أدى نشر شريط فيديو يصور 6 حراس إسبان يقومون بتعنيف الشاب المغربي إلياس الطاهري، 18 عاما، في مركز لاعتقال القاصرين في ألميريا بإسبانيا، ما أدى إلى مقتله، إلى تسليط الضوء على هذه القضية التي صنفت قبل سنة كوفاة عادية بسكتة قلبية.. والدته خديجة تروي ، القصة الكاملة للحادث المأساوي..
أين وصلت قضية ابنك المرحوم إلياس الطاهري بعد الكشف عن فيديو يوضح العنف الذي تعرض له على يد الحرس الإسباني؟ وهل طلبت إعادة فتح تحقيق في القضية؟
لم أطلب بعد إعادة فتح التحقيق في هذا الملف، فمنذ بث الفيديو الذي يوثق لعملية قتل ابني من طرف الحرس الإسباني، لم أتمكن بعد من التواصل مع المحامي، فأنا أقطن في مكان ليست فيه مواصلات للتنقل، خاصة عبر الحافلات، بسبب كورونا، كما أنني لا أتقن التحدث بالإسبانية لكي أتواصل مع المحامي. وأنا أنتظر أن يلتحق بي ابني من مدينة سبتة لكي يساعدني. فقد طلب الإذن لكي يلتحق بي، لكن لم يمنحوه بعد الموافقة.
أين تقطنين الآن؟
أنا أقطن قرب الخزيرات.
هل يمكن أن تروي لنا ما وقع لابنك قبل حوالي سنة؟
جرى إبلاغي بوفاة ابني في مركز اعتقال للقاصرين في ألميريا يوم الاثنين 1 يوليوز 2019. لقد كان معتقلا في قضية تتعلق بمشاكل الشباب القاصرين، ونقلوه من الخزيرات إلى مركز اعتقال في ألميريا، الذي قضى فيه شهرين، وفيه قتل على يد الشرطة.
متى كانت آخر مرة زرته فيها؟ وماذا قال لك؟
قبل يوم من وفاته، أي يوم الأحد، زرت ابني وتكلمت معه، فأخبرني، بأنه غير مرتاح في مركز الاعتقال، لأنه يتعرض للعقاب وروى لي بالتفصيل كيف يتم تكبيله. فمنذ اليوم الأول لنقله إلى مركز ألميريا، أخبرني أنهم قاموا بتقييد يديه ورجليه، وكان يصرخ، وبقي مدة طويلة على هذا الحال، يصرخ ويستنجد من شدة الألم في رجليه، فتمت المناداة على ممرضة للاطلاع على الألم الذي يعانيه، ولاحظت أن رجليه أصبح لونهما أزرق بسبب التكبيل، فطلبت من الشرطة إزالة القيد. وقد طلب مني ابني بإلحاح أن أوكل له محام، وأن أفعل ما في جهدي لنقله إلى مركز اعتقال آخر أو إلى السجن أو إعادته إلى المغرب، وقال لي: “الأهم لا يجب أن أبقى هنا”، ثم افترقت معه في السادسة مساء، وفي الغد قرابة الساعة السابعة مساء، اتصلت بي مغربية تعمل في مركز الاعتقال بألميريا، قائلة “ابنك مات رحمه الله بسكتة قلبية”.
كيف تلقيت هذا الخبر المفجع؟
لا يمكن أن أصف لك الحالة التي كنت عليها بعد تلقي هذا الخبر المفجع. استمروا في الاتصال بي من مركز الاعتقال، ليسألوا عن أحوالي لأنني بمجرد سماع الخبر ألقيت بالهاتف على الأرض وأصبحت في حالة هستيرية، فقلت للسيدة التي اتصلت بي إنه لا يمكن أن يكون قد توفي بسكتة قلبية، بل تم قتله، وأخبرتها أنني زرته يوما قبل وفاته وكان في صحة جيدة واشتكى من التعذيب. كانت تلك السيدة تقسم لي أنه لم يقع شيء وإنما مات بسكتة قلبية، فقلت لها أنت مغربية وتقسمين بالله بأنه لم يقتل، دون أن تري شيئا.
ماذا حدث بعد ذلك؟
أخذوه للتشريح، ثم ساعدني ابني على التواصل مع شخص يشتغل في مجال نقل الجثامين حتى يتولى نقله للدفن في المغرب، وفعلا أدينا مستحقاته وأعطيته وكالة حتى يستلم الجثة.
توفي ابني يوم الاثنين 1 يوليوز، وبسبب الإجراءات وانتظار الحصول على إذن المحكمة لنقل الجثمان، لم يتم نقل ابني إلى الخزيرات إلا يوم الأربعاء 3 يوليوز مع حلول وقت صلاة المغرب. ثم انتقلنا إلى المغرب لدفنه في تطوان يوم الخميس الموالي مع صلاة العصر.
وبعد الدفن تلقيت اتصالات من الصحافيين الإسبان، فأخبرتهم أن ابني قُتل، وفعلا صدرت عناوين تشير إلى أنني كوالدة الضحية إلياس الطاهري، أصرح بأن ابني مات مقتولا.
هل طالبت بفتح تحقيق؟
قمت بتوكيل محام بعد عودتي إلى إسبانيا، وطلبت منه رفع دعوى بسبب قتل ابني، ولكن القاضية المكلفة أبقت هذه القضية سرية لمدة حوالي شهرين، بدعوى أن هناك بحثا جاريا، فتوصلت بالوثائق والصور الخاصة بابني، وبعدها توجهت إلى القاضية، فسألتني هل أريد أن أسجل متابعة قضائية في هذا الملف، فأجبت بنعم، فأخبرتني بأن علي التوجه إلى محكمة أخرى لتسجيل المتابعة القضائية، وأبلغتني أن مهمتها هي فقط، إجراء البحث. وقد أبلغني المحامي بأن القاضية كانت ترفض في البداية استقبالي، لولى إلحاحه عليها.
لكن القضية لم تسفر عن أي متابعة؟
في يناير أبلغني المحامي أن الملف سيتم حفظه، فخرجت لأتحدث مع وسائل الإعلام والصحافة وجمعيات حقوق الإنسان في إسبانيا. نظمنا وقفة احتجاجية أمام المركز الذي قُتل فيه ابني في ألميريا، ثم وقفة وسط المدينة عينها شارك فيها أبنائي وأفراد من عائلتي. ورويت للصحافة كل ما حدث، فتم نشر مقالات عدة عن الموضوع، منها مقال يتحدث عن وقوع غلط في الملف، فطلب مني المحامي أن نستأنف الدعوى، لكن هذا المسار تأخر بعد ظهور وباء كورونا.
هل يساعد الفيديو الذي يُظهر 6 من الحراس الإسباني وهم يعتدون على ابنك في غرفة، في فتح الملف من جديد؟
نعم، هذا الفيديو الذي ظهر مؤخرا أظهر الحقيقة، وبيّن أن ابني مات مقتولا، كما كنت أقول، ولهذا أطالب بإعادة تشريح الجثة، لأنني لا أعترف بالتشريح الذي جرى إنجازه. فجريدة “إلباييس” نشرت مقالا في بداية التشريح، أي بمجرد اطلاع الطبيب على الجثة، قالت فيه إن ابني مات مخنوقا، وبعدها قيل إن التشريح يفيد بأنه مات بسكتة قلبية.
كيف تابعت الفيديو المنشور؟
يبدو من الفيديو أن ابني لم يكن طبيعيا، فقد كان مشلول الحركة والحراس يرتمون فوقه، ما يجعلني أعتقد أنه قُتل قبل إحضاره للغرفة.
ما مبرر استعمال العنف ضد قاصر معتقل؟
لما مات بدؤوا يقولون إن ابني عنيف يتناول المخدرات، في حين أنه أمضى رهن الاعتقال مدة أكثر من سنة في مختلف المراكز التي مر منها بدءا من الخزيرات إلى ألميريا، دون أن يتحدث أحد عن استعماله المخدرات. ولماذا لم يشر التشريح إلى تعاطيه المخدرات. هناك تلاعب في الملف وأريد إعادة فتح الملف من جديد، ولهذا أريد أن تساعدني بلادي المغرب في إعادة فتح هذا الملف.
هل تواصلت معك السفارة أو القنصلية المغربية؟
تلقيت قبل بضعة أيام اتصالا من القنصلية المغربية في ألميريا. وأريد أن أشير إلى أنه منذ إبلاغي بوفاة ابني في مركز الاعتقال، اتصل زوج أختي بالقنصلية في مدريد، فأعطوه هاتف قنصلية ألميريا، ولما اتصل، ردت عليه سيدة تخبره أن المعلومات المتوفرة لدى القنصلية تفيد أن الشاب مات بسكتة قلبية. اتصل بهم، أيضا، ابني من سبتة، لترتيب لقاء مع القنصل فردوا عليه بأنه يصعب ترتيب ذلك لأن القنصل مشغول كثيرا، وطلبوا منه المجيء للقنصلية وحينها سيرون إمكانية استقباله، لكنه رفض السفر من سبتة إلى ألميريا بدون موعد.. وبقي الأمر هكذا بدون اتصال، ولم يساعدنا أحد في هذه المأساة التي عشناها، فمنذ عام لم نتلق أي اتصال من القنصلية أو السفارة.
بخصوص الاتصال الأخير، هل عرضت القنصلية عليك المساعدة؟
في أول اتصال قال لي القنصل إن القنصلية رهن الإشارة إذا احتجت إلى أي مساعدة، وأعطاني هاتفه. وفي المرة الثانية، اتصل وطلب أن يلتقي بي، وقال لي إن السفيرة طلبت منه أن يستقبلني لمعرفة طلباتي تجاه السلطات المغربية.