لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ خَيْرِ مُكْرِمٍ
فضْلٌ ومِنّةٌ وعَطَاءٌ بدون حُدُودْ..
تهاويت بسرعة البرق، وصرت في لمح البصر، سجين فِيرُوسٍ تَحَكّمَ في كُلِّ شُعَبِي الهوائية وجعلني استغيث بكل قواي، أبحث عن قوة لي هنا وهناك دون جدوى.
طرحني الفراش دون سابق إنذار، وأدخلني في غيبوبة طافت علي فيها كل الأرواح التي انتقلت إلى العالم الآخر، حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أفِرَّ من تلك الأرْواحِ.. أَنْ أُوقِفَ رَقْصَ تلك الأَشْبَاح على أطراف جثتي التي تتراءى لي ككتلة ملتهبة تبحث لها عن مخرج خارج دائرة الألم.. غير أن الألم لا يَهْمَدْ، لا يكاد يَخْبُوا حتى يشتعل من جديد، لا يَكَلُّ ولا يَمَلُّ، وأُمِّي مِنْ حولي أنْهَكَهَا السعي بيني وبين الطّبيبِ حاملة دمُوعَها وأَنِينَها الذي يزيد كلما صرَخْتُ أَلَماً من شدة وقع المرض..
بعد عشرة أيام أو تزيد، وبعد أن شربت جميع الأدوية التي أخرجها لي الطبيب، وبعد نفاذ الصراخ الذي كنت أصرخه ألما ومعاناة، بدأت أحس بفيض رحمات تصيبني، وكأن الله عز وجل أراد أن يُكْرِمَنِي، أن يمنح لي فرصةً لرجوعي، فالزاد كما هو معلوم معدوم، والاستعداد ليوم الرحيل لم يُفَكَّرْ فيه أصلا، ومؤشر الخير في النفس مجهول لشدة عدم إسدال الخير للغير.
ووسط معمعان الألم والأمل، وكأني أسمع هاتفا من بعيد يقول: قم يا هذا ارجع إلى دنياك واخلط عملا صالحا بالعمل السيئ الذي راكمته، عسى أن يتقبلك ربك قبولا حسنا، ويتجاوز عنك، ويكتبك في الناجين عنده من المرض والألم في الدنيا، ويدخلك بعملك الصالح الذي ستُقْبِلُ عليه جنته في الآخرة آميييين، إنه الله جلت قدرته، وخَيْرُ مُكْرِمٍ للبشرية جمعاء..