الحكاية الرابعة
خلايا الحزب تتأهب
ومن جهتي إتصلت بجماعة من خلايا فرع الحزب وطلبت منهم أن يكونوا على استعداد ويقظة دون أن أخبرهم بموضوع الباخرة.
وبالنسبة للفقير رمضان فإنه قام بجمع الخمسين 50″ رجلا من الدواوير المجاورة وعمل على توجيههم الى التراب المغربي ولما وصلوا مكانا يسمى ثلاث ودان قرب نهر ملوية وحاولوا عبوره اصطدموا بدورية للجمارك فوقع تبادل إطلاق النار ، وتفرقت الجماعة ، فمنهم من عاد إلى التراب الجزائري ، ومنهم من استطاع الدخول إلى التراب المغربي وعددهم عشرة ” 10 ” من بينهم واحد أصيب بجراح في رجله فقد سلمته للسيد أحمد عمرو لرعايته وعلاجه ، في حين احتفظت بالتسعة الباقين في مكان آمن ، وفي تلك الأثناء حضر عندي السيد شيبان عمرو من الناظور ومعه عبد الوهاب الجزائري الى الناظور في حين بقي السيد سعيد بونعيلان.
الحكاية الخامسة
يتعلق الأمر بيخت كانت تملكه الأميرة دينا زوجة الملك حسين عاهل الأردن وقد اقتنته منها السلطات المصرية لإستعماله في هذه المهمة وكان لايحمل إسم الاميرة المذكورة .
وعندما أسدل الليل ستاره توجهت وبمعيتي السيد سعد بونعيلات وشيبان عمرو إلى الموقع المتفق عليه لمجيئ الباخرة . قضينا تلك الليلة هناك فلم يظهر لها أثر وفي الصباح عدنا إلى المنزل وتوجه السيد شيبان عمرو الى الناظور . وانتظرنا إلى أن حل الظلام في الليلة التالية ، وتوجهنا إلى الموقع وكان أنتظارنا بدون جدوى وعاد السيد سعيد بونعيلات إلى الناظور فبقيت وحيدا فريسة لل
أوهام والهواجس ماخافة الفشل في هذه العملية وكان ذلك اليوم هو الخميس ، فتوجهت إلى متجري وبمجرد مافتحت بابه وجدت الهاتف يرن وكان المتكلم شيبان عمرو الذي طلب مني الحضور إلى مدينة الناظور ولما حضرت أخبرني بأن الباخرة قد وصلت الى مكان يسمى الجزيرة الذي كان متفقا عليه من قبل وأنها عادت إلى مدينة مليلية عندما لم تجد من ينتظرها ، وتوجهنا إلى مدينة مليلية وتم اللقاء بناء على إشارات كان متفقا عليها بين شيبان عمرو وقائد الباخرة وهو رجل يوغوسلافي .
وتم اللقاء بالحديقة وحددنا له الموقع المتفق عليه وهو بئر القصبة ، وعدت على الفور إلى رأس الماء حيث امرت أحد أعواني بمرافقة الجزائريين التسعة إلى منزلي بالعزيب وذلك بعد حلول الظلام . وتوجهت إلى صهري وهو من أفراد خلية الحزب وامرتهم عندما يسدل الظلام أن نلتقي بمكان معلوم وأن يكونوا في غاية التعبئة واليقظة والأستعداد لأية تضحية . واتصلت بأربعة من أفراد الخلية يمارسون مهنة الصيد الساحلي فأخبرتهم أن يأتوا بقارب ليلا إلى القرب من حاسي القصبة وأن يمكثوا هناك إلى حين المناداة عليهم ولم يسالني أحد منهم عن المهمة .
وفي الساعة التاسعة ليلا ذهبت وبمعيتي محمد بوراس وبعض الرجال من أفراد الخلية إلى مكان مطل على حاسي القصبة وصرنا ننتظر تلقي إشارات ضوئية حسب المتفق عليه .
وبينما نحن كذلك إذ سمع صهري محمد بوراس دبيبا يشبه طنين النحل وسط البحر ثم بعد ذلك تلقيت إشارات ضوئية من اليخت فاجبتها بإشارات مماثلة وطلبت من صهري التوجه إلى الجماعة الجزائرية بمنزلي القريب من هناك وإحضارهم على الفور ، وأن يسارع بإحضار بغل من منزلي وأن يعرج على بعض الرجال الذين أمرتهم بإنتظاري لكي يحضروا فورا . وأخذت الباخرة تقترب من اليابسة تحت جنح الظلام الدامس إلى أن ارتطمت بسخرة محركاتها ثم خرج من الباخرة قارب صغير أخذ يقترب إلى الساحل نحونا ، وقد وجدت فيه الهواري بومديان بوخروبة ، وعبدالقادر قرطاس وجمال القبايلي الملقب بآيت علي ، وعبد القادر بوزار ، وكان معي في إستقبالهم كل من عبد الوهاب الجزائري ، وشيبان عمرو الجزائري وسعيد بونعيلات المغربي ، ثم استقبلنا طاقم الباخرة ، والذي كان يتألف من السيد النايلي إبراهيم النايلي السوداني رئيس الرحلة ، والقبطان اليوغسلافي قائد الباخرة وأربعة بحارة مصريين .
وناديت على البحارة الأربعة لإحضار قاربهم وانطلقت عملية إنزال الأسلحة مستعينين بقاربين توضع بهما صناديق الأسلحة لأخراجها إلى البر ، وكانت الرياح قوية والامواج تتعالى وتتلاطم والبحر هائجا ، فإذا بالقارب الذي وضعنا فيه صناديق السلاح أخذ يتمايل يمنة ويسرة فعرفت بأنه سينقلب لامحالة ، فسارعنا إلى تخفيض حمولته ، وهكذا كان الحال بالنسبة للباخرة نفسها فأخذت تتمايل هي الأخرى وطلبت من الأخوان الأسراع في إنجاز العملية ،ووضعنا حبلا طويلا يربط بين الباخرة واليابسة ويكون كدليل بالنسبة للمقاومين الذين يحملون صناديق السلاح علة ظهورهم للخروج بها من البحر .
ونادى علي الأخ النايلي إبراهيم السوداني واخبرني بأن الماء أخذ يتسرب إلى الباخرة بمعنى انها أصيبت بعطب نتيحة أرتطاهما بصخرة فصعدت إليها ووجدت ان الأمر كذلك ، فأخذت أضيق الخناق على الأخوان لأفراغ كل السلاح من الباخرة ، عكس ماكان متفقا عليه من إنزال بعض السلاح وعندما يقترب الفجر تعود الباخرة ، إلى البحر إلى حين حلول الليلة الموالية ، فالضرورة اقتضت انزال كل السلاح في تلك الليلة لأن الباخرة سوف تبرح مكانها في الصباح بسبب العطب ، فاضطررت إلى ضرب الرفاق بالسياط بغية إنهاء العملية ، وكانت جماعة من المغاربة تقوم بنقل الأسلحة التي يتم إخراجها إلى منزلي ، وعندما لم يسعنا الوقت أمرتهم بوضعها في ضيعة فلاحية أملكها قريبا من المكان وسط الزرع حتى لايراها أحد ، وعندما بزغ فجر الفحر كانت العملية قد انتهت فأمرت الجماعة الجزائرية بالتوجه إلى منزلي وأدخلتهم أحد البيوت وأقمت حراسا على الضيعة التي وضعنا فيها السلام .
وعاد الذين قدموا من الناظور إليها ، أما طاقم الباخرة فأمرتهم بالتوجه إلى مركز المراقب الأسباني برأس الماء وإخباره بأن باخرتهم أصيبت بعطب وبأنهم ينتظرون قدوم تقنيين لأصلاحها ، ثم جئت بقطيع من الماشية فمر على المكان الذي كما نمر منه لطمس آثار ومعالم البحارة ، ولم يبق في المكان إلا الباخرة جاثمة في مكانها وأمرت جماعة من الرجال بمراقبة ورصد تحركات السلطة وأعوانها ، وانزويت في ركن من بيتي وصرت أتقلب يمنة ويسرة . فكل الذين شاركوا معي في العملية قد ذهبوا إلى حال سبيلهم ، وبقيت وحيدا أمام أطنان من السلاح هو أمانة تاريخية سيكون لها دور هام في تحرير المغرب والجزائر .
وبعد الظهر ركبت حصاني وأخذت أتجول وكاني أراقب ضيعتي الفلاحية وفي الواقع كنت أراقب المكان الذي توجد به صناديق السلاح ، ثم أعددت مايكفي من الطعام للجماعة الجزائرية الذين أغلقت عليهم البيت فلما فتحته وجدتهم في حالة يرثى لها من شدة الحر وعناء ومشقة الليلة السابقة ، ولما حل الظلام أمرت بعض الأفراد بمرافقة الجماعة الجزائرية وايصالهم الى منزل الفقير رمضان بالتراب الجزائري وقد جعلتهم جاهلين امر نقل السلاح ومكان إخفائه .
مجاهدون في الذاكرة.. ابن زايو شوراق حمدون1