جاء العاشر من رمضان بطعم الفقد المؤلم منذ منذ ما يناهز ستين سنة داخل الأسرة الملكية، حينما وقع خبر رحيل الملك محمد الخامس كالصاعقة على كافة الشعب المغربي الحديث الانتشاء باستقلال لم يتحقق بدون صعوبات، كان نفي محمد الخامس إلى جزيرة كورسيكا جنوب فرنسا وجزيرة مدغشقر لمدة عامين أشدها وقعا، قبل أن يعود للبلاد حاملا معه استقلال الوطن في العاشر من نونبر 1955 الذي كان ينتظره المغاربة، ومنهم والدته للا الياقوت التي زاد حزنها على ابنها محمد الخامس من مضاعفات مرضها، لتسلم الروح إلى باريها بعد وقت قصير من نفيه خارج المغرب.
كان شهر فبراير قد تزامن مع حلول شهر رمضان في سنة 1961 ، مما جعل الجو المنعش يزيد الأجواء الرمضانية دفئا وسكينة، قبل أن ينقلب حال الأجواء إلى حزن شديد رافق العشرين يوما المتبقية من رمضان، إذ تحول العاشر من الشهر الفضيل إلى ذكرى سنوية لرحيل ملك استثنائي ، دأب ابنه الحسن الثاني منذ توليه العرش في الثالث من مارس و حتى رحيله على إحياء ذكرى وفاته في طقس ديني يسوده الخشوع الذي يطبع شهر رمضان كذلك.
لم يكن محمد الخامس يعتقد أن رغبته الملحة في التخلص نهائيا من آلام على مستوى الأنف ستفقده الحياة في سن لم يكن يتجاوز اثنتين وخمسين سنة، حينما استجاب لنصيحة أطبائه بالخضوع لعملية جراحية تصنف طبيا بالبسيطة، أجريت له بحضور جميع أطبائه بمصحة القصر الملكي.
رحل الملك محمد الخامس مبكرا، وهو الذي بويع كذلك سلطانا للمغرب في سن مبكر بعد وفاة والده السلطان مولاي يوسف في 18 نونبر 1927، كما أنجب كذلك في سن مبكر لم يكن يتجاوز الثامنة عشرة ابنه البكر الحسن الثاني من زوجته أم سيدي للا عبلة في تاسع يوليوز 1929 ، وذلك بعد أشهر فقط من ولادة ابنته الأميرة فاطمة الزهراء، الأخت غير الشقيقة للحسن الثاني، في حين سينجب صغرى بناته الأميرة للا أمينة من زوجته للا بهية بالمنفى في سن الخامسة والأربعين.
لكن الرحيل في سن مبكر كان له أكثر من موعد داخل العائلة الملكية، فقد كان الموت يتربص بالأميرة للا نزهة، الإبنة الصغرى لمحمد الخامس ولزوجته للا عبلة، حينما خطفها في شهر رمضان في حادثة سير، خلال سفر الأميرة سنة 1977 إلى شمال المغرب لقضاء عطلة الصيف التي تزامنت آنذاك مع حلول الشهر الفضيل، ولم يكن سن للا نزهة يتجاوز السادسة والثلاثين، حيث كانت الأميرة الراحلة قد احتفلت بمرور اثنتي عشرة سنة على زواجها من الدبلوماسي أحمد عصمان، الصديق المقرب لشقيقها الملك الحسن الثاني ورفيقه في الدراسة، والذي عاش قريبا من محيط العائلة الملكية قبل أن يصبح واحدا من أشهر أصهارها المقربين، خاصة بعد أن أنجبت منه “نوفل” حفيدا لمحمد الخامس وللا عبلة، لم يكن عمره يتجاوز الثانية عشرة حينما رحلت والدته الأميرة للا نزهة، حيث كانت تربطه علاقة صداقة قوية بابن خاله سيدي محمد ولي العهد آنذاك الذي كان يكبره بسنتين فقط” لقد كان محمد السادس يقضي الكثير من الوقت في بيتنا خلال فترة طفولته وبداية مراهقته”، يتحدث أحمد عصمان في أحد حواراته، وظل حفيدا محمد الخامس قريبين جدا من بعضهما قبل أن يخطف الموت فجأة في رمضان 1992 نوفل، الابن الوحيد للأميرة للا نزهة وأحمد عصمان، وعمره لم يكن يتجاوز السادسة والعشرين، ذلك بعد مرور أربع عشرة سنة على رحيل والدته التي رغم قصر عمرها فقد تركت بصمتها على المستوى الدبلوماسي الذي لعبت فيه دورا كبيرا، سيرا على خطى شقيقتيها الأميرتين للا عائشة وللا مليكة.
“لقد كانت وفاة ابني نوفل فاجعة حقيقية، يتذكر والده أحمد عصمان في أحد حواراته، نوفل كان شابا رياضيا، وكانت بنيته الجسمانية ممتازة، لكنني بعد وفاته علمت بأنه كان أحيانا يخرج رفقة بعض من أصدقائه لممارسة رياضة الجيت سكي في الثالثة صباحا، وهو ما تسبب له في مرض رئوي. وبالرغم من كل الجهود التي بذلناها في سبيل علاجه هنا بالمغرب، وحتى في الخارج، فإننا لم نستطع مداواته لأن المرض كان قد نال منه”.