فرح علي محمد، البالغ من العمر 40 سنة، بإيجاد عمل قار ينتشله من ضيق الحال هو وعائلته، قبل انتشار فيروس كورونا بأسابيع، إذ عمل مسوقا تجاريا لدى شركة معروفة بالبيضاء، بعد بحث طويل عن منصب يليق بإمكانياته العلمية.
لم يكن يعلم علي أن الوضع سيزداد سوءا، وأن معاناته لم تصل بعد لنهايتها، حين علم بانتشار فيروس كورونا بأوربا والعالم، إذ لم يأخذ المسألة على محمل من الجد، وظل مهتما أكثر بعمله الجديد، حيث غمرته سعادة كبيرة.
في لقاء مع «الصباح»، أخيرا، يقول علي إن عائلته فرحت عندما أبلغها بإيجاد عمل قار، لكن والدته ظلت تحذره من أن الوضع في العالم غير مستقر، وأن انتشار فيروس كورونا مخيف، وأن الأمور لم تعد كسابقتها، حين كان العالم يتغلب على ظهور الفيروسات في أشهر قليلة، لكنه لم يول الأمر اهتماما، واعتبر تحذيرات والدته عادية، بحكم خوف الأم على ابنها.
بعد ثلاثة أسابيع، فرض المغرب الحجر الصحي على كامل البلاد، لمواجهة تفشي فيروس كورونا، ليتلقى علي الخبر بصدمة كبيرة، ودعا الله ليحافظ على منصبه، متمنيا أن تزول الأزمة سريعا. بعد أقل من شهر عن إعلان فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي، أبلغ علي بضرورة العمل عن بعد، وأن توقيت عمله سيتغير، وسيكون عليه العمل نصف يوم، وهو ما يعني نصف راتب.
يقول علي، «تلقيت الخبر بصدمة. لم أكن أعلم أن هذه الأزمة ستطول إلى هذا الحد، وستؤثر على مساري المهني الذي انطلق على التو. انتظرت سنوات لأجد عملا قارا، وهاهو اليوم ينتزع مني بشكل غريب وصادم. لم أكن لأصدق ذلك. بعد شهر تقريبا، توصلت براتبي الأول كاملا، لكن الإدارة أخبرتني بضرورة فسخ العقد بالتراضي، بحكم أن وضعية الشركة سيئة، وأن عائداتها تراجعت بشكل كبير، ما دفع الإدارة إلى التخلي عن 30 % من العاملين بها، وبدأت بالذين وقعوا عقودا للتو».
وأضاف علي «عندما أبلغت والدتي بالخبر الحزين، تقبلته بصدر رحب، وقالت لي إن الخير في ما اختاره الله، وأنه مكتوب علي الصبر إلى أن يجد الله لي مخرجا. الدنيا دارت بيا وماعرفتش شنو ندير … بكيت لليال وأيام…».
لم تتوقف معاناة علي عند هذا الحد، بل أصيبت والدته بمرض عضال، اضطرها لدخول المستشفى على عجل، إذ قضت هناك أسابيع، كان علي خلالها يعتني بأخيه الأصغر وبوالده المريض وأخته.
يقول علي «اعتقدت أن زمن المتاعب انتهى، لكنه بدأ للتو. عند دخول والدتي المستشفى، كانت وضعيتنا المالية مزرية، وصرفت كل ما لدي من مال. خذلتني كل العائلة، لكنني أعذرهم لأن الظرفية كانت صعبة، وأن الجميع عانى صعوبات مالية كثيرة».
بعد أسابيع من المعاناة، تلقى علي أملا طفيفا بخروج والدته من المستشفى، سالمة، لكنها كانت تحتاج للرعاية بالمنزل، فكان هو المسؤول عن صحتها وسلامتها. تلقى علي بدوره مساعدات من الدولة، مع فاقدي مناصبهم، رغم أن القيمة المالية كانت ضعيفة، لكنها كانت مفيدة لرعاية عائلته الصغيرة.
مع مرور الوقت، سعد علي وعائلته ببدء مخطط الحكومة، بالرفع تدريجيا من الحجر الصحي، واعتبر الفرصة مواتية للبحث عن عمل جديد، لكن القدر كان يخبئ له خبرا سيئا آخر. بعدما عانى ضيقا في التنفس وارتفاع درجات الحرارة، اختار القيام بتحاليل الكشف عن كورونا … أتت نتائجها إيجابية.
التزم علي بالحجر في أحد مستشفيات البيضاء، وقضى فيها أسبوعين، قبل أن يبدأ ببروتوكول علاجي جديد بمنزله امتد أسبوعين آخرين …
يقول علي، إن الفترة الماضية كانت الأسوأ في حياته، حتى إنها أسوأ من فترة البطالة التي قضاها قبل انتشار كورونا. اختار علي لهذه «السنة السوداء»، اسم «سنة الموت»، بعدما عاش خلالها كل الويلات والمشاكل.
الله بعونك يا اخي