عبد اللطيف الباز / إيطاليا
تغربوا عن أهاليهم ووطنهم ولم يكن مبتغاهم السياحة والترفيه عن النفس، فلم يقصدوا “ماربيا” ولا “شاطئ الآزور” ولا “جزيرة بورا بورا” بل كانت وجهتهم مناجم الفحم في فرنسا ومصانع السيارات في ألمانيا وحقول الخضروات جنوب إسبانيا؛ هم الجيل الأول، جيل السواعد، الذي ضحى بالغالي والنفيس للأجل غد أفضل وأكرم للأجيال التي تلته.حين برزت الأجيال ما بعد الأول، وماسمي با “ذو الأصول المغربية” او بـ”مغاربة العالم” في فرنسا، بلجيكا، هولاند،إيطاليا وفي بقاع أخرى، سطعت أسماء لامعة في سماء هذه الدول، فمن أصبح وزيرا ومن منهم امتهن التطبيب، ومن سطع نجمه في عالم الفن، ومن تقلد مراكز مهمة في مؤسسات وشركات كبرى.
تفاخرنا بهؤلاء وسعدنا، وكيف لا وهم من أصول مغربية؛ منهم من ولدوا في المهجر ومنهم من ولدوا في المغرب ودرسوا في الدول التي إحتضنتهم حتى قوي عودهم.
هؤلاء، ذوو الإزدواجية الثقافية والهوياتية، الذين أصبحوا قدوة للكثير ممن هم على الدرب ماضون، لم يكونوا أبدا موضوع إهتمام الإعلام الأوروبي سوى لمسائلتهم عن مدى إخلاصهم للغرب، يعد خالد شوقي، الذي عمل صحفيا بوكالة الأنباء الإيطالية «أنسا»، أول شاب من أصول مغربية يفوز بمقعد بمجلس النواب بعدما انخرط في العمل الحزبي بإيطاليا واستطاع ان يفرض مكانته داخل هياكل ومؤسسات الحزب الديمقراطي، الذي كلفه منسقا للجنة الشباب، ومؤطرا لحملة «الإيطاليون الجدد»، كما كان أول مستشار لوزير الداخلية في إيطاليا للمجلس الاستشاري للإسلام والمسلمين عام2008 ، قصد شوقي جامعة بُولُونيا من أجل دراسة العلوم السياسيّة والاقتران بمسار فعل جمعوي في ذات المدينة وجوارها.. إذ يعتبر أن هذه الفترة قد أفلحت في تمكينه من التعرف على التكوين الإجتماعي والثقافي للبيئة الإيطالية والأوروبيّة، خاصة على مستوى الأصول، مع ضبط كيفيّة التحاور الإيجابي مع ناسها.
غير خالد تمركزه صوب مدينة نَابُولي، عقب اقترانِه بشابَّة مغربيّة، حيث انخرط في دراسة العلوم الشرقيّة بجامعة ذات الحاضرة.. وقد برر ذلك بالتنصيص على أن هذا التوجّه قد مكّنه من ضبط مستوَى تعرف الغرب على العالمين العربي والإسلامي بطريقة واضحة وعلى أسس أكاديميّة، حيث استفاد من هذه النظرة ضمن مشواره اللاحق، هو شاب عصاميّ راكم ما أراد من الخبرات الحياتيّة، وتمرّس ضمن التخصصات الدراسية التي ابتغاها، وتدرّج سياسيا وسط التنظيم الذي أرضَى قناعاته، ليغدو برلمانيا إيطاليا يلج مقرّ المؤسسة التشريعيّة وسط رُومَا بثقافة وطنه الأمّ المغرب.
المعطَى يقترن بخالد شوقِي، الرجل الثلاثيني، الدائب على العمل بالغرفة الأولى من البرلمان الإيطاليّ عقب استيفائه لما يعادل عِقدين في تجربة هجرة لم يخترها، لكّنه نال عبر مراحلها ثقة أصوات ناخبة بوأته مكانة الحديث باسمها من تحت قبّة أعلَى مؤسسة منتخبَة فوق التراب الإيطاليّ.
كما يعتبر خالد شوقي، المنتمي للحزب الديمقراطي الإيطالي، والذي يرأس أيضا جمعية “الشبان المسلمين بإيطاليا”، من أكبر المدافعين عن إسلام إيطالي معتدل.
ومعروف عن البرلماني المغربي أيضاً، دفاعه المستميث عن قضايا المهاجرين بشكل عام، وكان قد أعلن، قبل حوالي، أسبوع دخوله في إضراب عن الطعام، رفقة سياسيين وبرلمانيين آخرين، لأجل الضغط على مجلس الشيوخ الإيطالي للمصادقة على قانون منح الجنسية للأطفال المزدادين بإيطاليا من والدين أجنبيين.ويعكس نموذج خالد شوقي مثله مثل العديد من السياسيين الذين ينحدرون من أصول مغربية والذين ينشطون بأوربا بوضوح أن العيش في تناغم مع خصوصيات ومكونات الثقافة الأصلية والاندماج السلس والناجح في بلد الإستقبال هي أمور تتكامل فيما بينها وتفرز في الغالب نماذج وأمثلة ناجحة تشق طريقها بثبات في المسارات التي ترتضيها لنفسها .