توفيق السليماني
رغم أن الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطات المغربية منذ سنة 2013 للتوفيق بين المقاربات الأمنية والسياسية والاجتماعية والقانونية لمواجهة تحديات الهجرة غير النظامية الآتية من إفريقيا جنوب الصحراء، أسهمت في معالجة ملفات آلاف المهاجرين في المغرب وفي احتواء «الحريك» منذ يناير 2019؛ فإن بعض الحملات الأمنية لتوقيف المهاجرين وترحيلهم من شمال المملكة إلى وسطها وجنوبها، تسيء حقوقيا إلى المغرب وإلى سياسة الهجرة المعتمدة سنة 2013. هذا ما يُسْتخلصُ من التقرير الذي أصدرته الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان (APDHA)، بمناسبة اليوم العالمي للاجئ يوم السبت الماضي، في 168 صفحة تحت عنوان: «حقوق الإنسان في الحدود الجنوبية»، فيما يعتقد أن إقناع المغاربة، خاصة القاصرين، بالبقاء في أرض الوطن بدل الهجرة رهين بتجاوز أسبابها، المتمثلة في الأزمة الاجتماعية والسياسية.في هذا الصدد، يقول التقرير إن تراجع عدد المهاجرين في الحدود الجنوبية (الإسبانية) سنتي 2019 و2020 وقع بفضل ما سماه «التعاقد غير المعلن» بين إسبانيا والمغرب على استعمال العنف ضد المهاجرين الآتين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الإسبانية انطلاقا من المغرب. وانتقد التقرير الحكومة الإسبانية قائلا: «تدرك الحكومة الإسبانية جيدا أن وضع تدبير الحدود الجنوبية لأوروبا بين يدي المغرب يعني الاستعمال المكثف والواسع للقمع ضد الأشخاص الآتين من إفريقيا جنوب الصحراء».وبرر التقرير انتقاداته للمغرب بعمليات الترحيل التي قام بها من الشمال إلى الجنوب لعدد من المهاجرين، مشيرا إلى أن ما بين 11600 و12000 مهاجر نقلوا إلى الجنوب بطريقة عنيفة خلال 2019، كما انتقد تدخلات السلطات المغربية في تفكيك مخيمات المهاجرين في الغابات المجاورة للثغرين المحتلين سبتة ومليلية. ويزعم التقرير أن الاتحاد الأوروبي منح المغرب 140 مليار سنتيم سنة 2019 من أجل تشديد المقاربة الأمنية على المهاجرين، فضلا عن حصوله على 32.2 مليار سنتيم من الدولة الإسبانية، موضحا أن هذا المبلغ الأخير كان يوجه لتدبير الكوارث الطبيعية، لكنه وجه في هذه المناسبة لتسديد تكاليف المغرب في تعاونه مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي في مراقبة الحدود ومحاربة الهجرة غير النظامية المتجهة صوب السواحل الإسبانية. وأضاف التقرير: «نشر المغرب نتائج إيجابية للعلن في فبراير 2020، وتتمثل في منع 73 ألفا و973 مرشحا» من ركوب البحر صوب أوروبا.ورفض التقرير، كذلك، ما يروج عن أن أغلب المهاجرين يصلون إلى إسبانيا على متن قوارب الموت، وفي هذا شرح: «الفكرة التي تسوق والمتمثلة في أن القوارب المحملة بالأفارقة من جنوب الصحراء هي الوسيلة الرئيسة للعبور إلى إسبانيا، خاطئة، ولا تتطابق بأي حال من الأحوال مع حقيقة الهجرة»، في إشارة إلى أن عدد الأشخاص الذين يدخلون إلى إسبانيا جوا قبل أن يتحولوا إلى مهاجرين غير نظاميين أكثر ممن يعرفون بالحراكة.من جهة ثانية، انتقد التقرير الطريقة التمييزية التي تتعامل بها السلطات الإسبانية مع المهاجرين غير النظاميين المغاربة مقارنة بالآتين من إفريقيا جنوب الصحراء، رغم أن هذه الفئة الأخيرة تعاني أيضا. إذ في الوقت الذي يحيل فيه الأمن الإسباني المهاجرين الأفارقة على مراكز مساعدة الأجانب، قبل نقلهم فيما بعد إلى مختلف مراكز الإيواء أو الإفراج عنهم؛ يجري التعامل بشكل مغاير مع المغاربة، حيث يجري اعتقال أغلبهم في مخافر الشرطة، ومنها يرحلون بشكل مباشر أو يحالون على مراكز الاحتجاز، في انتظار انتهاء إجراءات ترحيلهم. ولا يُفرج عن المغاربة إلا في حال رفضت السلطات المغربية استقبالهم. ويظهر التقرير أن المغاربة كانوا يمثلون 12 في المائة من نزلاء مراكز الاحتجاز الإسبانية سنة 2016، ونسبة 18 في المائة سنة 2017، لكن عدد المغاربة ارتفع سنة 2018، بالتزامن مع ما عُرف حينها بأزمة تدفقات الهجرة من المغرب أو «القارب الشبح»، حيث كانوا يمثلون نسبة 35 في المائة.وخلص التقرير إلى أن هجرة المغاربة لا تقتصر على الراشدين، بل تشمل القاصرين كذلك، وتوقع استمرار هروب القاصرين المغاربة إلى أوروبا انطلاقا من البوابة الإسبانية، إذ أوضح قائلا: «مازال فرار القاصرين من المغرب مستمرا منذ سنوات، لكنه ازداد بسبب استمرار الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يعانيها البلد، خاصة في الريف»، مبرزا أن استمرار هذه الأزمة «يجعل آلاف الشباب دون مستقبل ويتشبثون بطرح حيوي وحيد: الهجرة».