محمد بونوار
كاتب مغربي مقيم بالمانيا
تتعالى الاصوات في المغرب حاليا حول حقوق المرأة خاصة المتعلقة بالتحرش الجنسي في جميع أشكاله والعنف بجميع أنواعه والزواج المفروض بالقوة خاصة على القاصرات في البوادي ، والزواج الغير الموثق وهو ما يعرف في المغرب بزواج الفاتحة .
خصص الاعلام المغربي حملة واسعة على هذه المواضيع في بحر الاسبوع الفارط حيث احتفل باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء ، وركز الجميع على التحرش الجنسي والعنف و علاقة زواج القاصرات بالهدر المدرسي والذي أجمع الجميع على أنه السبب الاول في زواج القاصرات .
الموضوع صراحة لازال يحتاج الى دراسات معمقة و تحسيس مستمر، وتوعية كبيرة لما له من علاقة بالثقافة المتواضعة والمتفشية بشكل فضيع في أوساط المجتمع المغربي
حتى لا أطيل عليكم سوف نخصص هذا المقال لشيئ اسمه الابتزاز على مستوى التشغيل ، وهو من أكبر الحقوق المهضومة للمرأة – الوجه المظلم للمرأة المغربية – سواء على مستوى البالغات أو القاصرات .
شائت الاقدار سبحان الله أن يتصادف الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء مع حدث بسيط ، لكنه وضع الاقصاء والتهميش والظلم والاستغلال الذي تعاني منه المرأة المغربية والذي هو متفش في المجتمع المغربي فوق طاولة البرلمان المغربي .
في بحر الاسبوع الفارط تجرأت امراة تمارس السياسة كمستشارة برلمانية في المغرب ، تجرأت السيدة فاطمة الادريسي و صرحت بقبة البرلمان المغربي أن النساء اللواتي يقمن بنظافة بناية البرلمان يقاضين ما قدرة 1600 درهم وهو ما يعادل نسبيا 1600 دولار شهريا ، وهن يوقعن على أساس أنهن يتقاضين ما يعادل 3000 دولار شهريا .
أمثلة من هذا العيار كثيرة في المغرب ، وتنطبق على جميع القطاعات الغير المهيكلة تقريبا : نادلات وطباخات بالمقاهي والمطاعم ، خادمات في البيوت والفنادق ، عاملات في المخابز والمتاجر ، عاملات في الحقول والشركات والاءحة طويلة .
ومن أغرب ما سمعت في هذا الموضوع ، هو أن معلمة روض أطفال بمدينة أكادير جنوب المغرب ، تتقاضى ما قدره 30 دولار ، نظير ما تقوم به لرعاية أطفال صغار دون سن السابعة لمدة شهر كامل ، ظلم ليس بعده ظلم ، واستغلال ليس بعده استغلال ، والغريب في الامر أن هذه الامور تمر أمام ألرأي العام وكأن الامر عادي .
المفارقة الكبيرة في المغرب هو أن القانون له رأي آخر ، ويعتبر هذه الامور مخالفة لجميع بنود حقوق الانسان ، وحقوق الشغل ، وكرامة الانسان ، لكن الواقع المعاش مليئ بهذه الظواهر والتي هي منتشرة في المجتمع المغربي وتحتاج الى مراجعة كبيرة وسياسة جديدة .
من جانب آخر تلح الحكومة على تنزيل برنامج التنمية على جميع الاصعدة ، وذالك من خلال مؤسسات تصب كلها في حفظ الحقوق وادماج الشباب وتحفيزهم . وهنا لابد من الاشارة أن انخفاض الاجور والتلاعب بحقوق الشغل والتشغيل هو السبب الرئيسي في تباطء دينامية التنمية البشرية والنمو الاقتصادي على العموم.
يتساءل الكثير عن الاسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة ، وبكل صراحة الفساد والرشوة وعدم تطبيق القوانين هي التي تشجع على ارتكاب هذه المخالفات بدون حرج ، وهناك أمثلة كثيرة تناولتها الصحف المحلية ولازالت تتابعها نذكر منها ، مثلا موت عاملات معمل طنجة 28 وفاة ، اختفاء خادمات منازل في ظروف غامضة ، والغريب في الامر أن هذا النوع من المخالفات يقترن غالبا بالابتزاز والتحرش الجنسي ، خاصة في المدن الصناعية والمزارع الفلاحية ، وهكذا يمكن الجزم بأن استغلال العاملات على مستوى التعويضات تبقى ظاهرة وطنية من طنجة الى لكويرة .
هذا الموضوع يجرنا حتما الى منظومة حقوق الانسان في المغرب ، والتي تشمل حقوق التظاهر ، وحقوق الرأي ، وحقوق الطفل ، وحقوق المرأة ، وحقوق الشغل ، وحقوق التمدرس ، وحقوق الصحة ، وحقوق …
الموضوع طويل ويحتاج الى حلقات وحلقات ، لكن بخلاصة كبيرة هذه الحقوق يمكن تقسيمها الى قسمين ، قسم يبقى على عاتق الدولة كحماية المواطن من الاستغلال الجنسي وحماية الاطفال بشكل عام ، وحماية المواطن أيضا من الجهل بخلق مدارس ومؤسسات للتوعية وتحسين نمط التفكير، وأخيرا الابتزاز المادي والذي هو شائع في المغرب . وجدير بالذكر أن القوانين موجودة فوق الاوراق بخصوص هذا الشق ، لكن عقلية المسؤولين لازالت لم ترق الى مستوى التطبيق .
وهناك قسم ثان من الحقوق والذي هو بيد المواطنين أنفسهم من خلال وعيهم وثقافتهم وعاداتهم وهنا لابد من ذكر زواج القاصرات في المغرب كمثال ظاهر، والذي هو متواجد في القرى بنسبة 70 في المائة ، والذي تعود أسبابه الى القناعات الغير السوية التي تؤثث العقليات ، علاوة على تعنيف المرأة والذي سببه انتشار الثقافة المغلوطة في المجتمع المغربي .