عبَّر العمال القانونيين بسبتة ومليلية عن رفضهم لقرار السلطات الإسبانية بفرض تأشيرات استثنائية عليهم من أجل الدخول إلى المدينتين المحتلتين، وذلك بعد مرور أزيد من سنتين من توقفهم عن أعمالهم بسبب إغلاق المعبرين الحدوديين. وشرعت القنصليتين الإسبانيتين بكل من تطوان والناظور، منذ بداية الأسبوع الجاري، في استقبال ملفات العمال القانونيين بالمدينتين السليبتين، قصد منحهم تأشيرة الدخول، وهو ما أثار غضب العمال الذين عبروا عن تفاجئهم من هذه الخطوة، بعدما كانوا يتنقلون في السابق عبر بطائق العمل فقط.
وهددت المكاتب النقابية لعمال سبتة ومليلية، بخوض وقفات احتجاجية أمام المعبرين، كما وجهت مراسلة إلى وزير الخارجية المغربية من أجل التدخل لضمان عودة العمال إلى أعمالهم بدون شروط، مشيرة إلى أنها تعتزم التوجه إلى القضاء الدولي ضد الحكومة الإسبانية. وبحسب أرقام غير رسمية، فإن أزيد من 5000 عامل قانوني كانوا يشتغلون في مليلية، إلى جانب 3600 في سبتة، توجد ضمنهم أعداد كبيرة من النساء المعيلات لأسرهن، حيث لم يستفيدوا من أي دعم مرتبط بجائحة كورونا من المغرب أو إسبانيا خلال فترة توقفهم عن أعمالهم على غرار فئات أخرى. حرمان الآلاف شكيب مروان، الكاتب العام لنقابة العمال والعاملات المغاربة المرخص لهم بسبتة، قال في اتصال لجريدة “العمق”، إن فرض التأشيرة على العمال القانونيين يعني إقصاء الآلاف من حقوقهم القانونية وحرمانهم من العودة إلى أعمالهم التي تشكل مصدر زرقهم الوحيد.
وأوضح أن القنصلية الإسبانية بتطوان ستبدأ في منح تأشيرات غدا الجمعة ويوم الإثنين المقبل، لبضع عمال ممن لا تزال تصاريحهم في سبتة سارية، لافتا إلى عددهم لا يتجاوز 140 شخصا، مما يعني حرمان الآلاف من العمال من حقهم في الولوج إلى المدينة بعد عقود من العمل بسبتة. المسؤول النقابي أبزر أن عمال سبتة ومليلية كانوا يأملون أن تفرض الحكومة المغربية مطالبهم على نظيرتها الإسبانية، من أجل عودتهم إلى أعمالهم بشكل يضمن كرامتهم وحقوقهم، خاصة عبر تسوية وضعيتهم القانونية ووثائقهم الإدارية المنتهية منذ سنتين.
ويرى مروان أن أهم وثيقة يُطالب العمال بمراجعتها، هي بطاقة العبور المعروفة باسم “فرونتيريسو”، والتي تسمح بالعبور اليومي فقط عبر المعبر الحدودي، دون إمكانية الإقامة أو التنقل عبر المطارات والموانئ، مشددا على ضرورة التفاوض مع الإسبان حول منح العمال بطاقة “إقامة العمل”. “إجراءات تعسفية” المكتب النقابي للعاملات والعمال حاملي رخض الشغل بمليلية، عبر عن رفضه التام للإجراءات التي اتخذتها السلطات الإسبانية بفرض تأشيرة خاصة على العمال الذين يملكون تصاريح سارية، ومنع الذين انتهت صلاحية تصاريحهم من الولوج، مع تعقيد المساطر المتبعة في هذا الشأن، بعدما كانوا يلجون دون قيد أو شرط سابقا. واعتبر المكتب النقابي في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن عملية فتح المعابر لم تراعي مصالح وحقوق هذه الفئة من أقدمية عملهم ومدخراتهم وملفاتهم الطبيبة، رغم تقديمهم لكل المعطيات للجهات المسؤولة من لوائح بأسماء العمال، ومراسلة البرلمان ووزارتي الداخلية والخارجية منذ قرار إغلاق الحدود.
وفي هذا الصدد، طالبت النقابة بإيجاد حل عاجل للملف وإلغاء كل “الإجراءات التعسفية” التي تحرم العمال من الالتحاق بأعمالهم أو الولوج إلى المدينة قصد الترافع والمطالبة بحقوقهم أمام المحاكم والمؤسسات الإسبانية، مطالبة النقابات في مليلية بدعم الملف. وكشف المصدر ذاته، عزم المكتب النقابي للعاملات والعمال التوجه إلى القضاء الدولي للمطالبة بتعويض أقله 100 مليون يورو لهذه الفئة، جراء ما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية، داعيا المنظمات الحقوقية للتعاون في هذا الأمر، مشيرا إلى احتفاظ النقابة بتبني كافة الخيارات النضالية المشروعة والقانونية لتحقيق مطالبها العادلة.
ويتوفر هؤلاء العمال على عقود عمل قانونية بسبتة ومليلية، وعلى رأسها بطاقة الشغل وعقود التأمين والتغطية الصحية والتقاعد والتعويضات عن الأبناء، إلا أن إغلاق المعبر جعلهم مهددين بفقدان وظائفهم في ظل القوانين الإسبانية التي تسمح بفصل من تغيب عن العمل لأزيد من 6 أشهر. “وصمة عار” للمغرب وإسبانيا من جانبه، عبر الاتحاد المغربي للشغل بتطوان، عن استنكاره الشديد لقرار فرض التأشيرة على العمال المغاربة القانونيين بمدينة سبتة، معتبرا أن القرار يشكل “حيفا وتمييزا بحق الضحايا الذين ساهموا بسواعدهم في بناء المدينة عمرانيا دون أدنى اعتبار لخدماتهم الجليلة”.
وأدانت النقابة في بلاغ لها، ما أسمتها “سياسة الصمت المطبق الممنهج من طرف الحكومة عامة، والوزارة المختصة بقضية العمال خصوصا”، مطالبة بوضع حد لـ”سياسة اللامبالاة التي قوبلت بها قضية هؤلاء المواطنين المغاربة مهضومي الحقوق”. وحمل البلاغ كامل المسؤولية للحكومتين المغربية والإسبانية، لما ستؤول إليه الأمور جراء الأشكال النضالية المزمع تنفيذها، والممثلة في وقفات احتجاجية موسعة سلمية في كل من المعبر الحدودي باب سبتة، وأمام مقرات السلطات العمومية. :
واعتبرت النقابة أن “الهجوم الشرس على حقوق العمال القانونيين، يشكل وصمة عار على جبين الحكومتين المغربية والإسبانية”، مطالبة بفتح حوار جدي والتفاوض مع الممثلين النقابيين، محليا وجهويا، لبحث معالجة الملف الذي لن تكون نتائج استمراره لصالح جو الاستقرار والسلم الاجتماعي بهذه المنطقة، حسب لغة البلاغ. وأشار المصدر ذاته إلى أن انقطاع عمال سبتة عن أشغالهم لأزيد من سنتين، وعدم استفادتهم من دعم صندوق كورونا بالمغرب، ولا من المساعدات التي تقدمها الحكومة الإسبانية بمبرر أنهم ليسوا من سكان سبتة ولا مواطنين إسبان، خلف آثارا نفسية خطيرة على العمال والعاملات، وزاد من وقع معاناة الحرمان من مصدر قوتهم اليومي والوحيد.
واتهم البلاغ السلطات الإسبانية بتجاهل ما يؤديه هؤلاء العمال من اشتراكات لدى الصناديق الاجتماعية بسبتة، وضرائب تخص أجورهم الشهرية، داعيا الجميع إلى التدخل الحازم لحمايتهم من الضياع والتشرد وإنقاذهم من الحرمان والفاقة. “فيزا” خاصة وكانت إسبانيا قد قررت فرض تأشيرات استثنائية خاصة بالعمال المغاربة القانونيين بسبتة ومليلية، ويتعلق بتأشيرة مؤقتة ستمكنهم من الولوج إلى المدينتين، وليست تأشيرة “شينغن”، وتهم فقط العمال المغاربة الذين يتوفرون على عقود عمل وتصاريح سارية.
وبحسب ما كشفه عمال قانونيين بسبتة، فإن هذه التأشيرة ستكون مجانية، كما أن الوثائق المطلوبة ليست معقدة، وتتجلى أساسا في الأوراق والعقود التي تثبت أن الشخص كان يعمل بشكل قانوني في سبتة، خاصة بطاقة المرور عبر المعبر. وأوضحت المصادر أن هذه التأشيرات ستكون مؤقتة في مدتها، إلى حين تسوية العمال لأوضاعهم القانونية مع مشغليهم ومنحهم بطاقة المرور التي كانوا يلجون بها سبتة عبر المعبر الحدودي، مشيرة إلى أن القنصلية الإسبانية بتطوان تتوفر على لائحة بأسماء المعنيين. وعاينت الجريدة توافد العشرات من العمال القانونيين بسبتة على القنصلية الإسبانية بتطوان، خلال الأسبوع الجاري، من أجل أخذ موعد لدفع الملف الخاص بالتأشيرة، بعدما كانت السلطات الإسبانية قد حددت تاريخ 31 ماي الجاري موعدا لعودة العمال القانونيين.
غير أن عددا من العمال أبدووا مخاوفهم بشأن خطوة منحهم التأشيرة، محذرين من احتمال حرمان عدد منهم، كما تساءلوا عن مدة هذه “الفيزا” المؤقتة والوثائق التي ستسمح لهم مستقبلا بدخول المدينة. وكان المتضررون قد كشفوا في تصريحات سابقة ، أنهم أصبحوا يضطرون إلى بيع ملابسهم وأثاث منازلهم وكل ما يملكون من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم، بعدما عجز أفراد أسرهم عن الاستمرار في دعمهم طيلة عامين.
وأوضحوا أن هناك استدعاءات بحقهم في المحاكم بسبب عدم أدائهم سومة الكراء والقروض الصغرى المتراكمة عليهم، لافتين إلى أن بعض العائلات تم نزع عدادات الكهرباء من منازلها بسبب عدم أداء الفواتير المتراكمة عليهم منذ أشهر طويلة. وإلى جانب ذلك، تعاني مجموعة من العاملات والعمال من أمراض مزمنة، يجدون معها صعوبة في توفير مصاريف العلاج والأدوية، بعدما كانوا يستفيدون من رعاية صحية جيدة في سبتة، بحسب قولهم، مشيرين إلى أن أغلبهم أمضى أزيد من 30 عاما في عمله داخل المدينة المحتلة.
العمق المغربي