نورالدين شوقي باحث في التاريخ والتراث الكبداني
“شرع رواد الفكر الإستعماري ومنظريه الفرنسيين والإسبان معا في وضع تصورات ومخططات ومناهج وأساليب للتسرب السلمي الى الأراضي المغربية، يستبعد فيه المواجهات العسكرية واللجوء الى العنف والقوة ..
وكان من بين الرواد والمنظرين الأوائل الذين نادوا لفكرة إستبعاد المواجهات العسكرية المباشرة وإعتماد الأساليب السلمية للتوغل والتدخل الى الأراضي المغربية نجد الفرنسي Raymond thomassy، وذلك في تقرير وجهه الى حكومته بخصوص هذا النهج، جاء فيه ما يلي”..على فرنسا أن تبادر الى التعرف على ساحة المعركة حيث تنتظرها مصائر تزداد مجدا كلما كانت أقل دموية، وإنتصارات رسوخا كلما نيلت بأسلحة سلمية، والعلم هو أحد هذه الأسلحة وأول سلاح ينبغي توظيفه لأنه هو الذي سيعمل على تعبيد الأرضية التي ينبغي الزحف إليها..”.
وعلى هذا الأساس من الرؤى والتعليمات والنظريات، التي توصي بتوظيف العلم والمعرفة لخدمة الأهداف الإحتلالية، تم تعبئة وتجنيد العديد من الجامعيين والديبلوماسيين وكذا الأطباء للقيام بجولات إستكشافية داخل الأراضي المغربية تمهيدا لإحتلاله..
وبهذا التحايل تمكنت السلطات الإحتلالية توظيف الطب كأداة من ألأدوات العلمية والمعرفية التي ستخدم أهدافها الإستعمارية، وكانت أولى الخطوات التي قام بها الجانب الفرنسي تمهيدا لفكرة التسريب السلمي هو أنه
“..في عام 1847، طلب القنصل العام الفرنسي المعتمد بمدينة طنجة من حكومته تعيين طبيب خاص ملحق بالقنصلية العامة، يتولى السهر على صحة الجالية الفرنسية، وهكذا عين الطبيب العسكري دشماط الذي حل بالمدينة يوم 15نوفمبر 1847..ولقد تميز نشاطه العلمي بجانبه الإنساني إذ كان يقدم العلاج للمرضى المسلمين واليهود بالمجان، كما تميز بتنقله بإستمرار الى ضواحي المدينة لتقديم العلاج والإسعافات للمرضى، بل حتى الى ممثلي السلطات المخزنية..
وقد رأى منظرو النزعة الإحتلالية هذا الإجراء على أنه حق طبيعي وعليه يتم إستدعاء الأطباء من أجل حماية الجاليات الأوربية المتواجدة على الأراضي المغربية، إلا أن وجوب ذلك ليس حبا فيهم ومخافة عليهم كما إدعت توجهات فكرية متباينة تصدوا لمزاعم هؤلاء، بل هي فقط لحاجة في نفس يعقوبهم..[1].
وهذا كله كان عن الجانب الفرنسي.
أما عن الإسبان فخططهم لا تكاد تختلف عن الفرنسيين
إذ جعلوا هم كذلك الطب في مقدمات حسناتهم لإحتلال الريف والشمال الشرقي بالمغرب، ولما وعوا بمدى أهمية التطبيب ومساهمته الفعالة في عمليات التهدئة وبناء الثقة وكذا تحديد أساليب التغلغل والتسريب السلمي.
تم توظيف أطباء لأغراض سياسية عسكرية دبلوماسية وتجسسية، ومن بين الأطباء المشهورين الذين عينتهم إسبانيا بقيام واجبهم المهني بمنطقة الريف والريف الشرقي نجد فيكتور رويز البنيز..
الطبيب والصحفي رويز البنيز بكبدانة..
[..] في عام 1908وصل فيكتور رويز البنيز الى المغرب بصفته طبيبا رفقة شركة “Rif Mining Company”ليقدم من موقعه المهمة الموكلة إليه والتي كانت تتجلى في إرسال تقارير إستخباراتية وعسكرية الى الجهات المرتبطة به..وبعد جولاته داخل الأراضي المغربية تمكن سنة 1909الوصول الى مليلية وهو أنذاك مراسلا لصحيفة
“إنفرسال جورنال” [2]Universal Journal..
ومنها إنطلق الى منطقة كبدانة، حيث إحتك هناك بمختلف شرائح المجتمع وربط علاقات ودية مع سادة القوم ورجال المخزن وأعيانهم، وبعد كسب شعبية واسعة، خاصة وأنه كان معروف بإسم ” الطبيب الرومي” جعله ذلك يقوم [..] بزيارة رفقة زميله الصحفي بريز مانشتا للقايد شاشا الذي كان قائدا على بلدة رأس الماء أنذاك.[3]..
وهنا أتيحت له فرصة الإطلاع على أحوال العباد والبلاد ستمهد له الطريق [..] في سبتمر من سنة1909 لتغطية الحملة العسكرية التي قادها الجنرال الإسباني لاريا على رأس الماء بغية الإطاحة بنفوذ وقوة القايد مغنوج الذي كان معارضا للتواجد الإسباني بالمنطقة، إضافة الى أنه كان من أبرز المتحالفين مع الشريف محمد أمزيان أثناء إعلان هذا الأخير الحرب على الإسبان ..وقد عمل “رويز البنيز هذا ” على كتابة تقرير مفصل حول هذه الحملة نشرته صحيفة ABC الصادرة يوم 11سبتمر سنة1909، وهو يقول فيه بعد ترجمته الى اللغة العربية ما يلي: “..التوسع إمتد الى 80 كلم منها 15 كلم متوازية مع ساحل مليلية و 10 كلم داخل جبال كبدانة حيث تمكنوا من الوصول الى علو 700 متر. بعدها نزلوا الى غاية نهر ملوية بعد حلولهم بسهول كارمة على بعد 40 كلم من فم ملوية بعدها صعدوا مرة أخرى على ضفاف النهر مسافة 30 كلم ثم أضافوا 15 كلم أخرى الى غاية الرجوع الى رأس الماء.. الفيلق مر عبر قبائل وجماعات و قرى البرج وأيديم وأولاد الحاج و بني قياطين وأولاد داود وبني بوعبد سيد و كارمة ودردر و تازاغين وجبارة وتالفروت وتم جمع 12 بندقية و 60 رأس من الماشية كدفعة أولى للغرامة. وبالقرب من سيدي ميمون حسان كان هناك مورو معتقلون من قلعية ضبطوا مع عدة بغال في طريقهم لشراء المؤونة للثوار الذين يقودهم أمزيان ببويفرور. الحملة تمت بدون أية طلقة رصاصة، بأستثناء دواوير تالفروت فإن كل القبائل والجماعات إستسلمت بدون شروط معبرة عن رغبتها في السلم والصداقة.كل سكان تالفروت فرت عند وصول الجيوش عبر نهر ملوية مخترقين ألأراضي الفرنسية.
الفيلق العسكري قام بتدمير المنازل والمحاصيل الزراعية للقائد مغنوج والقادة المتمردين الذين فروا حسب كلمات الجنرال مارينا فإن العملية التي تمت بقيادة الكرونيل لاريا ذات أهمية جد كبيرة نظرا لأنها جلبت السلم بكامل المنطقة الغربية لكبدانة ومنعت السكان من ألإلتحاق بالثوار ومن حدوث إضطرابات قد تشتت قواتنا..الكورونيل لاريا جلب معه 700 رجل من فوج أفريكا كلهم أدوا مهمتهم بشجاعة متحملين بشكل رائع مشاق الطريق في بلد غير معروف وغير مضياف. الفرقة العسكرية ستبدأ غدا مسيرة أخرى انطلاقا من رأس الماء لكي تنظم الى فرقة الجنرال
أغيليرا..” [4].
أغيليرا..” [4].
ويذكر أن رويز ألبنيز هذا كان يعتبر من أكبر المراسلين والصحفين الذين كانت تقاريرهم ومقالاتهم الصحفية تعد بالألاف، (الريف من1909الى 1922)، والى جانب مهنة التطبيب كان روائي وينجز دراسات وبحوث حول بلاد الحماية الإسبانية أرضا وشعبا، تاريخا، عادات ونظام حكم.. (كتاب اسبانيا بالريف)، ومن أشهر رواياته ” الكلب الرومي”..وتوفي بمدريد سنة1954م
المراجع المعتمدة:
– [1] كتاب: تاريخ الإستعمار والمقاومة بالبادية المغربية خلال القرن العشرين.الصادر عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية- تنسيق: المحفوظ أسمهر.- المراجعة والإعداد للنشر: علي بنطالب.ص، 14.
-[2]. “El Telegrama del Rif. Diario ageno a la política.- Defensor de los intereses de España en Marruecos”, Melilla, miércoles 15 de septiembre de 1909.+
– Saben ustedes quien fue el Tebib Arrumi?”. “El Dia.es”, de D. Carlos Pinto, en Internet.
-[3].M. Sánchez del Arco..
El Heraldo de Melilla
domingo, 25 de marzo de 2012
EL TEBIB ARRUMI, Don Víctor Ruíz Albéniz.
-[4].general aguilera. ( A B C sabado 11 septiembre de 1909.Edicion 1-a pag 6.
للإطلاع على النص الإسباني المترجم راجع.
مقال: القايد مغنوج يعود للذاكرة – نورالدين شوقي 1ماي2017زايو سيتي.نت.
شكرا اخي على هذه المعلومات القيمة
شكرا للأخ نور الدين على هذا العمل الجبار وأتمنى لك التوفيق والتميز، شخصيا أنا لا أثق كثيرا في روايات المحتل لأنه دائما يحاول الدفاع عن جرائمه وتبريرها
للاسف اللوم يقع على الدولة المغربية لأنها لم تستطع كتابة تاريخ المنطقة بتفاصيله بل في بعض الاحيان يتم طمس الحقائق لاسباب سياسية محضة وهنا تكمن الكارثة (وتاريخ المجاهد عبد الكريم الخطابي خير مثال على ذلك).
دائما تتحفنا باحثنا الغالي علينا بمقالات تاريخية نعتبرها ذات قيمة معرفية تاريخية نقرأها لأول مرة عن منطقة كبدانة.اتمنى لك التوفيق والمزيد من البحث والتنقيب، لاني صراحة اعتز بك اخي شوقي لكونك ابن المنطقة التي انتمي اليها..آيت تادموت.