يتتبّع كتاب “ظلال وأضواء على عائلة نور” تجربة “عائلة مغربية مهاجرة مقيمة في فرنسا منذ عقود، تتلاطمها البطالة والافتقار المزمن إلى المال وأشكال التمييز المختلفة”، ويوضّح من خلال حالتها “الصعوبات العديدة التي تنجم عن حال عدم الاستقرار الذي يعانيه المهاجرون، وكيف يتخيل الأهل وأطفالهم الاستراتيجيات الأصلية التي تيسّر لهم تحمل الصعاب، مع القدر الكافي من التعاطف والتماسك الأسري”.
صدر هذا الكتاب في إطار سلسلة “ترجمان” عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان: “ظلال وأضواء على عائلة نور: مقاومة التهميش في مجتمع المهاجرين”، وهو ترجمة أعدّها رياض الكحال لكتاب الباحثة كاترين دولاكروا.
يتحدّث الكتاب عن حياة عائلة من أصول مغربية بإحدى المدن العمّالية الفرنسية، قاربت مدّة دراستها “عشر سنوات، اختارت فيها الباحثة عائلة نور؛ لأنها أُسرة كبيرة تتكوّن من عشرة أفراد، مما يجعلها عيّنة نموذجية تكشف معظم الصعوبات التي تتخبّط فيها الأُسَر التي في وضعية هشاشة”.
ويقارب الكتاب مجموعة من المواضيع، من بينها: “مجتمع الهجرة، الفرد والجماعة، المجتمع والطائفة، الوصم الاجتماعي، الإقصاء والهشاشة الاجتماعية”، كما “يميط اللثام عن الاعتلالات التي تتخلّل مجموعة من الإجراءات والقوانين التي تسنّها فرنسا تحت مسمّى الإدماج”.
ويفكّك الكتاب عبر دراسة حياة هذه الأسرة “مجموعة من الأحكام المسبقة التي ترتبط عادة بالمهاجرين من أصول مغربية”، ليبيّن أنّ هؤلاء المهاجرين في وضعية هشاشة، “يستخدمون استراتيجيات دينامية لحل مشكلاتهم، ولا يختارون البطالة، بل تُفرَض عليهم، وعبرها يُفرَض عليهم التهميش والإقصاء”.
ويوضّح الكتاب أنّ المدرسة تشكّل “المكان الذي تحاول هذه العائلات الاستثمار فيه، لتُمكّن أطفالها من الاندماج الاجتماعي والاقتصادي”، ويشكّل “الفشل في هذا الاستثمار عواقب وخيمة، حيث يبيّن لنا مسارُ عائلة نور كيف أن معظم الأبناء، باستثناء الأخت الكبرى، قد عرفوا تعثّراً دراسياً أثّر بشكل كبير على اندماجهم في سوق العمل والمجتمع، بل وأدّى بأحد الأبناء إلى الانحراف والجنوح”.
ويتحدّث المؤلف في قسمه الأوّل “حوار الطّفولة” عن الأبناء داخل عائلة نور، وكون الهمّ الشّاغل لوالديهم هو تجنيبهم الفشل الدراسي وتمكينهم من أن يصبحوا قادرين على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وينقل “صورة فسيفسائية لأفراد أربعة في العائلة، هم رشيد وليلى وجميل وإدريس، واصفا بألسنتهم معاناتهم المدرسية والصحية والعائلية في بلد جديد، وما صاحب هذه المعاناة من أمراض نفسية أصيبوا بها”.
ويتطرّق القسم الثاني من الكتاب لـ”الميزانية الزوجية”، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية بفرنسا، ثمّ “الخروج من الأزمة”، والتضامن الفاعل بين نساء الحي، وتقاسم الأعباء الذهنية أمام المشكلات.
ويتناول القسم الثّالث من الكتاب “سنّ الرّشد”، وتجاوز بعض الأبناء أمراضهم النفسيّة، والخطوات الأولى التي خطتها عائلة نور نحو الاستقرار، و”انطلاق رشيد نحو حياة اجتماعية فرنسية بالمساكنة”. كما يتناول هذا الفصل حياة الجنوح والسّجن التي عاشها أحد أبناء العائلة، وبحث إدريس عن عمل وأجواء العنصريّة المتفشّية، وتحقيق ليلى ذاتها من خلال الدّراسة، واعتبار نفسها “فرنسية بشكل تام مع الفخر في الوقت نفسه بمنشئِها المغربي”.
ومن بين ما يرد في الكتاب أنّ عائلة نور “تعاني مثل باقي العائلات في المدن العمّالية مِن أشكال متعدّدة من التمييز والوصم، فهي عائلات في وضع هش من جهة، وذات أصول أجنبية من جهة ثانية”، وهو “وصم مزدوج يؤثّر بشكل أكثر حدّة في أبناء هؤلاء الأسر الذين وُلدوا في فرنسا وترعرعوا فيها، فهم يتمثّلون أنفسهم كفرنسيّين، لكن المجتمع الفرنسي لا يتمثّلهم بالضرورة كذلك.”
كما يتطرّق الكتاب إلى “الفروقات القائمة بين الآباء والأبناء في تقييم تجربتهم”، حيث “يشعر الآباء الذين وصلوا إلى فرنسا كمهاجرين مغربيّين أنهم متميّزون مقارنة بأفراد عائلتهم في المغرب، وهي مقارنة تحقّق لهم شعوراً معتداً بالذات، مقارنة بأبنائهم الذين يقارنون أنفسهم بأبناء جيلهم من الفرنسيّين، فيجدون أنفسهم أمام فروقات عديدة تُولّد لديهم شعوراً بالتمييز، باعتبارهم أبناء مهاجرين، معرّضين أكثر من غيرهم للهشاشة والتهميش.”
وترى الكاتبة كاترين دولاكروا أن “الهشاشة ليست مسألة اقتصادية فحسب”، بل هي “أيضاً مسألة حقوق”، وينبّه الكتاب إلى أنّ المجتمع الفرنسي يخطئ “حين ينظر إلى العمال المهاجرين، سكان الضواحي، بريبة وحذر وعدوانية”، لأنّ هذه “أفضل طريقة لجعلهم أعداء حقيقيّين”؛ فـ”هذا الإقصاء وهذه الخطابات العنصرية تدفع ببعضهم ليصبح أكثر جنوحاً وعنفاً”.