هي أشعة الشمس وغروبها، هي نظرة الحب من أول نظرة، والصدفة التي ما بعدها صدفة.
كان للحسين بنحربيط مدير ديوان وزارة الداخلية على عهد إدريس البصري منزل صيفي مجاور لذلك الذي يملكه أحمد عصمان زوج للا نزهة، ولما كان ابنه خليل مولعا بكرة القدم و”السورف”، فسيلتقي وباقي أصدقائه بالابن البكر لشقيقة الحسن الثاني للا نزهة، رحمهما الله، وهناك ستنشأ صداقة عميقة بين خليل ونوفل الذي عرف بطيبوبته وتواضعه ومده جسور الود.
والدليل على أن نوفل-رحمه الله- كان شابا محبوبا يفرد ذراعيه للكثير من الأصدقاء، الأبواب التي فتحها لمنير الماجيدي ابن حي التقدم المتواضع بالعاصمة الرباط، حينما تدخل له لدى خاله الحسن الثاني الذي خصص له منحة كي يتابع دراسته الجامعية بالخارج، أما باقي القصة فأنتم تعرفونها بعد أن اتخذ مسار منير منحى تصاعديا على عهد محمد السادس، الذي بوأه منصب نائب الملك في المال والأعمال.
من أم جزائرية ووالد وجدي، سترى للا حسناء لأول مرة شابا طويل القامة، حسن الوجه، رقيق الكلمات، وفجأة ستنبت بين ضفاف الشاطئ والقصر علاقة حب رائعة حظيت برعاية الحسن الثاني، لدرجة يحكى أن للا حسناء الأميرة الوحيدة التي اختارت شريك حياتها، وأنها تزوجت عن حب من أول نظرة.
كانت للا حسناء ذكية في اختيار الوقت المناسب لتضع نصفها الثاني في الطريق الصحيح.
كان اليوم مشمسا ومزاج الحسن الثاني رائقا بكولف دار السلام بالعاصمة الرباط، حينما ظهر فجأة ابن بنحربيط كما جرت العادة أن لا يتأخر كطبيب وابن لمدير ديوان إدريس البصري الهاوي للعبة الكولف، لاسيما وأنه ظل يحاط بمجرد ولوجه لدار السلام بالكثير من العناية.
وقد يكون الملك الراحل التقط الإشارة وما وراءها، لكنه بحدس الملك الداهية، والأب الحنون، اقتفى أقرب الطرق إلى سعادة ابنته، وسرًّع من وتيرة تحقيق لم يعهد به إلى رجل الشاوية القوي على عهده فحسب، وإنما أمر بموازاته جهة سرية طالبها بالتكتم لإجراء تحقيق مدقق عن ابن مدير الديوان بأم الوزارات، حتى لا تؤثر علاقة الصداقة التي كانت تجمع بين البصري ومدير ديوانه على تقرير سيحسم في اختيار الرجل الذي سينجب أحفاد الملك، لاسيما وأن انتماء والدته الجزائري وقرابته من مجموعة موسيقية جزائرية وطبيعة صداقته بنوفل، أثارت بعضا من أسئلة الملك التي خضعت أجوبتها لمجهر الدراسة والتمحيص.
بدا الطبيب الشاب متيما بابنة الملك الراحل، لكن، القرار الحاسم ظل بيد الجالس على العرش.
بعد أسابيع، جاء الخبر اليقين، ليزف الحسن الثاني بالرباط سنة 1991 أصغر بناته إلى الطبيب الأخصائي في جراحة القلب، الذي لازال البعض يتذكر أن مجموعة بوشناق المقربة عائليا من خليل بنحربيط أطربت ضيوف العريسين.
قبل أن يعود الطبيب وزوجته من شهر العسل، كان الحسن الثاني قد عزم على أن يعهد إلى زوج ابنته تسيير الأملاك والضيعات الملكية، فما علاقة الطب بالفلاحة؟
“كانت الضيعات الملكية قبل بنحربيط تسير بشكل عشوائي. فعلى سبيل المثال ظلت تحظى تلك التي كان يتردد عليها الملك الراحل بشكل مستمر بالكثير من الرعاية، أما تلك التي نادرا ما يتذكرها جلالته، فقد كانت شبه مهملة. وبمجيء بنحربيط الذي حرص على أن يتميز وتزداد حظوته لدى الحسن الثاني، فقد أدخل مجموعة من الآليات لتحديث تسيير وإدارة ضيعات فلاحية، أصبحت شبيهة بهولدينغ أكثر منها تعاونية، الشيء الذي يظهر مثلا على مستوى ارتفاع صادراتها على عهده، والرفع من مستوى مردودية الضيعات بالمقارنة مع الفترة التي سبقتها، وكان يسيرها حينئذ الفرنسي سولديني”.
سيحصل والد خالد على التقاعد بعد مسار طويل بأم الوزارات، لكن المياه تجري بما لا تشتهي السفن! كان الحسين بنحربيط مكلفا بالعلبة السوداء للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وهو الجهاز الاستخباراتي الذي يعرف اختصارا بالـ”دي.إس.تي”، وهذا معناه أنه خزان هائل من الأسرار والمعلومات، ألهذا السبب ضيِّق عليه الهمة الخناق مباشرة بعد عزل محمد السادس لإدريس البصري، ولم تشفع لبنحربيط مصاهرته للأسرة الملكية كي تعفيه من مطارداته بين الشوارع واقتفاء خطواته وملفاته بقلب الوزارات بيد خفية من صديق الملك؟!
مهما يكن، فإن الحب الذي ترعرع بين الأميرة وابن مدير ديوان وزير الداخلية أثمر ملاكين يحلو لهما أن يرددا مع شقيقة الملك نشيد بونظيف، مساندة لأمهما في صراعها من أجل حماية البيئة، هما أميمة وعلية.