ربما ارتبطت اليوغا لدى البعض بوضعية الجلوس المسماة وضعية زهرة اللوتس، حيث تغمض العينان وتوضع اليدان بطريقة معينة على الركبتين، الأمر ليس كذلك، هي حركات متعددة بتعدد أنواع اليوغا، وليست كلها بتلك السهولة الذي قد نظن.، لكن ماذا عن وضع زهرة اللوتس، إنه التأمل (la méditation)، ترى أستاذة اليوغا ، أن ممارسة هذا النشاط (أي اليوغا) تقود إلى التأمل، إذ يستحسن أن تمارس اليوغا أولا حتى يتهيأ الجسم، لأن البقاء في وضعية التأمل مدة طويلة لن يتأتى إذا لم يكن الجسم مستعدا لذلك.
تستغرق حصة ” اليوغا” أزيد من ساعة من الزمن، فالتحكم بالتنفس والتنفس “بوعي” يساعدان على توازن الطاقة ويمكنان من الاسترخاء بعيدا عن إيقاع الحياة المليء بالضغوط والتوتر.
الابتعاد عن التوتر أو على الأقل “التأقلم” معه، هو ما يحدو بالعديد من الأشخاص للبحث عن حل، وهناك من وجد ضالته في اليوغا التي باتت تلقى إقبالا متزايدا في المغرب في السنوات الأخيرة، ساهم فيه الإعلام ولعبت فيه مواقع التواصل الاجتماعي دورا، وحتى على الصعيد العالمي خصصت الأمم المتحدة يوما عالميا للاحتفال باليوغا حدد في 21 يونيو وبدأ الاحتفال به أول مرة سنة 2015، وسنة قبل ذلك، عينت الهند وزيرا لهذه “الرياضة” التي تجاوزت شعبيتها الهند، بلدها الأصلي، إلى باقي البلدان والثقافات.
اليوغا في المغرب… إقبال متزايد
وفي المغرب، كانت بدايات اليوغا في الخمسينيات كما تقول رجاء الغربي، لم تكن هناك مراكز خاصة، واقتصرت على فئة محدودة ، وفي سنة 1987 تأسست الجمعية المغربية لليوغا على يد أساتذة فرنسيين، هي الأخرى كان لها دور في التعريف بهذه الرياضة، حيث أشرف هؤلاء الأساتذة على تنظيم ندوات و”تدريبات” بمعدل ثلاث إلى أربع مرات في السنة، وهكذا بدأت اليوغا تعرف وتتوسع دائرة الاهتمام بها مع مرور الوقت، وانطلاقا من 2002 تأسس أول مركز رسمي تلته مراكز أخرى وجمعيات في عدة مدن مغربية وبدأ الإقبال، وأصبح هناك أساتذة يوغا مغاربة وتلاميذ مغاربة يهتمون بهذه “الرياضة” تضيف رجاء الغربي.
وقبل 8 سنوات، تأسس “معهد البحر الأبيض المتوسط لليوغا” بالدار البيضاء، وفي سنة 2014 رأت مدرسة أخرى النور بمدينة أكادير، حيث يمكن للتلميذ الحصول على شهادة تخوله تعليم اليوغا لتلاميذ آخرين وليس تدريسها، ويستمر التكوين ما بين 200 و500 ساعة يتم خلالها تلقين عدة مواد من بينها فلسفة اليوغا، علم النفس، الفيسيولوجيا، وظائف الأعضاء… هذه المدراس تكون مسجلة في إحدى الفيدراليات على الصعيد العالمي وتستجيب للمعايير الدولية، على أن هناك أساتذة تعلموا اليوغا في الهند أو في دول أخرى كفرنسا أو ألمانيا…
قبل وبعد اليوغا… ما الذي يتغير؟
في الدار البيضاء يتواجد حوالي 20 مركزا لليوغا حسب رجاء الغربي، يمكن للباحثين عن السلام الداخلي والهدوء القيام بحصص يتراوح ثمنها بين 200 و300، وهناك من يفضل انخراطا سنويا أو شهريا حتى تقل التكلفة. صفاء، إطار بإحدى الشركات، فضلت الانخراط بإحدى المراكز التي دأبت على ارتيادها منذ عامين تقريبا، وفي بحثها الدائم عن حل لمشكل التركيز قررت أن تدخل عالم اليوغا الذي كانت نظرتها إليه في البداية تتلخص في وضعية زهرة اللوتس الشهيرة، لكن الممارسة، ولو بشكل متقطع، إلى جانب الفضول دفعها لتجريب أنواع من اليوغا، فهل انعكست هذه التجربة على حياتها على تصرفاتها وغيرت طريقتها في التعامل مع الأمور؟ هل كل من يمارس اليوغا يتغير نحو الأفضل؟.
ليس بالضرورة، تقول عائشة أستاذة اليوغا بإحدى المراكز بالدار البيضاء ، لأن السؤال المطروح هو: ما الذي يبحث عنه كل شخص في اليوغا، والتأثير أو النتيجة يختلفان من فرد لآخر، هناك من يتعامل مع اليوغا على أنها مجرد تمارين رياضية، وهناك من يحتفظ بطباعه “الصعبة” ولو مع طول الممارسة، النتيجة حسب عائشة تحددها رغبة كل شخص واختياراته.
واختيار صفاء لليوغا كان صائبا، لقد تغيرت طريقة تعاملها مع تلك الأمور التي ربما استنزفت طاقتها في السابق واكتشفت أن ردة فعلنا تجاه بعض التصرفات والأحداث لا تستحق كل هذا التوتر والتأثير السلبي الذي تتركه في دواخلنا، لقد أصبحت تركز أكثر في كل ما تقوم به، وساعدها التأمل وتقنيات التنفس التي تعلمتها على توازن الطاقة في الجسم وعلى الهدوء والاسترخاء والتسامح مع الذات ومع الآخر، اليوغا بالنسبة لها اليوم أسلوب حياة، تقول صفاء.
الخلوة… للمزيد من التأمل والاكتشاف
مازال هناك شيء آخر غير حصص اليوغا التي تدوم ساعة أو ساعة ونصف على الأكثر، يتعلق الأمر ب(la retraite) التي يمكن أن نترجمها ب”الخلوة”، لقد قررت صفاء الدخول في هذه التجربة السنة الماضية، وربما لن تتخلى عنها، تتحدث عنها بحب وحنين وشوق إلى مغامرة جديدة.
هناك الخلوة الذي تبرمج في نهاية الأسبوع، وأخرى تستغرق أسبوعا كاملا أو أكثر، يلتقي خلالها المشاركون بأحد الفنادق أو”الرياضات” أو دور الضيافة البعيدة عن صخب المدينة حيث يتم وضع برنامج يتنوع بين عدة حصص من اليوغا، تنمية ذاتية، تمارين، نقاشات… دفعت صفاء مبلغ 2200 درهم في خلوة بمدينة مراكش حضرها 17 شخصا جلهم نساء، و2500 درهم لنهاية أسبوع بإحدى رياضات فاس وتزامن مع مهرجان الموسيقى الصوفية ما أضفى على هذه التجربة طابعا روحيا وخلق لها سعادة لا توصف.
رجاء الغربي تقول إن هناك إقبالا على هذه الخلوة حتى في الخارج، حيث سبق للمركز تنظيم رحلة إلى الهند لمدة 19 يوما ب 22000 درهم، وهناك فئات تستهويها مثل هذه الأجواء وتقبل عليها في المغرب وخارجه.
النساء هن الأكثر إقبالا على اليوغا، ومع ذلك، فقد بدأ هذا الاهتمام يظهر عند الرجال، وحتى الأطفال باتوا يمارسونها وأحيانا من خلال حصص تقدم بالمدارس حيث تساعدهم على التركيز والهدوء، وحتى بعض الشركات ارتأت أهمية تخصيص حصص لموظفيها تساعدهم على تخفيف التوتر والضغط في العمل.