بقلم: علال زهري
جرت العادة أن يعبر المسلمون بمختلف تلاوينهم وانتماءاتهم الفقهية والعقدية عن آراءهم المختلفة بالضرورة بخصوص المناسبة أو الحدث التي يجري التباري حول إثبات نكرانيته من هذا الفصيل أو الاعتراف به ومباركته من الفصيل المغاير، تجري أطوار هذه المنافسة الشرسة التي صارت تشكل صداعا للرأس، وخرفا فكريا تجاوزته الأزمة والأعراف بمراحل فكرية وطقوسية شاسعة.
المسلمون يتصارعون بعد وفاة لاعب كرة قدم أو فنان بين فريقين، أولهما يدعو بالرحمة للمتوفى أما ثانيهما فلا يتوانى في إطار هذه الدعوة ويجتهد طويلا جدا من أجل البحث عن الأدلة والحجج التي تلقي بلاعب الكرة وبالفنان في نار جهنم خالدا فيها غير مستحق بذلك ولو لقبس يسير من رحمة الله تعالى تنجيه من ذلكم العذاب الأليم الذي يستحقه من وجهة النظر الأولى لأنه لم يؤمن برسالة لم اصله أساسا وبدل أن يتحمل من لم يجاهد جهاد السابقين من أجل إيصال الرسالة وزر كسله الثقيل، هاهو به يرمي بالوزر بكل سهولة على من لم يوصل إليهم الرسالة ليدخلهم جهنم من بابها الأوسع في افتئات صارخ على صلاحيات الإله في هذا الباب، الإله الذي يمنح الروح للإنسان ويجعله يولد بجغرافيا معينة بثقافة ودين مختلفين عن بقية الأراضين، إله راقب كيف تربى الولد في هذا الوسط غير المسلم وكيف تخلى المتنطعون عن دورهم في إيصال رسالة الإسلام إلى ما وراء المحيطات كيفما وصلتهم هم وتلقوها دون عناء وفضل.
إلهٌ يقدر الظروف ويحكم بالعدل ويجعل باب التوبة والرحمة مواربا على طول رغما عن أنف الحاقدين وأصحاب الغل الملأى نفوسهم بالكره ورفض كل المختلفين معهم إلا إذا احتاجوهم في إعانة أو علاج أو اكتشاف مفيد للبشرية.
للأسف تربى ناشئتنا على أسس دينية ترتكز على نبذ الآخر وتكفيره بجرة قلم ثم إدخاله جهنم وعدم الترحم عليه بل ولعنه إن لزم الأمر، فأصبحت هذه الأمور سببا في الراحة النفسية في الوقت الذي تسبب فيه المحبة وتمني الرحمة للغير سعارا وهيجانا داخليا خلاصته أن نفسيتنا ليست على ما يرام.
وليس النفسية فقط، العلم عندنا أيضا ليس على ما يرام، حيث أغلبية العوام يلتجؤون لأشخاص يمكن اعتبارهم من العوام أيضا للعلم الضئيل الذي يحملونه في صدورهم، فيسألونهم عن قضايا حياتية وأخروية قد تكون مصيرية إلى أبعد الحدود، من دون أن يخجل لهم جفن، إذ يمكن أن يكون السائل ذو مكانة علمية أكبر من مكانة المسؤول نفسه، ولكن مشكلتنا المستعصية هي الهالات التقديسية التي نلبسها البعض فيستغلونها أبشع استغلال من أجل أن يجعلوا أنفسهم آلهة تنتظر كما تنتظر الآلهة الصماء عبيدا مطيعين لا يعرفون للنقاش مدخلا ولا للسؤال عنوانا ولا للبحث والتنقيب منهجية علمية، فيتلون عليهم كلاما من كتب ومراجع صارت خارج التاريخ والجغرافيا بل وأكل عليها الدهر وشرب، فيأخذه العوام المستسلمون لكسلهم على أنه إرشادات إلهية لا غبار عليها وأن مخالفها ضال مبين في جهنم خالدين…