زايوسيتي- فريد العلالي
“بعْت النعجة ب100 درهم”.. “بعْت خروف ب250 درهم”.. “كنمشي 20 كيلومتر باش نجيب الماء نتاع الشرب”.. هي مظاهر وغيرها صرَّح بها ممتهنو رعي الأغنام بمناطق بني گيل بإقليم فكيك. تلخص ما تعانيه المنطقة جراء التهميش والجفاف.
هم أناس اختاروا البداوة نمطا للعيش، يعيشون في زمن سابق لم تكن فيه الحياة ميسرة كما نراها اليوم.. وجوههم تحكي المعاناة، وأسارير محياهم لا يمكنها إخفاء مشقة الحياة.
ونحن في الطريق للاِلتقاء بالرعاة الرحل من قبائل بني گيك، اِلتفت إليَّ زميلي مصطفى، فقال: “نسمع دائما عن ربورتاجات تحكي معاناة سكان غابة الأمازون، لكن ألا تعتقد معي أن معاناة هؤلاء (سكان الخيام) أكبر مما نشاهده من وثائقيات حول سكان الأمازون”.
استطرد مصطفى في شرح موقفه، فقال: “سكان الأمازون يعيشون جماعات، الماء متوفر لديهم، يتلقون مساعدات الدولة باستمرار، لكن سكان (الظهرة) يعيشون داخل خيام معزولة، لا جيران لهم، لا ماء لديهم، لا يتلقون مساعدات الدولة”.
دخلنا مركز تندرارة، عاصمة قبائل بني گيل، ليست هي تندرارة التي عرفتها قبل ثمان سنوات حين كنت مدرسا هناك، فكل شيء تغير نحو الأسوأ، وأول ما تلاحظه؛ هو غياب الشباب، وحين سألنا عن الأمر كانت الإجابة: “الشباب اختار الهجرة السرية عبر الجزائر هربا من غياب فرص العمل من المنطقة”.
هاتفني صديقي “فراجي”، القاطن على بعد 36 كلم من مركز تندرارة، وأكدت له أنني سآخذ وجبة الفطور بإحدى المقاهي ثم أتوجه عنده، فأصر أن أتوجه لخيمته وأفطر أنا والطاقم عنده.. هؤلاء كرمهم زائد.
توجهنا إلى خيمة “الطيب بوخنفرة”، الكساب الذي فَقَدَ أغلبية قطيعه بسبب الجفاف، فحكى لنا معاناته، لكن هذه المعاناة لم تمنعه من أن يرحب بنا ويُعد لنا أشهى أطباق الشواء بعدما ذبح خروفا على شرفنا.
الطيب كان صريحا، فكشف لنا بحثه عن طريق للتوجه صوب الجزائر ثم الهجرة سريا إلى أوروبا، فالوضعية لا تُحتمل، والدولة لا تقدم المساعدات للرعاة. على حد قوله.
شقيق الطيب، الذي سبق له أن درس بجامعة محمد الأول بوجدة، تحدث إلينا عن الفساد المستشري بخصوص الدعم المقدم إلى الكساب، وكيف يتحكم فيه نافذون على حساب الكساب البسيط تحت رعاية سلطات العمالة التي تتفرج على الوضع.
ذات الشخص أفاد أن هناك إحصاءات رسمية تفيد بتناقص عدد رؤوس الأغنام خلال سنة واحدة فقط بنسبة 60%، بل ذهب أكثر من ذلك، ليشير إلى إمكانية اتخاذ قرار بعدم الذبح خلال عيد الأضحى المقبل.
توجهنا نحو خيام أخرى، وهذه المرة بجماعة “معتركة”، لنقف عند رجل لم يبلغ بعد سنته 60، لكن نوبات الدهر جعلته يبدو شيخا فاق الثمانين، على محياه يظهر حجم الأسى في نفسه على قطيع كابَدَ لتعليفه وتوريده لكن ثمنه انخفض حتى صار ب100 درهم للنعجة و250 درهما للخروف.
لا ماء للشرب ولا ماء لتشرب الغنم، ومن أجل الحصول على ما يروي ظمأ القطيع يتم جلب شاحنة بخزان بسعر 150 درهما، أما الماء الشروب فيتم قطع 20 كيلومترا للحصول عليه. هكذا حياة الرحل.
أحد الكسابة حين سألناه عن مطالبه للسلطات، كان جوابه حاملا لأسمى عبارات الحمد: “طلبتُ الله سبحانه أن يرزقني ولم يستجب لأنه يرى أن الجفاف أفضل لنا، وماذا تريدني أن أسأل بعد الله”.
في طريقنا للعودة، لمحنا قطيعا بحوالي 200 رأس، وعددا من الأبقار والماعز، لنتوقف عند خيمة صاحبها، الذي كان له حديث معنا عن المعاناة التي يعيشها يوميا.
كان لصاحبنا السنة الفارطة حوالي 700 رأس من الغنم، لكنه تناقص اليوم ليصل إلى 200 رأس، بل سيتناقص العدد أكثر. حسب قوله.
هي معاناة يومية يعيشها الرعاة الرحل من قبائل بني گيل، لا يمكن أن تختزلها الكلمات. لنترككم مع حديث هؤلاء لزايوسيتي.نت
فيديو مؤثر
اللهم مإن هذا منكر، وأشكر زايو سيتي على هذا الروبرطاج الذي يفوق رائع .