بقلم – علال زوهري
أصبح المشهد السياسي بالمغرب أشبه بمسرحية هزلية يؤديها هواة للتمثيل يفتقرون لأبسط مقومات الفن ولا يتقنون حتى النطق السليم للهجة وللغة عامة، وأصبحنا نحن متعجبين وفي حيرة من أمرنا مما نشاهده ونسمعه حتى أن المرء صار يتساءل وهو يقلب قناة عمومية أو منبرا إعلاميا ينقلون تصريحات وخطابات لمن ينتمون للنخبة السياسية، يتساءل عن الكيفية التي وصل عن طريقها أمثال هؤلاء إلى مناصب حاكمة في مصائر الناس سواء تعلق الأمر بالتشريع أو تعلق بالتدبير والتنفيذ.
فعلا، وأنت ترى قياديين في أحزاب كبيرة وطنيا وتاريخيا وهم يتبادلون التهم النكراء والشتم والسب بأساليب سوقية وحلايقية، مع العلم أنهم كانوا وحتى وقت قريب “إخوة” متحابين ينصر بعضهم بعضا وكانوا متحالفين مع بعضهم البعض تحت شعار “المصلحة العليا للبلد فوق كل اعتبار”، الأمر الذي يزيد في إثارة الدهشة والارتباك بالسؤال عن سبب تغير المواقف بهذا الشكل المتجذر، فإذا كان من تتهمهم وتسبهم بهذا السوء فما الذي جعلك أن حليفا معهم في السابق ؟ !
وما يزيد الطين بلة هو ما أشرت إليه سابقا بأن هذا الأسلوب المستعمل أشبه بأسلوب الحلقة الشعبية التي يسخر فيها المؤدي من مجتمعه أو من شخص بعينه فيكون هدفه الرئيسي فقط هو عملية إضحاك الحاضرين وجعلهم يصفقون سواء كانوا مستوعبين للموضوع أم لم يكونوا كذلك، وقد سبق وأن سمعنا عددا كبيرا من الفنانين الكوميديين خاصة يقولون بأن السياسيين أضحوا يزحمونهم في قوت يومهم إذ صار المغاربة يبحثون عن الهزل والضحك لدى النخبة السياسية أكثر بكثير من البحث عنهما لدى محترفي الفن والكوميديا، بل لقد صار الهدف الرئيسي من مشاهدة خطابات البعض من السياسيين ليس هو سماع برنامج عمل أو دراسة لمشروع أو تشخيص لواقع… وإنما الهدف الرئيسي الآن من الاستماع لأحاديث الساسة هو انتظار الإفيهات الهزلية من أجل الضحك والاستمتاع والتصفيق، حتى ولو خلى الحديث كله من أي فائدة تذكر.
يا حسرة على السياسيين، فمن يمعن في تاريخ المغرب يدرك بأنه كان يتوفر على سياسيين كبار وأكفاء ليسوا بكثيري الكلام والثرثرة ويطرحون المشاكل بكل وضوح بهدف مناقشتها واقتراح حلول ناجعة لها، سياسيون كان يضرب لهم ألف حساب داخل المغرب وخارجه نظرا لوجاهتهم وفصاحتهم والشفافية التي كانوا يتمتعون بها، وحتى حين تقع بنيهم خلافات حادة فلا تسمع من أحدهم ما يمكن أن تسعه الآن من تهجم لاذع وتوصيفات حيوانية أمثال “الذيب الشارف” أو “الحمار” واستهزاء ببشرية الخصوم السياسيين إلى أن أصبح هذا الأسلوب هو السائد وهو الخطاب العادي المتبع والمستهلك، أما إن تحدث سياسي حديثا لائقا لبقا خال من الهزل والإضحاك فإنه يدخل فورا خانة الرتابة والضعف ولا يرقى لمستوى المنافسة والمواجهة حيث أن هذين الأمرين يحتاجان للشراسة والتنابز بالألقاب بالإضافة إلى الاتهام الواضح والصريح.
فهل هذا المشهد المأساوي له سبب توضيحي مقنع متعلق بالاختلاف في وجهات النظر وبالرغبة في الإصلاح بمنهجيات متباينة ومختلفة عن بعضها البعض؟ أم أن هذا العنف المعنوي واللفظي وربما الجسدي أحيانا سببه تربوي وفكري ناتج عن قلة التكوين والوعي السياسي ناهيك عن تغليب مبدأ الدفاع عن المصالح والامتيازات مما يجعل السياسي يرتمي على كعكته بكل ما أوتي من قوة غير آبه بما حوله وغير مكترث لا بأدب ولا بلباقة ولا بحسن نية.