في العاصمة البلجيكية بروكسل، انطلق مشروع “حسن الجوار” أو “تضامن الجيران” منذ ثلاث سنوات بهدف خلق علاقات بين اللاجئين وسكان المدينة.
طريقة قد تشبه مبدأ “مواقع التعارف” الإلكترونية، إلا أنها نجحت بمساعدة حوالي 300 لاجئ على التعرف بشكل أفضل على سكان بلجيكا، البلد الذي غالبا ما يعتبره المهاجرون مجرد محطة عبور.
البعض يريد فقط تناول مشروب أو ربما البحث عن أشخاص يعيشون في الجوار للمشاركة في أنشطة رياضية وثقافية، فيما يرى آخرون أنها فرصة لتعلم اللغة، أو العثور على مساعدة في الواجب المنزلي لأطفالهم.
إليزابيث دولسيت، البالغة من العمر 42 عاما، لم تكن تعلم إلام ستؤول عليه الأمور مع الفتاة التركية العشرينية مونيس التي وصلت إلى بلجيكا حيث كانت تأمل الذهاب إلى المملكة المتحدة.
“دفعني الفضول لمقابلة اللاجئين والترحيب بهم”، تقول الفرنسية إليزابيث المقيمة في بروكسل، أرادت أن “ترد الجميل” لوالدتها ذات الأصل المجري. “كانت والدتي لاجئة في بلجيكا في عام 1946، عندما كان عمرها ثمانية أعوام. في ذلك الوقت، رحبت بها مجموعة من الراهبات. كانت محظوظة”.
التقت إليزابيث منذ بضعة أشهر بالفتاة التركية مونيس، التي كانت مجرد شخصا “غريبا” منذ بضعة أشهر، إلا أنها أضحت كأنها “صديقة أعرفها منذ زمن بعيد” بفضل مشروع “تضامن الجيران”، الذي تشرف عليه رابطة العائلات.
وتهدف شبكة التواصل بحسب ليونيل ديفراين، رئيس قسم التوعية في الرابطة، إلى ربط سكان العاصمة البلجيكية ومحيطها باللاجئين الذين يعيشون في المناطق المجاورة.
مرونة المشروع
“فكرتنا هي تسهيل اللقاءات بين الجيران”، ويضيف “لقد أدركنا أن هناك لاجئين انتقلوا إلى مدن وأحياء لا يعرفوا أحدا فيها. وفي الوقت نفسه، كان هناك أشخاص مهتمون بفكرة القيام بشيء من أجل اللاجئين، ولكن لم يتوفر لهم الوقت الكافي للانخراط في نقابات أو تأسيس جمعيات”.
لا توجد قيود في مشروع “تضامن الجيران”، يوضح ديفراي، “لا نطلب أي شيء من الأشخاص الذين يرغبون في المشاركة. لا يتم فرض أي مدة محددة أو عدد معين من الاجتماعات. الشرط الوحيد هو أن يتفق الطرفان على شيء واحد على الأقل لفعله معا”.
المرونة يعتبرها الكثيرون أنها أساس نجاح هذا المشروع الصغير الذي يقتصر على مدينة بروكسل. ويشرح ديفراين أن تعريف الأشخاص بعضهم ببعض، بالشكل الذي تقوم عليه موقع التعارف، “إلا أن ذلك لا يعني أن الهدف هو إقامة موعد سريع أو ما يعرف بالـspeed dating مع اللاجئ”.
بالنسبة لمؤسسي المشروع، الفكرة الأهم هي التخلص من الأفكار المسبقة، “هناك الكثير من الناس الذين لديهم فكرة دقيقة للغاية حول الجار الذي يريدون مقابلته. لكننا لسنا هنا لتقديم كاتالوغ (قائمة) عن اللاجئين. ما نحاول القيام به هو للسماح للناس بالتخلص من الأفكار المثالية المتوقعة حيال نماذج الأشخاص الآخرين”.
في عام 2018، حوالي 35% من العلاقات التي بدأت من خلال هذا المشروع لم تستمر. في معظم الحالات كان ذلك بسبب انتقال الأشخاص إلى مدن أخرى أو لضيق الوقت. “هذه نتائج ممتازة بالنسبة لنا”، يقول ديفراين إن 300 لاجئ استطاعوا تكوين علاقات جيدة مع بلجيكيين بفضل المشروع.
أشهر من الانتظار
ويتطلب الأمر أحيانا عدة أشهر لتنظيم مواعيد بين اللاجئين والسكان. وتعمل المنصة على أساس قاعدة بيانات للملفات الشخصية وأدوات تحديد الموقع الجغرافي، فجميع الأشخاص الذين يرغبون في المشاركة عليهم أولاً ملء النموذج لتحديد ما يرغبون القيام به كنشاطات، وأوقات فراغهم، واللغات التي يتحدثونها والحالات الذين يفضلون الابتعاد عنها، “على سبيل المثال، يمكن أن تطلب بعض النساء تجنب ترتيب لقاء مع رجل عازب”، يوضح ليونيل ديفراين.
وبعد ملء الاستمارة وتوفير المعلومات اللازمة، يتم تنظيم يوم تدريبي مخصص للبلجيكيين وذلك لشرح “أساسيات” العلاقة الجيدة، مثلا “ننصحهم بتجنب تناول المواضيع الحساسة منذ اللقاء الأول. فمن الممكن أن سؤالا عن العائلة في البلد الأم قد يكون مربكا لبعض اللاجئين”.
ويشدد ديفراين على عدم وجود “صيغة سحرية”، الأمر ببساطة يتعلق “بالعلاقات الإنسانية”.
أما بالنسبة لشروط تسجيل اللاجئين في البرنامج، يجب أن يكون الشخص حاصل على صفة اللجوء وأن يكون لديه مكان سكن ثابت.
وبمجرد الانتهاء من هذه الخطوات، تبدأ مرحلة الانتظار. وعندما يتم إيجاد الملفات المناسبة، يتم الاتصال بالشخصين أو المجموعتين من الأشخاص في حالة العائلات أو الأزواج.
في شتنبر الماضي، التقت مونيس للمرة الأولى بإليزابيث في أحد المطاعم. “شعرنا بالارتياح فورا”، تقول إليزابيث التي كانت تدير سابقا قسم التسويق في المشروع.”في البداية، تحدثنا باللغة الإنكليزية، ثم بدأت مونيس بحضور دروس اللغة الفرنسية وطلبت مني مساعدتها. كما أنني أدعوها بانتظام إلى الرحلات التي أقوم بتنظيمها مع أصدقائي. وأحاول أن أجد أنشطة متعددة الثقافات، كالحفلات الموسيقية والعزف على آلة العود، كما أن مونيس ترغب أن تعرّفني أكثر على المطبخ التركي”.
من جانبها، تشير مونيس إلى أن إليزابيث هي أول شخص استطاعت تكوين علاقة صداقة معه في بلجيكا، وقالت “عندما وصلت، لم أكن أعرف شيئًا عن هذا البلد أو الأشخاص الذين يعيشون فيه أو حتى نمط الحياة هنا. كنت قلقًة من عدم القدرة على مقابلة أشخاص.. اليوم، أشعر بأنني محظوظة جدا، لقد تعلمت كثيرا بفضل إليزابيث”.
كما هو الحال بالنسبة للعديد من المهاجرين، كانت بلجيكا حلاً أخيرا للشابة. في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان هناك حوالي ألف مهاجر في هذا البلد، المعروف بأنه تجمع لشبكات المهربين وأحد نقاط الانطلاق إلى المملكة المتحدة.
عائلة الشابة مونيس منتشرة في أنحاء العالم، اثنين من أخواتها في بريطانيا، ولها شقيق يعيش في ألمانيا، وشقيقة أخرى في هولندا، ويعيش والداها في الولايات المتحدة.
“لم أتجرأ بعد على سؤالها عن سبب مغادرتها تركيا، أنتظرها لتصبح جاهزة لإخباري”، وتضيف إليزابيث “يجب علي أخذ الحذر، مثلا، منذ أسبوعين، سألتها عن أخيها الذي يواجه تعقيدات في أوراقه في ألمانيا. ارتسم فجأة الحزن على وجهها. ألوم نفسي لأنني جعلتها تشعر بالحزن”.
يبدو أن العلاقة بينهما ساعدت أيضا الفتاة اللاجئة على الاندماج “كنت جالسة مع مونيس مؤخرا، نظرت إلي وقالت أتعرفين ماذا؟ أشعر أنني بخير في بلجيكا”.