محمد الراجي
تماهت مواقف الأحزاب السياسية المغربية إزاء الأحداث الدامية التي شهدها محيط السياج الفاصل بين التراب المغربي ومدينة مليلية المحتلة، حدّ التطابق؛ إذ صب مجملها في اتهام جهات خارجية بإشعال شرارة تلك الأحداث التي خلفت ثلاثة وعشرين قتيلا، بينما يُستبعد أن تُطرح هذه القضية في البرلمان بسبب دنو نهاية السنة التشريعية الجارية.
وفسّر عبد الرزاق الحنوشي، إطار مكلف بالدراسات بمجلس النواب منذ 1994 مدير ديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان من 2011 إلى 2018، تطابُق مواقف الأحزاب السياسية المغربية بشأن أحداث مليلية، على غرار أحداث تدفق آلاف المهاجرين المغاربة على مدينة سبتة سنة 2021، بوجود فهم لدى الطبقة السياسية المغربية بأن تدبير العلاقات مع دول الجوار مجال سيادي.
سببٌ آخر يرى الحنوشي أنه يدفع الأحزاب السياسية إلى تبني مواقف متطابقة إزاء أحداث مليلية، وقبلها أحداث سبتة، هو أن الطبقة السياسية المغربية مقتنعة بـ”ضرورة أن تكون هناك جبهة داخلية موحدة، وتبنّي خطاب موحد للدفاع عن القضايا الكبرى للبلاد، لا سيما ذات البعد الخارجي، ومواجهة الأطراف الخارجية التي تعاكس مصالح المغرب”.
وقال الخبير الحقوقي ذاته في لقاء قدم فيه كتابه “البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات”، احتضنه مقر “مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن حقوق الأجانب والمهاجرين” (GADEM)، مساء الخميس بالرباط، إنه لا يميل إلى انصهار مواقف الأحزاب في بوتقة واحدة، “لأن ذلك يعني موت السياسة”، غير أنه أكد ضرورة أن “نتفق حول الهدف العام، وهو أن ندافع عن بلدنا حينما تتعرض لأي خطر، فهذا لا نقاش فيه، ولكن يجب أن يكون ذلك حسب قناعة وتصوُّر كل طرف وبخطاب مختلف”.
واستبعد الحنوشي أن تجري مساءلة الحكومة من طرف البرلمان بشأن أحداث مليلية، على اعتبار أن الدورة التشريعية الربيعية توشك على الاختتام، قائلا: “ستوضع أسئلة من طرف الفرق البرلمانية ولكن لن يكون هناك جواب من طرف الحكومة حاليا، لأن الأجل المحدد لها للإجابة هو عشرون يوما، بينما ستنتهي السنة التشريعية يوم خامس يوليوز، وإذا تمسكت الفرق البرلمانية بتلقي الجواب من الحكومة، فإن ذلك لن يتم إلا في شهر أكتوبر المقبل (بعد افتتاح السنة التشريعية الجديدة)”.
ويرى مؤلف كتاب “البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات” أن الاهتمام بحقوق المهاجرين من طرف المؤسسة التشريعية برز بشكل أقوى خلال الولاية التشريعية 2016-2021، “لأن البرلمانيين تكوّن لديهم وعي بالموضوع بعد الزخم الذي عرفه في السنوات الأخيرة”، مشيرا إلى التقرير الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول حقوق المهاجرين والتوصيات التي رُفعت إلى الملك ونتجت عنها إجراءات من قبيل تسوية وضعية المهاجرين في وضعية غير نظامية، إضافة إلى احتضان المغرب لمجموعة من المنتديات والمؤتمرات الدولية حول الهجرة.
وأضاف أن الديناميات التي عرفها المغرب في مجال الهجرة جعلت البرلمانيين يهتمون بموضوع المهاجرين، غير أن فهم كيفية تعاطي البرلمانيين مع قضايا الهجرة بشكل أعمق يقتضي “النظر إلى الموضوع من زاوية براغماتية وسياسية، لأن سلوك الفاعل السياسي ينطلق من سؤال: ما هي العائدات التي سيكسبها من اهتمامه بهذا الموضوع؟ والهجرة لا تثمر عائدا جيدا لأن المهاجرين ليسوا قاعدة انتخابية”، على حد تعبيره.
واعتبر الحنوشي أن “البرلماني يمكن أن يكون ذا خلفية حقوقية، ولكن قد لا يذهب إلى جعل موضوع الهجرة أولوية”، متوقعا أن يتغير هذا البراديغم حين تتم مناقشة وضعية المهاجرين من زاوية إدماجهم وتمتيعهم بالحقوق المدنية والسياسية والمشاركة في الانتخابات، “لأن تمتع المهاجرين بهذه الحقوق سيجعل منهم قاعدة انتخابية، ومن شأن ذلك أن يدفع الفاعل السياسي إلى الاهتمام أكثر بقضايا الهجرة”.
وتوقف المتحدث عند تعاطي البرلمان مع الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الحكومة خلال حالة الطوارئ الصحية إبان جائحة فيروس كورونا، معتبرا أن المؤسسة التشريعية تعاملت مع الموضوع بما تقتضيه الظروف الاستثنائية للجائحة ولم يشُب عملها أي خلل أو تقصير بشأن التعامل مع هذه الظرفية الاستثنائية.
وزاد موضحا: “ظهرت الجائحة في المغرب في مارس 2020، وكان لا بد من اتخاذ قرارات، لأن كل تأخير له تكلفة على مستوى مقاومة الوباء، وحينها كانت الدورة التشريعية الخريفية قد انتهت، وكنا أمام اختيارين، إما أن نتشبث بمبادئ الديمقراطية وننتظر إلى غاية افتتاح الدورة الربيعية في منتصف أبريل لكي يصادق البرلمان على الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة، أو نلجأ إلى التشريع الاستعجالي، وهي آلية يكفلها الدستور، وهذا ما فعلناه”.
وأضاف: “من الناحية الموضوعية والمعيارية والدستورية، ليس هناك أي خرق للمساطر والإجراءات القانونية، والكلام الذي قيل حول هذا الموضوع فيه نوع من المزايدات”، لافتا إلى أن هناك مؤشرات تعكس نهوض المؤسسة التشريعية بمهمة مراقبة ومساءلة الحكومة بشأن تدبير مرحلة الجائحة، حيث تم طرح أكثر من 1600 سؤال في سنة ونصف، من مارس 2020 إلى يوليوز 2021.
وأشار الحنوشي إلى أن البرلمان بغرفتيه شكل لجنة موضوعاتية مكلفة بإعداد تقريرين حول مواجهة حالة الطوارئ الصحية، بعدما أظهرت جائحة كورونا أن المغرب لا يتوفر على هذه الآلية.
من جهة ثانية، دعا الخبير الحقوقي ذاته إلى جعل اللجنة الموضوعاتية الدائمة المكلفة بحقوق الإنسان، التي سيحدثها البرلمان، موضِع “ترافعِ أوسعِ تحالف من الفاعلين المدنيين والسياسيين أيضا، لأنها من المعايير الأساسية التي وضعها البرلمان الدولي والمفوضية الأممية المكلفة بحقوق الإنسان، في ما يتعلق بمأسسة اهتمام السلطة التشريعية بحقوق الإنسان”، مضيفا أن هذه المبادرة “ستكون هي بؤرة كل المبادرات البرلمانية المتعلقة بحقوق الإنسان”.
وشدد الحنوشي على أهمية دور المؤسسة التشريعية في البناء الديمقراطي، قائلا: “أنا من أشرس المدافعين عن مؤسسة البرلمان، وليس عن البرلمانيين، لأن الديمقراطية رهينة بهذه المؤسسة، ولا توجد ديمقراطية خارج البرلمان”.