كوفيد 19: فرصة سانحة للإقلاع.
توطئة:
لعل أهم إيجابيات وباء كورونا والحجر الصحي الذي نهجه المغرب وباقي دول العالم، هو إعادة اكتشاف المغرب لقدراته ومقدرة مهندسيه وباحثيه على الابتكار وتحويل أفكار مشاريع إلى اختراعات وابتكارات تقنية ولوجيستية وتكنولوجية بمواصفات عالمية.
فقد انخرطت مجموعة من مصانع النسيج بالمغرب في إنتاج كمامات مغربية ذات مواصفات عالمية وبقوة إنتاجية فاقت فرنسا وعدة دول من بقاع العالم تعد في مصاف الدول الرائدة، كما تكلفت شركات اخرى بتصنيع واقيات الوجه البلاستيكية والملابس الواقية وتوزيعها بالمجان على الأطباء المتواجدين في الواجهة الأمامية أمام جائحة كورونا. كما لا نغفل ابتكار أجهزة التنفس الاصطناعي، سواء المحمولة أو المستخدمة لأكثر من مريض واحد في نفس الوقت، وإرسال كمية لا بأس منها إلى الخارج، إضافة إلى تصنيع غرف تعقيم توضع أمام أبواب المؤسسات، وبناء مصنع معقمات في أسبوع ينتج 248 هكتلتر في اليوم.
الحدث:
هذا المقال جاء بمناسبة مداخلة وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، مولاي حفيظ العلمي، أمام البرلمان المغربي بحر الأسبوع الجاري، بتكليف وزارته بجرد جميع السلع المستوردة من الخارج من أجل إعادة فرزها وتحديد ما يمكن تصنيعها بالمغرب دون الحاجة لاستيرادها.
ستكون إيجابيات انتشار هذا الفيروس بمثابة نعمة على الدول التي تريد أن تستفيق من غيبوبتها بعدما استهانت بقوتها الحقيقية أو استكانت إلى استيراد ما هو جاهز بدل صنعه لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية، بل ستكون ثورة نحو دفع هذا البلد إلى مصاف الدول المصنعة والمصدرة والقادرة على جلب العملة الصعبة وقلب موازين التنمية والميزان التجاري والناتج الداخلي الخام.
فالمغرب يتميز بعدة خصائص تساعده على لعب دور إقليمي ودولي رائد.
– موقع المغرب الاستراتيجي:
يتمتع هذا الأخير بموقع استراتيجي هام جدا، بحكم قربه الجغرافي من القارة الأوروبية، وباعتباره بوابة العالم نحو إفريقيا وأسواقها التجارية الواعدة، وهذا المعطى الأخير هو ما دفع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى جانب معطيات ومؤشرات أخرى، إلى اتخاذ قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي، مكان المغرب الطبيعي، وتوقيع اتفاقيات مع دول عدة بهذه القارة الواعدة، وطلب الانضمام إلى الإكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، في اتجاه التصالح مع دول جنوب الصحراء بدل انتظار سنوات من محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بدون أي نتيجة حقيقية تذكر باستثناء صفة الشريك الأساسي، وفي ظل الجمود الذي يلف مشروع اتحاد المغرب العربي منذ نشأته سنة 1989، نتيجة عداء سياسيي الدولة الشقيقة والحرب الليبية وإعادة ترتيب البيت التونسي، ويبدو ان الجميع فهم موت الاتحاد وتوجهوا متفرقين نحو الإيكواس.
– ثروات بكل الألوان:
* المغرب الأخضر:
تعادل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بالمغرب 95 ألف كم مربع أي حوالي 18٪، وهي مساحة تفوق مساحة بلجيكا بأكثر من ثلاثة أضعاف، ما يمكن المغرب من إنتاج فلاحي مهم وبألوان مختلفة. غير ان الملاحظ هو أن حجم الاستغلال والإنتاج لا يتناسب مع حجم هذه الموارد الضخمة، مما ينعكس سلبا على القيمة المالية المحصلة إجمالا. كما أن مقارنة مساحة إسرائيل، بجميع الحدود التي تسيطر عليها، أقل من المساحة الفلاحية بالمغرب، ومع ذلك تنافس المغرب في صادراته نحو الاتحاد الأوروبي، ولن يتأتى للمغرب تأمين غذاءه واكتفاءه ذاتيا إلا بتسخير الأبحاث العلمية والتكنولوجيا والمكننة في هذا الميدان وفي ميادين أخرى.
* معادن وفلزات بألوان جذابة:
حبا الله المغرب أيضا بثروات باطنية لا حصر لها، تصنفه في الرتب الأولى عالميا من حيث الاحتياط أو الإنتاج او التصدير. إذ يملك أكبر احتياطي عالمي من الفوسفاط ويصنف الثالث عالميا من حيث الإنتاج ب 30 مليون طن/سنويا تقريبا، ويعتبر الفوسفاط عنصرا كيميائيا ضروريا لصناعة الأسمدة، وورقة ظغط قوية في السياسة العالمية، وكما يضم في مكوناته معدن اليورانيوم الذي يصدر خاما، لفرنسا أساسا، ليتم تدويره ومعالجته وبيعه بأثمنة باهضة. كما يتوفر باطن المغرب على فلزات ومعادن أخرى كالزنك والحديد والنحاس والذهب والماس التي تشغل مكانة هامة وأضحت تشكل قطاعات واعدة.
فمثلا الزنك المغربي، بلونه الرمادي والفضي، يمثل احتياطيا عالميا مهما، ويستعمل في صناعات المركبات الالكترونية للسيارات، وباعتبار المغرب أصبح موطنا لقطاع صناعة السيارات فسيكون الزنك إلى جانب النحاس والحديد إضافة نوعية توطن هذا القطاع بالمغرب بجميع مراحل تصنيع السيارات، بطبيعة الحال إلى جانب تصنيع أجزاء أخرى تدخل في صناعة السيارات.
* الثروة الزرقاء:
يعد المغرب من أهم دول العالم المنتجة للثروة السمكية، فهو الأول عربيا في الإنتاج والأول إفريقيا في التصدير. وذلك بفضل توفره على ساحل بحري طوله 3500 كلم، وإنشاءه لحوالي 17 ميناء متخصصا، إلى جانب عقده اتفاقيات للصيد البحري في أعالي البحار تسيل لعاب الشباك الأوروبية والروسية واليابانية وغيرها. ولولا لوبيات البحار وتغول الأساطيل الأجنبية على ثروة المغرب السمكية لما كان ثمن السردين بالمغرب يساوي 3 أضعاف ثمن سردين المغرب التي تستورده اليابان للاستهلاك هناك، ولما كان استهلاك الفرد المغربي 13 كلغ/سنويا من السمك أقل من الموصى به من طرف منظمة الفاو (17 كلغ/سنويا)، ومن المستهلك الإسباني (بواجهة بحرية واحدة) ب 23 كلغ/سنويا في أسوء الحالات!!!
* ثروات سوداء اللون:
إلى جانب الثروات السابقة، يشتغل المغرب، عبر التنقيب في البر والبحر، على ثروة أخرى، وهذه المرة، سوداء اللون. فقد بدأ بتوقيع عقود للتنقيب عن البترول والغاز بمستويات غير مسبوقة وبشره كبير لعدة شركات أجنبية (أكثر من 13 شركة للتنقيب)، مما سيفتح آفاقا اقتصادية جديدة للبلاد، وسيمكن المغرب من تقليص نسبة استيراد الغاز المستعمل في إنتاج الكهرباء بأكثر من 30٪،
فالمغرب يستورد كل ما يستهلكه من المحروقات التي تشكل أكبر حصة من قيمة الواردات (تقريبا 90٪) مما يثقل كاهل الميزانية. وحسب الدراسات الجيولوجية، يتوفر المغرب على احتياطات من الغاز الطبيعي تصل إلى أكثر من مليار متر مربع، وهو ما يخول له الانضمام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
* الثروة الصفراء:
هذا، ويتوفر المغرب أيضا على طاقة متجددة، ترسل خيوط أشعتها، طيلة اليوم ومعظم أيام السنة، مما دفع المغرب للتحول المدهش نحو مجال الطاقة الشمسية. يعتبر المغرب البلد الرائد في أفريقيا على الأقل، بحيث توجد في منطقة ورزازات واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم مع أكثر من مليون مرآة شمسية باستثمار مالي يبلغ 9 مليارات دولار، وبطاقة استيعابية تزود مليوني إنسان بالكهرباء. إن المخطط الشمسي للمغرب يسعى إلى جعل الطاقات المتجددة تغطي لوحدها 42% من الطلب على الطاقة في أفق 2020، كما يجسد منعطفا حاسما سيساهم في أن يصبح المغرب فاعلا مرجعيا على مستوى الطاقة الشمسية إذا نجح في هذا المجال، مع ما يرافق ذلك من تطوير لبرامج التكوين والتخصص التقني والبحث والتطوير وتأهيل الصناعة المرتبطة بالطاقة الشمسية المندمجة.
* الفونا والفلورا:
هذا، ودون أن نغفل التنوع الإيكولوجي والحيواني مما ينمو ويتكاثر فوق أرض المغرب المعطاءة، والذي لو تم الاعتناء به والعمل على تنفيذ جميع مراحل الإنتاج والتصنيع والتسويق بالمغرب، لمكننا من إنهاء مشكلة عويصة تؤرق الاقتصاد المغربي، وهي مشكل تصدير ثروات المغرب خامة بأثمنة بخسة واستيرادها جاهزة وبأثمان باهضة. فالفوسفاط المغربي يصدر جزء كبير منه خاما لنستورده جاهزا مما يفوت على الشعب المغربي عشرات السنين من التقدم ومئات القرارات الدولية التي تؤثر على سياسة المغرب عامة، والصحراء المغربية خاصة. اما زيت أركان فيصدر خاما لشركات التجميل بثمن بخس، ليستورد بأثمان خيالية، لو عادت مداخيله، بعد التصنيع، على منطقة إنتاجه، لغيرت ملامح الأطلس تماما. وبينما عدد الدواب، وخاصة الحمير، المصدرة لإسبانيا وفرنسا والتي تقدر ب 1500، فلو تم إنشاء سياحة بيئية وإيكولوجية بالمغرب “بشكل كاف ومتناسق ويغطي جميع المناطق” لأصبح السياح يأتون للمغرب ألوفا مؤلفة، لرؤية هذا الكائن، الكنز الذي نصدره لجارتينا، من أجل جلب السياح، لهم بدلا منا، من العالم لرؤيته، ونحن أولى وأحق به. وأضف إلى ذلك السمك المعلب الذي نستورد أجوده من إسبانيا وفرنسا ونحن من نرخص لهم ولغيرهم صيده في بحارنا وقس على ذلك أمثلة عديدة يصعب حصرها وذكرها.
* مناظر بانورامية:
كما لا يخفى أيضا تنوع جغرافية
المغرب من حيث التضاريس والمناظر، انطلاقا من زرقة بحار المغرب وصفاءها ورماله الذهبية وشواطئه الجذابة، إلى خضرة الطبيعة وتنوعها، وبياض أعالي الجبال المكسوة بالثلوج، ومنه إلى حمرة تربة وسط البلاد المستغلة في الفلاحة، وصفرة صحاري الجنوب.
– التاريخ وصناعة السينما:
كما لا ننسى تاريخ المغرب، العريق بمآثره، من جميع العصور بما فيها الإنسان القديم والديناصورات، والغني برجالاته وملاحمه التاريخية، التي لو تم العمل عليها في شكل أفلام ومسلسلات لأغنت استيرادنا لأفلام أجنبية تتغنى برجال وتاريخ مختلف، مما يفسد تربية الأبناء وعادات وتقاليد المغرب وينتج أجيالا ممسوخة الهوية، ولأحيت صناعة السينما المغربية ودفعت بها إلى مصاف السينما العالمية.
– وسطية واعتدال وأمن وآمان:
ومن الناحية الدينية، يمتاز المغرب بالاعتدال والتسامح، وتتواجد به أعراق مختلفة تتعايش منذ القدم. ومن الناحية الأمنية، فالمغرب يرفل بدرجة كبيرة في نعمة الأمن والأمان.
– هرم سكاني شاب:
وأهم نقطة يتميز بها المغرب هو
توفره على هرم سكاني يتسم بطاقات شابة وواعدة، قادرة على استخدام المادة الرمادية، وتمكن المغرب من احتضان أقوى مراكز الابتكار والابداع، لو تم رفع نسبة تمويل البحث العلمي، والاهتمام أكثر بمجالات محددة، تمكنه لا محالة من أن يتبوأ مراكز متقدمة في براءات الاختراع التقنية والتكنولوجية والصناعية المستخدمة في جل المجالات الحيوية والاستراتيجية، مما يقوي حظوظ المغرب في التحكم في بعض خيوط وخطوط الإنتاج الدولية والتحول إلى رقم صعب عالميا.
هذه المميزات، في عمومها وفي اتحادها وانسجامها وتناسقها، تسمح للمغرب بأن يصبح من أفضل الوجهات العالمية، من حيث الاستقطاب بغرض السياحة والاستشفاء والدراسة والعلوم والتصنيع والإقامة.
التحول الذي نريد:
يمكن لكل هذه المميزات أن تنقل المغرب من مربع ” بلد في طريق التنمية” الذي لا يزال منذ الاستقلال يرزح ضمنه، إلى مربع “بلد متقدم”.
يشترط أن تتوفر إرادة وإدارة قويتين تتجهان وجهة صحيحة لإنهاء الريع والبروقراطية والتبعية الاقتصادية والسياسية والفساد الإداري والمالي الذي ينخر وطننا ويحيده عن سكة التقدم والازدهار، وإيلاء الاهتمام، بدل ذلك، بالرأسمال البشري والصحة والتعليم والأمنين الغذائي والعسكري، وفق نموذج تنموي جديد، لا يصب في مصلحة أي دولة أجنبية غير المغرب ذاته، غير مستورد او مستنسخ، غير مرهون بإملاءات مؤسسات النقد الأجنبية، وغير مطموس الهوية أو متنكر لحضارة المغرب وثقافته وتاريخه، ويتضمن لجانا محايدة وقوى وضمائر حية قريبة من واقع المجتمع المغربي، ويتجاوز القوالب الجاهزة والمستوردة، بل ويرتكز على الخصوصية الوطنية ويلامس واقع المجتمع المغربي، ويأخذ بعين الاعتبار جميع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزها انتشار فيروس كوفيد 19 والذي كشف خلل وضعف آليات عمل المنظومتين الصحية والتعليمية وكذا السياسات الحزبية والحكومية وأساسات الصناعة والاقتصاد المغربي الهشة، فضلا عن اتساع دائرة الهشاشة والفوارق الاجتماعية.
ختاما:
هل سيستمر كوفيد 19 في إيقاظ همم المغاربة، سياسيين وشعبا، وتغليب المصلحة العامة، وبالتالي إنقاذ سفينة المغرب من بحر لجي متلاطم الأمواج، ومن طاقم متناقض الأهداف، بين من يسير ويدبر من أعلى دكة السفينة، مرهون بخطط وسياسات أجنبية، وبين من يشتغل ضمن هيكل السفينة الداخلي، في ظروف عيش، أقل ما يقال عنها صعبة ومحبطة، ورغم ذلك يضمن عيش جميع من في السفينة؟!!
مقال جميل جدا، إعتقدت للوهلة الأولى وأنا انتقل بين الأسطر أن الأمر يتعلق بالسويد أو الدنمارك حيث الإنتاج والاقتصاد والنفوذ والسياسة والسياحة والطاقة والبترول ومنظمة الاوبك…. لأجد لساني يتثاقل حين وصل إلى سطر تصدير 1500 حمارا إلى اسبانيا وفرنسا لأتأكد أن الأمر أمرنا فهي ليست السويد… ذكرني هذا المقال بنشرة الثامنة والنصف في عهد الصحفي مصطفى العلوي الذي كان في كل مساء يشعرنا وكأننا نعيش في سويسرا وان هذا البلد الأمين يتصدر القوائم في كل شيء وبعد النشرة تتجدد النكسة وتتأكد… فنحن آخر القوائم يا قوم وان النهضة ليست بتلميع الصورة وتزيين الواجهة… وليس هكذا ترمم البكارة… الواقع أقوى من كلامك أخي..