زايوسيتي
لا طالما عُرف إقليم الناظور بتوفر مؤسساته البنكية على سيولة مالية مهمة احتل من خلالها لعدة عقود المرتبة الثانية بعد الدار البيضاء كأكبر سيولة نقدية بالمغرب، وقد انعكس ذلك بالإيجاب على ساكنة الإقليم التي كانت تعيش حالة من الرفاهية تحسد عليها.
وفرة السيولة المالية بالناظور لم يكن نتاج اقتصاد متين مبني على كثرة الإنتاج، بل كانت هناك عوامل أخرى مرتبطة أساسا بانتعاش الاقتصاد غير المهيكل وتحديدا التهريب، بالإضافة إلى التحويلات الكبيرة آنذاك لمغاربة المهجر، وهو ما لم يكن متوفرا بأقاليم أخرى بالمملكة.
لكن اليوم وبعد أن تم تجفيف منابع التهريب بمختلف أنواعه، خاصة مع الجارة الجزائر، والتضييق الكبير على تجارة التهريب المعيشي على الحدود الوهمية لمليلية المحتلة، وضعف تحويلات مغاربة المهجر بالنظر للأزمة الاقتصادية التي تضرب أوروبا، صار إقليم الناظور أمام واقع مر دفع ببعض رجال الأعمال والمستثمرين إلى الهجرة نحو مدن أخرى مثل طنجة والقنيطرة ومراكش، لأن المستهلك النهائي والذي يعتبر في جميع الاقتصاديات العالمية، هو قطب الرحى في العملية الإقتصادية أصبح شبه مفقود في مدينة الناظور وباقي مدن الإقليم.
السؤال المطروح أين ذهبت أموال الناظور؟ لماذا هناك عجز مزمن في خزينة المؤسسات المنتخبة والمقاولات الخاصة وحتى في ميزانية أرباب الأسر؟
للإجابة على هذا السؤال؛ لا بد أن نُذَكِّرَ أن جميع المشاريع الكبرى المتعلقة بالتهيئة بالإقليم وبناء المشاريع والكورنيشات والقناطر والطرقات وغيرها، رست على مقاولين من خارج الإقليم، والذين يعمدون عادة إلى استقدام يد عاملة من مدنهم تاركين شباب الناظور يتجرع مرارة العطالة.
الحقيقة أن “فوترة” تلك الأشغال كانت فعلا تتم على مستوى قباضات إقليم الناظور، لكن صرف تلك الأموال كان يتم في المدن حيث يوجد المقر الاجتماعي للمقاولات التي رست عليها الصفقات المذكورة.
وفي ذات السياق؛ فإن سياسات الأجهزة التنفيذية تركت خزائن جماعات ومؤسسات الناظور خاوية على عروشها، فالناظور المدينة مثلا محدودة الموارد والحكومة تلجأ إلى سياسات التقشف، لذا فإن نفقات بسيطة ستؤدي لا محالة إلى شفط جميع الأموال وجعل الخزائن تعيش في عجز مزمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الكارثة الكبرى في الموضوع، هو وجود خصاص رهيب في السيولة النقدية بالإقليم، فهناك العديد من الشهادات الحية تؤكد أن بعض أصحاب المهن الحرة عندما ينجزون أعمالا لفائدة بعض المقاولين الكبار فإنهم يجدون صعوبة شديدة في استيفاء ديونهم نقدا حيث يقترحون عليهم أخذ بعض الشقق على سبيل المعاوضة أو المنقولات مثل الشاحنات و”الطراكسات” والسيارات، بدعوى وجود شح في السيولة.
إن إقليم الناظور اليوم بحاحة إلى الانقاذ عن طريق تأسيس اقتصاد حقيقي وليس ورقي مصطنع، اقتصاد قاعدته الصلبة تتكون من المشاريع المدرة للدخل وكل المنتجات والخدمات القابلة للبيع والتصدير.
بالموازاة؛ يجب شن حرب بلا هوادة على عقلية اقتصاد العقار والسمسرة سواء لدى المسئولين الرسميين أو عند ما يسمى بالمنعشين الاقتصاديين، لأن اقتصاد العقار ينخر جميع البنيات كالسم الزعاف، كما أن العمارات لا تخلق الثروة، والكورنيشات وأعمدة النور لا تخلق الثروة رغم اتفاقنا على أهميتها.