رغم التوجس العسكري الموروث والمتبادل بين المغرب وإسبانيا منذ قرون، فإن بروز الهجرة غير النظامية تحديا مشتركا في السنوات الأخيرة، يدفع البلدين إلى التعاون في المجال الحربي، بدل الاقتصار على التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي والتجاري. إذ إن الحكومة الإسبانية وافقت على صفقة بيع الشركة الإسبانية العمومية «ناباتيا»، المتخصصة في بناء وتصميم السفن الحربية والمدنية، سفينة حربية للمغرب، وهي الصفقة الأولى من هذا النوع بين البلدين منذ ثلاثة عقود. وتبلغ قيمة هذه الصفقة، التي سرَّت العاملين في هذا القطاع بالجنوب الإسباني والقطاعات ذات الصلة، 150 مليون أورو، ما يجعلها ترفع بشكل كبير رخص بيع الأسلحة الإسبانية للمغرب، والتي لم تكن تتجاوز في سنوات سابقة 14 مليون أورو سنويا.
وبالعودة إلى تاريخ بيع الأسلحة الإسبانية للمغرب في العقود الأخيرة، يظهر أنها كانت عبارة عن ذخائر أو بعض الأجهزة التكنولوجية المرتبطة بالمراقبة والرصد. وأوضحت مصادر واكبت تطورت العلاقات المغربية الإسبانية منذ عودة الديمقراطية إلى الجارة الشمالية، لـ«الأخبار اليوم»، أن التوجس العسكري بين البلدين مازال قائما، وأنه لا يمكن إسبانيا أن تبيع المغرب تلك الأسلحة التي يمكن أن تعتمد عليها للحفاظ على الريادة العسكرية في المنطقة؛ كما لا يمكن المغرب أن يعول على الأسلحة الإسبانية في ظل التعاون الاستراتيجي العسكري الوثيق الذي يربطه بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر يتعلق بسفينة شبه حربية مهمتها الرئيسة هي المراقبة والرصد في أعالي البحار.
وقد كشفت معطى بيع السفينة الحربية للمغرب وزيرة المالية الإسبانية، ماريا خيسوس مونتيرو، خلال زيارتها صباح يوم الجمعة المنصرم حوض بناء السفن التابع لشركة «ناباتيا» بمنطقة سان فيرناندو بمدينة قاديس. ويظهر أن الأزمة التي تعرفها صناعة السفن بالجنوب الإسباني جعلت الوزيرة تخفف من حساسية بيع مثل هذه الأسلحة للمغرب، الذي يعتبره بعض الإسبان «خصما عسكريا»، بتأكيدها أن الصفقة ستوفر 250 منصب شغل في قاديس في السنوات الثلاث ونصف المقبلة.
وأوضحت مصادر من قطاع بناء السفن أن الأمر يتعلق بصفقة بيع سفينة (زورق) دورية ذات علو (OPV) من راز «آبانتي» والتي تزن 1500 طن، ويبلغ طولها 80 مترا، ويبلغ أفراد طاقمها 8 أشخاص، وهي أشبه بسفن مراقبة السواحل التي باعتها إسبانيا لفنزويلا من قبل، وفق صحيفة «إلباييس». وتابع المصدر ذاته أن المفاوضات بين إسبانيا والمغرب انطلقت قبل سنة بخصوص تزويد البحرية المغربية بسفينتين بقيمة 272 مليون أورو، لكن، إلى حدود الساعة، جرى الاتفاق على بناء سفينة واحدة، لكن، لا يستبعد التوافق على صفقات أخرى.
وكانت صفقة آخر سفينة حربية وسفن دورية باعتها إسبانيا للمغرب عقدت في ثمانينيات القرن المنصرم (1985)، وبعد ذلك، بدأ المغرب يركز على شراء الأسلحة الفرنسية والأمريكية، قبل أن يبدأ في السنوات الأخيرة في تنويع مصادر الأسلحة بالانفتاح على الأسواق الروسية والهولندية وغيرها من الصناعات الرائدة.
في السياق نفسه، تؤكد تقارير أخرى اطلعت عليها الجريدة أن المغرب لا يراهن على الأسلحة الإسبانية، حيث إنه يعتبر أحد زبناء «الصنف الثالث» من الأسلحة الإسبانية، أي أنه يقتني فقط الذخائر وبعض الأجهزة التكنولوجية، على عكس، مثلا، السعودية والإمارات وفرنسا وبلجيكا وألمانيا التي تشتري أسلحة إسبانيا من الصنف الأول والثاني، ويلاحظ، مثلا، أن نصف الصادرات الإسبانية من الصنف الثالث في النصف الأول من 2020، والتي بلغت قيمتها 30 مليون أورو، صدرت إلى السعودية (21.9 مليون أورو)، والإمارات (8.2 ملايين أورو)، والمغرب (3.9 ملايين أورو).
مع ذلك، فإن الحكومة الإسبانية لم تكشف كل تفاصيل الصفقة، مكتفية بقيمتها فقط، لكن السفينة الحربية الموجهة بشكل كبير لمراقبة السواحل، خاصة محاربة نشاطات شبكات تهريب البشر والمخدرات وغير ذلك، تخدم مصالح الأوروبيين والإسبان والمغاربة على حد سواء.
المصدرEl Pais