سارة هو الاسم المستعار للقاصر التي كانت قد تزوجت في سن 13 ربيعا في الدار البيضاء. تبلغ اليوم 18 ربيعا. هي، في الواقع، زُوِّجت، ولم تكن صاحبة القرار بشأن ذلك. الطريقة التي تجري بها الأمور سهلة ومعروفة في المغرب؛إنه العرف يا سادة، هذا ما يطلق على العلاقات الزوجية القائمة على قراءة الفاتحة، أول سورة في القرآن. لا حاجةإلى وثيقة مكتوبة ولا إلى عدل ولا خاتم ولا طابع رسمي، ولا هم يحزنون. عاشت وعاشرت زوجها مدة أسبوع في بيتوالديه، وبعد ذلك سافر للقتال في صفوف الجماعات الجهادية بسوريا. من تلك الأراضي البعيدة، طلب منها ارتداءالنقاب، وأن تشد الرحال لتلتحق به عبر الحدود التركية.
«رفضت الطفلة السفر إلى سوريا»، تحكي آمال لامين، العضو في منظمة الحقوق والعدالة، «لكن ليس لديها أيدبلوم ولا تكوين؛ كانت قد غادرت المقاعد الدراسية؛ وتنحدر من أسرة فقيرة. مخرجها الوحيد كان الدعارة»، بعدماتركها زوجها، لهذا، «تدفع جمعيتنا واجبات تكوينها لمدة سنة في مجال الحلاقة»، توضح آمال.
تحول الاستثناء إلى قاعدة
شكلت مدونة الأسرة، التي دافع عنها الملك محمد السادس والتي صودق عليها سنة 2004، خطوة كبيرة في مسارحقوق النساء. كانت المرة الأولى التي فرض فيها تحديد سن الزواج في 18 سنة. لكن الاستثناء ترك المجال لشروطشرعنة حالات معينة لزواج القاصرات لـ«أسباب قاهرة»، مع ضرورة الحصول مسبقا على «شهادة طبية»، أوالقيام «بتحقيق اجتماعي» من لدن الجهات المختصة. لكن الاستثناء الذي نص عليه القانون تحول إلى قاعدة.
وتوضح الناشطة الحقوقية والوزيرة السابقة في الشؤون الاجتماعية والأسرة، نزهة الصقلي، عن حزب التقدموالاشتراكية، أن المادة 16 من قانون الأسرة نصت على إمكانية تنظيم الزواج العرفي في غضون خمس سنوات، لكن«المادة مددت سنة 2009 إلى خمس سنوات أخرى، وأعيد تمديدها سنة 2014 إلى خمس سنوات أخرى». لقداستعمل التحايل على القانون في قضايا تعدد الزوجات وزواج القاصرات. وسمح، مرارا، لأشخاص متقدمين فيالسن بالزواج بشابات في مقتبل العمر. كهذا يجري التساهل مع أفعال الاستغلال الجنسي للأطفال تحت غطاءالزواج، في الوقت الذي يتعلق الأمر في الحقيقة باغتصاب مشرعن. لحسن الحظ، لم تمدد هذه المادة في فبرايرالماضي»، تقول الصقلي. هذا كله لا يعني أن المشكل اختفى.
تعتقد نزهة الصقلي أن المشكل ليس قانونيا فقط، بل هو اجتماعي كذلك، لأن «زواج الفاتحة متجذر جدا فيالمجتمع. الكثير من الناس يعتقدون أن قراءة الفاتحة يشرعن الزواج، حتى لو غابت الوثائق الضرورية. إنه منالصعب جدا تنظيم حملة ضد زواج الفاتحة، لأن من يقوم بذلك سيُتهم باستهداف الدين».
تبلغ أنيسة 25 عاما. زُوِجت في مدينة فاس في سن 15 ربيعا من شاب يبلغ من العمر 28 عاما. تروي أنيسة فيمقر جمعية اتحاد العمل النسوي بالرباط قائلة: «في الليلة الأولى، خرجت هاربة نحو بيت والدي، عندما بالاقترابمني. لكن والدتي وإحدى عماتي أعادتاني من جديد. فحتى والدتي زُوجت في سن العاشرة. وبقيتا تنتظران فيالخارج لكي أهدأ ولا أهرب من جديد. قضيت أسبوعا كاملا وأنا أبكي طوال الليل».
مهمة الدولة
مثل تلك التجارب التي عاشتها أنيسة تتكرر يوميا، فوزارة العدل المغربية سجلت 32104 طلبات لزواج القاصراتسنة 2018، مقابل 30312 حالة سنة 2006. وتشير المعطيات ذاتها إلى أن 85 في المائة من زواج القاصرات مابين 2011 و2018 جرى الترخيص لها. في الغالب، يُتحدث عن قاصرات، لكنهن في الحقيقة مراهقات أو طفلات. الإحصائيات غير قادرة على تغطية كل الحالات، فمن المستحيل رصد كل الزيجات التي تعقد بقراءة الفاتحة ودونالاستعانة بأي وثيقة.
بدورها، ترفض فاطمة المغناوي، مديرة جمعية اتحاد العمل النسوي، عبارة «زواج القاصرات»، وتقول إنها غيرموفقة، لذلك، «يجب الحديث عن التزويج القسري للقاصرات»، على حد قولها، وتحمل المسؤولية للدولة قائلة: «المسؤول الأول هو الدولة، لأن المكان الحقيقي للقاصرات هو المدرسة. الدولة لديها الكثير من الإمكانيات والسلط؛يمكن أن تذهب إلى البوادي، وتقوم بحملات تحسيسية في وسائل الإعلام، وتغريم الآباء الذين يقدمون على تزويجأطفالهم. لكنها لا تقوم بأي شيء».
من جانبه، حذر رئيس النيابة العامة، محمد عبد النبوي، في 29 أكتوبر الماضي، من تزايد ظاهرة زواج القاصراتقائلا: «هناك تزايد في عدد طلبات زواج القاصرين… إن هذا الأمر يدفع إلى طرح تساؤلات حول المواقف المتخذةحيالها من لدن مختلف المتدخلين والأجهزة القضائية كالنيابة العامة، وهل يتعامل القضاة مع هؤلاء القاصرينكأبنائهم وبناتهم، أم كملفات قضائية».
الطلاق المستحيل
كانت فاطمة قد اقترنت في سن الخامسة عشرة في مدينة زاكورة بشاب يبلغ من العمر 26 عاما. اليوم تبلغ من العمر30 عاما، ولديها ثلاثة أبناء. «أتذكر أنني كنت أحلم بحفل الزفاف. في الأسبوع الأول لزواجي كنت خائفة منالتجربة الجنسية الأولى»، توضح فاطمة. بعد سنتين، شرع زوجها في تعاطي المخدرات، وشرب الخمر، وفوق ذلكوذاك، كان يشبعها ضربا. الآن، ترى فاطمة أنها معلقة؛ لا تعرف كيف تخرج من هذا الوضع. فالحصول على الطلاقليس بالأمر الهين، أما عيش حياة مستقلة وتحمل مسؤولية الأطفال الثلاثة، فمشكلة أكبر. وفي ظل غياب أي التفاتة أوحل لوضعها من لدن الدولة، طرقت أبواب جمعية «إنصات» بمدينة بني ملال.
«في زواج القاصر، هناك شيء يتكرر دائما تقريبا.. الهدر المدرسي»، يبين أحد أعضاء جمعية إنصات التيتستقبل النساء التي يوجدن في وضعية هشة وصعبة. ويتابع المصدر ذاته قائلا: «أغلب الطفلات يرغبن في إكمالالدراسة، لكنهن يجدن أنفسهن مجبرات على مغادرة المقاعد الدراسية لظروف قاهرة تتجلى، غالبا، في ضعف حالالأسرة، أو بعد المدرسة عن بيت الأسرة، أو منعن من الدراسة من لدن الآباء. وعليه، في الغالب، تجد هؤلاء الطفلاتأنفسهن بعد سنوات يتحملن مسؤولية أطفال في وضع صعب لا يجدن له مخرجا. وكثيرات يوجدن على شفير الانهياروالتفكير في الانتحار».
تزوجت حنان في سن الرابعة عشرة من شاب يبلغ من العمر 28 عاما. تبلغ اليوم 35 عاما، وتتحمل مسؤولية خمسةأطفال. انفصلت عن زوجها قبل أربعة أشهر، وتعيش بمدينة بني ملال. «كنت أرغب في الهروب من بيت والدي، لذلك،تزوجت. كنت مفتونة بشيء اسمه حفل الزفاف. لكنه (تقصد طليقها) لم يحتف بالزفاف. أتذكر أن الخوف كانيغمرني من العلاقة الحميمة في الليالي الأولى، فيما كان هو يبدو منتشيا وغير مبال بمشاعري. لو رزقت بحياةجديدة، سأؤجل الزواج إلى ما بعد سن الثلاثين. هكذا يمكنني أن أعثر على رجل يحبني فعلا”.
تحرير: توفيق السليماني