحقول يستغلون البراءة بمنح الأطفال أجورا هزيلة جدا لا يقبل بها الكبار.
هزالة الأجور قد تكون أول عامل يدفع مالكي الحقول نحو تشغيل الأطفال، خاصة أن أعين الرقابة غائبة، ما يجعلهم يقترفون هذا الجرم دون حرج.
يقول أحد الأطفال أنه استفاق عند حدود الساعة السادسة، وبعد نصف ساعة كان متواجدا في “الموقف”، قبل أن يأتي صاحب سيارة فلاحية ليأخذهم نحو أحد الحقول بسهل صبرة، وهناك اشتغل إلى غاية الخامسة مساء في تنقية الحقل.
يضيف الطفل أنه أخذ وجبة واحدة عبارة عن بطاطس مطبوخة ولا شيء آخر معها، وفي نهاية يوم العمل منحه رب العمل 40 درهما أجرة يوم.
هذا الطفل صورة لعشرات الأطفال الذين يتم استغلالهم في الحقول وفي مهن أخرى، ناهيك عما قد يقع من اعتداءات خطيرة على الطفل تؤثر على كافة حياته.
وإذا الاستغلال عاملا أساسيا في تشغيل الأطفال، من خلال منحهم أجورا جد هزيلة، فإن هناك أمرا آخر لا يقل أهمية عن سابقه، يعد سببا حقيقيا في تشغيل الأطفال، إنها الأزمة التي تضرب الأسر بزايو.
فقد عاينت زايوسيتي موقفا خطيرا لطفل يشتغل في جمع الصحون بأحد المطاعم وسط زايو، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة وعشر دقائق بعد منتصف الليل، في حين من المفروض أن يكون الطفل في هذه الساعة نائما وسط أسرته.
حين سألنا عن الطفل تَبَيَّنَ أن والدته أرملة، ولا معيل لها غيره، وهي التي لا تستطيع الخروج للعمل مخافة التحرش بها، خاصة أن لها تجارب مريرة في هذا الباب.
هذا الطفل بدوره عنوانا لأزمة حقيقية تتمثل في عدم تحمل الدولة للمسؤولية تجاه الأرامل والمطلقات، ما يضطرهن للعمل في مهن قد تكون منحطة ومنافية للأخلاق، وفي أحسن الأحوال يدفعن بأطفالهن نحو الاشتغال في الحقول أو البيوت والمشاريع الصغرى.
والحديث عن الظاهرة فإن الحكم عليها بالتقلص أو الارتفاع فيه نوع من الاختزال العلمي نظرا للسرية التي تحيط بها. إذ تحجب، هذه السرية، إمكانية الحصول على أرقام دقيقة تعبر عن حجم الظاهرة.
ومن خلال الملاحظة العينية يتبين أن الهاجس السوسيو اقتصادي هو السبب الرئيسي وراء انتشار تشغيل الأطفال بزايو.
وعندما نتأمل ملامح هؤلاء الأطفال يبدو جليا أنهم قادمون من أوساط فقيرة، لكن هذا ليس السبب الوحيد. فهناك ما يسمى ب”الاستثمار” في الفقر أو العاهة الاجتماعية، فثمة عائلات تستثمر في أبنائها وتعتبرهم مصدرا للحصول على عائدات مالية.
وفي ظل ارتفاع الظاهرة نجد غيابا للتشريعات والقوانين، ما يجعل الأطفال عرضة للتشغيل والتسول وأحيانا للاستغلال الجنسي؛ لاسيما مع التحولات السوسيولوجية التي عرفها المجتمع المغربي وخصوصا لدى الأسر المدينية التي تعرف نوعا من التفكك الراجع إلى خروج الزوجين معا إلى سوق العمل.
إن تحقيق العدالة الاجتماعية يقتضي التخلص من آفة تشغيل الأطفال، وذلك بدراسة أسبابها وإصلاح الخلل وإعادة الاعتبار لهذه الأسر التي يفرض عليها قسراً أن تقود أبناءها إلى أبواب المشغلين.