بقلم عزالدين شملال : ماستر الدراسات الدستورية والسياسية
جامعة محمد الأول وجدة.
الفهرس:
• علاقة القرآن برمضان.
• فضل القرآن في رمضان.
• القصد من قراءة القرآن.
• فقه بناء الإنسان في القرآن.
الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَّ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد.
علاقة القرآن برمضان:
لقد اختص الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بخصائص عديدة، وميزه عن غيره من الشهور بمزايا فريدة، منها إنزال القرآن، بل والكتب السماوية السابقة نزلت في رمضان، كما ثبت من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، وأُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، وأُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ». وعندما أراد الله سبحانه في كتابه بيان أعظم ميزة لهذا الشهر قرنه بإنزال القرآن فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
وتلاوة القرآن في شهر رمضان، والاستماع إليه، ومدارسته وتدبر أحكامه من أعظم القربات التي يتقرب بها الصالحون إلى الله تعالى في هذا الشهر، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن…» الحديث، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة رضي الله عنها، عن أبيها صلى الله عليه وسلم ،أنه أخبرها: أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين» (متفق عليه)، وفي حديث ابن عباس: «أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً» (متفق عليه). فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر. كما قال تعالى: إِنَّ ناشئَةَ اللَّيلِ هي أَشد وطْئًا وأَقْوم قيلًا (المزمل: 6.) وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن، كما قال تعالى: شهر رمضانَ الَّذي أُنزِلَ فيه الْقُرآَنُ (البقرة: 185)، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أُنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر. ويشهد لذلك قوله تعالى: إِنا أَنزلْناه في لَيلَة الْقَدرِ (القدر: 1)، وقوله: إِنا أَنزلْناه في لَيلَة مباركَة (الدخان: 3.) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره. وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان، قال: «فقرأ بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة» (رواه أحمد).
والقرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، ثم نزل منجما مفرقا مفصلا طيلة ثلاث وعشرين سنة بحسب الأحداث. كان جبريل عليه السلام يلقى النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان كل ليلة يدارسه القرآن[4]، وكما في حديث ابن عباس كانت المدارسة ليلا[5]، وقال ابن رجب: ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان )6(.
فضل القرآن في رمضان:
وإن أفضل مهذب للروح بل هو الروح الحقيقية الذي تحيا به القلوب كتاب الله الملك الوهاب (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَاا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتتَقِيمٍ (.
فالقرآن هو الروح والرحمة، والهدى والشفاء، والفرقان والنذير، والنور والروح، وهو الشفيع والأنيس، والرفيق والجليس، الحرف فيه بحسنة والحسنة بعشر، والله يضاعف لمن يشاء، وأهله أهل الله وخاصته، والماهر به يرتقي في الجنان على حسب تلاوته للقرآن فلا غرو أن يكون مع السفرة الكرام.
فكتاب بهذه الخصائص والمميزات لم ينزل لتسرد آياته ويجرد من معانيه ومضامينه ودلالاته، بل نزل لنتدبر آياته ونعمل به ونتلوه حق تلاوته (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أولو الْأَلْبَابِ). والتدبر فريضة غابت وتغيب عن الكثير إيثارا للكم على الكيف، وتغليبا لعدد الأجزاء المقروءة على عدد المعاني المستنبطة.
القصد من قراءة القرآن:
يجب أن نؤمن أن “القصد من القرآن فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة قارئه فلن يكون من أهل العلم والدين”. كما يوضح ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى. بل إن من معاني هجر القرآن هجر تدبره وتفهمه، فالقراءة المجردة هجر للقرآن كما يوضح ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول:
أحدها: هجرُ سَماعِهِ والإيمان به والإصغاءِ إليه.
والثاني: هجرُ العمـلِ به والـوقوفِ عند حلالِهِ وحرامِهِ، وإن قرِأهُ وآمنَ به.
والثالث: هجرُ تحكيـمِه والتَّحـاكْم إليه في أصول الدِّين وفروعِه، واعتقادُ أنَّه لا يُفِيدُ اليقينَ، وأن أدلَّتهُ لفظيَّةٌ لا تُحصِّلُ العلمَ.
والرابع: هجرُ تـدبُّرِه وتفهُّـمِه ومعرفةِ ما أراد المتكلِّمُ به منه.
والخامس: هجرُ الاستشفاءِ والتداوِي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها؛ فيَطلبُ شِفاءَ دائِهِ من غيره، ويَهجُرُ التداويَ به. وكلُّ هذا داخلٌ في قوله: (وقال الرَّسولُ يٰـرَبِّ إنَّ قومي اتَّخذوا هٰـذا القُرءَانَ مهْجُورا). وإن كان بعضُ الهجرِ أهونَ من بعض.
فقه بناء الانسان في القرآن:
لقد أودع القرآن سر بناء الانسان في آياته، وجعل قانون بعثه من الهامش إلى التمكين وأسباب حياته بينة في ثنايا القرآن الكريم، وقدم القرآن في ذلك منظومة تربوية متكاملة في صياغة القلب والعقل والسلوك، منظومة يروم من خلالها تشكيل إنسان الرسالة وإنسان الحضارة وإنسان الوظيفة العليا، وظيفة العمارة للأرض والخلافة فيها.
فالمداومة على قراءة القرآن وتدبر آياته والتمعن في قصصه وأحكامه، ينبت وعيا مؤصلا يستكشف نظرية بناء الإنسان في القرآن، هذا الوعي تتبدى الحاجة إليه كلما تأملنا السياق الحضاري والتاريخي والواقعي لأمة أراد الله لها منصة الشهود على الأمم وموقع القيادة، لكن انتكاستها عن الفهم القرآني بلغ بها حالة من النكوص عن مهامها الحضارية ومهامها الاجتماعية ومهامها الفردية، بل بلغ بها حالة من الانكفاء على مستوى من الفهم الديني ابتعدت بها عن مقاصد القرآن الكبرى.
إن استئناف الأمة لوجودها الحضاري يتطلب اكتشاف المنظومة التربوية التي صاغها القرآن الكريم لملامح المسلم العقلية والنفسية والسلوكية، بعبارة موجزة: إن أمامنا مهمة بعث إنسان الرسالة المفقود، هذه المهمة التي غابت عن رؤية الكثير من الدعاة يوم انشغلت الأمة بمجموعها العام في إحياء الشعائر والوقوف على الأحكام دون ارتباط بالمعاني والمقاصد.
ولقد حاول بعض الدعاة، وعلى رأسهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله استلهام قيم القرآن الكريم وفقهه في بناء الإنسان، وصاغ في كتاباته مجموعة من الأفكار والأسس يمكن أن يبني عليها الباحثون والمهتمون ما يؤسس لبناء نظرية متكاملة في هذا الاتجاه، نظرية ربما تساهم في تصحيح مسار السير، ومسار الوعي، ومسيرة البناء.
خاتمة:
إن المداومة على قراءة القرآن وتفهم معانيه وتدبر أحكامه ومراميه، ينشئ جيلا قرآنيا يسعى إلى بناء دولة يسودها أحكام القرآن باعتباره معجزة متجددة وخطابا أزليا، فأهل القرآن. خرقوا كل سياج يصد عن سبيل الله. حطموا المنكر وغيروا الواقع حتى يستقيم على ما يأمر به الله… بالقرآن عرف أهل القرآن الله عز وجل، وبه استناروا في سلوكهم النفسي ومعراجهم الروحي في معارج الإيمان. وبالقرآن كانوا القوة التي حطمت باطل الشرك، وبه أقاموا العدل.