كريم السالمي
وصلت ميناء الناظور قبل يومين رحلة جديدة للباخرة التي توفر نقل البضائع في إطار الخط التجاري المدعم من الدولة بين اوربا و بني انصار.
و وصلت حمولة هذه الباخرة لأول مرة الى 116 حاوية و هو رقم قياسي جديد يشير الى النجاح المستمر للخطط المغربية لتعزيز الخط التجاري المباشر للناظور بعد الاغلاق النهائي للحدود التجارية مع مليلية.
هذا النجاح الذي وجه ضربة قاصمة لاقتصاد مليلية.. دفع سياسييها و رجال اعمالها للخروج علنا خلال الفترة الماضية للشكوى من المخطط المغربي بل و اتخاذ اجراءات تستهدف الضغط على سلطات المغربية للتراجع عن موقفها فعقدت مساطر اللجوء الى مستشفيات المدينة المحتلة و طالبت الناظوريين بدفع مصاريف استشفائهم السابقة بها قبل الحصول على تأشيرة جديدة بل و لجأ بعض سياسييها العنصريين للتهديد بخلق مجاعة بالناظور متخذين الالاف من المغاربة من ممتهني التهريب المعيشي و عائلاتهم ورقة ابتزاز للاستمرار في حلب الاقتصاد المغربي.
و من جهة أخرى دخلت الاجهزة السيادية الاستخبارية في البلدين في معركة سرية حيث يبدو ان المخابرات المغربية تمكنت فعلا خلال الفترة الماضية من احباط عدد من المحاولات الاسبانية لاختراق المشروع المغربي عبر عدد من عملائها و هي الوقائع التي سيأتي أوان روايتها.
و عموما.. سيكون من غباء و سذاجة اي متابع لهذه الاحداث.. الاعتقاد بأن مخططا كبيرا يروم تغيير النشاط الاقتصادي و الوضعية الاجتماعية و النسيج السكاني لمنطقة حساسة كالناظور و الدريوش التي تضم اكثر من مليون نسمة..
هو مجرد قرارات فردية لمسؤول هنا او هناك او ائتلاف هنا او رجل اعمال هناك.. او لعبة بين يدي عناصر الجمارك او رئيس الجهة..
كما لا يخفى على المطلع على حقائق الأمور ان الدولة المغربية على اعلى مستوى قد قررت تنفيذ هذا المخطط.. و اعرب رئيس الحكومة و وزير الداخلية عن ذلك علنا بالبرلمان لمن يريد ان يسمع..
و لتنفيذ هذا المخطط جاء قرار المدير العام للجمارك بوقف التهريب بين الناظور و مليلية خلال 3 الى 5 سنوات.
كما ينظم كبار المسؤولين الترابيين و الأمنيين و المنتخبين بالناظور و الجهة منذ أشهر اجتماعات دورية للوقوف على تطور المخطط المغربي..
و من هنا جاءت قرارات مدروسة بعناية.. بدعم ائتلاف محلي لمستثمري و مستوردي الناظور و تمويل خط بحرى لنقل الحاويات من اوربا لبني انصار بشكل موازي لاغلاق الحدود التجارية مع مليلية و التضييق على التهريب المافيوزي المنظم.
و لأن الغرور أعمى اعين مسؤولي مليلية.. فقد ظن اغلبهم ان الخطوات المغربية ستبقى حبرا على ورق و انها لن تكون قادرة على تغيير الخريطة الاقتصادية للمنطقة خوفا من ردود الفعل الشعبية و لذلك اكتفوا ببعض التصريحات الساخرة و مناورات حضرت على عجل كشفتها و احبطتها السلطات المغربية بسرعة مثيرة للدهشة.
و لكن عقلاء مليلية.. عادوا و اكتشفوا أخطائهم بعد انتقال المغرب للسرعة الثانية عبر فتح المنطقة الصناعية ببني انصار للاستثمار و تمكنها فعلا من استقطاب وحدات صناعية ذات كثافة تشغيل عالية و مستعدة لاستيعاب ممتهني و ممتهنات التهريب المعيشي في اطار مشروع كرامة مما يشكل بديلا معقولا يحرم الاسبان من استعمالهم كرهائن.
و لأن المفاجأة ارعبت سلطات مليلية.. فقد لجأت الى اجراءات عشوائية فحاولت ابتزاز عدد من رجال الاعمال المنتمين لائتلاف شمال شرق و ضغطت عليهم بوسائل مختلفة اقتصادية و أمنية بل و قضائية احيانا بغرض دفعهم للتراجع عن الانخراط في المشروع المغربي.. و انطلقت صحف مليلية تنادي علانية بمتابعة رجال اعمال ناظوريين و مقيمين بالمدينة المحتلة بدعوى دعمهم المشروع المغربي.
و رغم النجاح الجزئي لهذه المناورة الا ان الرد المغربي كان قاسيا بتوضيح الصورة أولا لرجال الاعمال المعنيين بالصورة المناسبة.. ثم دعم استقطاب المزيد من رجال الاعمال للائتلاف و تقديم تسهيلات جمركية لهم بل و توجيه ضربة قوية لمسؤولي مليلية عبر التفاوض مع كبار التجار الريفيين بها على الانتقال للناظور مقابل تخفيضات في بقع الحظيرة الصناعية بسلوان و التي عرضت عليهم ب 350 درهم للمتر بدل 750 درهم و هو ثمنها الاصلي.
و جاءت دورة مجلس الشرق الاخيرة لتعلن عن دعم عدد كبير من الوحدات الصناعية لرجال اعمال ناظوريين من ائتلاف شمال شرق كرسالة قوية اخرى للاسبان بأن العزيمة المغربية ماضية نحو تنفيذ مخططها رغم كل التحديات.
هذا و رغم بعض المشاغبات الاعلامية .. و التي تستغل سياسة الهدوء و العمل في صمت التي تنتهجها السلطات المغربية فإن السلطات ماضية على ما يبدو في تنفيذ مخططاتها و عطفا على نجاحاتها خلال الفترة الماضية فيمكننا ان نتوقع تطورات مثيرة أخرى خلال الفترة المقبلة خاصة و ان سلطات مليلية تكاد تكون استسلمت للحزم المغربي و رمت الكرة في ملعب حكومتها المركزية و هو الأمر الذي يشير الى هزيمتها في هذه المعركة الحيوية و الاستراتيجية لاقتصاد الناظور و المنطقة.