وحيد الهام
تحية تقدير وامتنان لكل شمعة احترقت لتنير لنا السبيل ، لكل من علمنا حرفا ،عرفانا بفضلهم علينا ماحيينا، من بينهم أستاذنا الكريم ” يحيى دحان ” الذي كان لنا ولا يزال السند والمدد ، جزاكم الله عنا خيرا وأطال عمركم .
“” هو الأسلوب “”
جنَّ الليل ، فانْجَرَرْتُ إلى أوراقي ، أُحادِثها على غير مَرْغَمة ، يقتفيني قلمي ، يَهْفو حَيْثُ خاطري هَفَا ، و يُتَرْجِم بناتِ أفكاري فوق الفلاة البيضاء حِبْرا.
استرسلت إلى أَنْ بَدَا لي القَلَم عَثورا ، توقّفتُ ، و عُدْتُ على بَدْءٍ أَسْتَشِفُّ ما كَتَبْتُ عَلَّنِي أَتَبَيَّنُ الخطأَ فأصحّحه.
هي الأفكار المقصودة ذاتها ! والكلمات هي نفسها المُنْتَقاة ! فَأَيْن الخَلَلُ إذًا ؟!
رُبَْما هو التَّعَب ، أو قد اسْتَمانِي النَّوْم !
وَ أنا أطوي الدّفتر وسْطَه القلم ، استحضرْتُ ذِكرَى حَرَّكَت مَبْسمي ، ففتحت الدفتر من جديد أُخافِتُ القَلَمَ :
الأُسْلووووب ! الأسلوب ! .ثُمّ انصرفْتُ أُلَبِّي نداءَ
الوِسادِ وتفاصيلُ الذِّكْرى تعاودني :
سَبَتْنا ، و لم يكن يوما كباقي أيام الأسبوع الدراسية ، إذْ كُنَّا نسميه يوم حَصَاد . فاليَوم ، عَنْ دَأَبِنا طيلةَ أسبوع نُثَابُ ، و على أوراقنا “المزدوجة ” يخبرنا الرقم الأحمر عن مَدَى رِضَى الأستاذ “يحيى” عنا أو مؤاخَذته لنا.
فحِصّة ” الإنشاء” لا تقتصر على نقل “نص الموضوع ” المُتَصَدِّر سَوادَ السّبّورة المُعَلَّقَة نَصْبَ أَعْيُنِنا ، والربط بين النقط والأفكار التي تشكلت عقب مناقشة جماعية داخل الفصل ، بل كانت حصيلة دروس في قواعد النحو والصرف والتراكيب ، ودراسات النصوص النثرية والشعرية ، كما ان استاذنا “سي يحيى” لم يكن يتقيد بما حُدِّدَ في المقرر الدراسي ، بل كان يتعداه لِيُحَبِّرَ دَوَيَاتِنَا بالجديد الغريب عنا ، فطالما استَزَدْنا منه لإغناء رصيدنا كلما استرقنا السمع ونحن منهمكين في كتابة الدروس بينما هو يمشي بين الصفوف مرتِّلا آيات من القرآن تارة ، أو يَتَرَنَّم _متعَمِّدا _ بِأََجاوِيدِ الموَشَّحات وأبلغِ القصائد تارة، موقِنًا أننا سنستوقفه للسؤال عما استقَرَّ في الأسماع من مصطلحات وصور، فإما يشرح لنا أو يحثّنا على البحث والاطّلاع.
انتهت الفسحة الصباحية، وبدأ الدَّبِيبُ ؛ لم يكن صوت مطر ولا حفيف نخل، إنما هي حركة تلاميذ حِثَاثٍ يسارعون لولوج الفصل .
استقرَّ كل منا بمقعده وعمَّ الصمت مُتَرَقِّبين قدوم الأستاذ الذي ما إن دخل حتى التفتت إليه جميعًا أنظارنا، نستقريء حالته من ملامحه ؛ فقد كنا نخشى غضبه ونَتَجَاوَدُ في الكَدِّ عِرفانا بجميله واستِرْضَاءً، وقد عُرِف رَحْبَ البَاعِ رَفِيفَ الخُلُقِ، لا يتوانى عنا بالنصح والإِرْشاد.
تتبعته أعيننا وهو يمضي نحو مكتبه ، يفتح الحقيبة ، يُخرِج الأوراق ، فيَشْرَئِبُّ لها الجالسون على مقرية منه عَلَّهم يرمقون الاسم الذي فازت ورقته بالترتيب الأول في الحُزْمة ! .غير أن أستاذنا الأَلْمَعِيّ خرج عن المعتاد ، فاستهلّ الحصة بتدارس الكتابات التي سجّلت هفوات ونقصا.
ملأت الفصل روح التشويق، والكل يشارك ويتابع الملاحظات على السبورة ،و كلما فرغ الأستاذ من إشارة نظر بعضنا إلى بعض نتفحَّصُ من منَّا زَلّ قلمه فتكون الحاسمة بيننا في نزال الفكرة والكلمة.
انتهينا ، وكنت مستبشرة ، كوني لم أسجّل أيّ خطأ مما سُطِّر ،في حين أخبرنا عادل بأسف _ وهو منافسنا القوي في المادة _ أنّه أهمل بعض النقاط المهمة في تطرُّقه إلى الموضوع . وبينما نحن كذلك ، إذا بالأستاذ ينادي :
عادل ! قم إلى السبورة !
ظننت في باديء الأمر أنه سيعيب عليه نقصا ، لكن نظرة الأستاذ إلينا و هو يمد الورقة إليه ويهز في أسف كتفيه ،بَدَّدَت ظَنّي
هيا! اقرأ يا عادل !
عمَّ الصمت من جديد ،نصغي إلى قراءته ، وننتظر وصول الأستاذ الذي بدأ يعيد لنا الأوراق .
و سرعان ما بدأت قسمات وجهي ترتخي إذ زال تعجُّبي وأنا أسمع إلقاءه ، لمست الفرق بين ما كتبت وما جادت به مخيلة عادل .
فكان الموضوع عن تنظيم الأسرة ، وبالرغم من إلمامي بكل النقاط التي تطرقنا إليها ، بل وتوسعت في البحث واغنيته من حيث المحتوى ، الشيء الذي ظننتُني تفوقت به على عادل ، إلا أنني قدمت البحث مجرّدا من أي محسِّنات اعتقادا مني ان طبيعة الموضوع لا تتطلبها فمكنونه يجمع بين العلمي والصحي ، فتَقْرَأ ورقتي تُحسُّها مَوَاتًا ! أو كنشرة الدواء تخبرك بالأعراض ودواعي استعماله وتحذيرات عن الآثار الجانبية !
بينما انفرد عادل بطريقته ، حيث اختار حفلا وهميا لعقيقة أخيه المولود حديثا ، وفرحته مقابل قلق اخته على صحة والدتهما ، مقدمة لاستهلال الموضوع والخوض فيه من جانب أسري ، وكيف شب النقاش بينه وبين شقيقته الكبرى التي وضحت له ما جهله عن أهمية تنظيم الأسرة …كل هذا أضفى على نصه حياة وجدِّية ورونقا فانتزع منا العلامة الأولى وكسب المنافسة.
استلم الأستاذ الورقة منه وفتحها امامنا لنرى بعض الخطوط الحمراء جراء أخطاء نحوية وإملائية،
ليوضح لنا مستطردا :
هو “الأسلوب، الأسلووووب ” تذكروا هذه الكلمة دوما ، لن تفيدكم في الدراسة والكتابة فحسب ، بل ستحتاجونها في مختلف محطات القادم من أيامكم ، وقد تنقذكم وتشفع لكم في مواقف عِدّة.
وحيد إلهام
– مقتطف من ذكريات الدراسة –
Tu m’as transporté dans les plus belles périodes de ma vie et tu m’as fait vivre ces moments après chaque mission ou devoir en attendant le résultat de ce que nous avons accompli
إلهام الكاتبة النجيبة تعود بنا إلى الزمن الجميل بأسلوبها الراقي وسردها لمحطة زمنية اعتز بها
حفظك الله كتابة راقية تجعل من القارئ يتلهف لمعرفة من حصل على الميزة في حصة الانشاء بأسلوب جميل و تعابير تخفي وراءها كاتبة ممتازة
ننتظر المزيد.. صراحة لقد امتعتينا بهذا المقطف من السيرة الذاتية.
هي ذكريات تسعدنا تارة ونتحسر على ما ضاع منا خلالها تارة أخرى..لكنها تبقى أجمل أيام العمر.. شكرا على هذا العمل والكتابة الجميلة
اظن سيدتي الفاضلة ان روحي الوفية للزمن الغابر في جسد لم يعد نفسه كما كان عايشت هذه الفترة من العمر نفس الزمان والمكان.
هناك اسماء واحداث تبقى وشما باد على الجباه رغم اننا كنا ولا نزال اشباح لمجتمع يفرض غباءه قبل ذكائه على اقدارنا . تحياتي
راااااااااءع،مزيدا من التالق باذن الله.
عبارات زمنية وجدانية بتعبير أخاذ لا يتذوقها إلا الجيل الذي عاشها .
كلمات تذكرنا بزمن الدراسة الذي نحن اليه كما يحن الفصيل الى أمه… لكن يا ليت شعري
زمن الحياء والحشمة والاحترام لأستاذتنا ومربينا رحمهم الله أحياء وأمواتا
زمن البساطة والقناعة والرضا والبراءة….
اختي العزيزة الهام حفظك الله ورعاك, اتمنى لك النجاح والتوفيق ودمت متألقة بأسلوبك الراقي.