بقلم، سمية زروال
لم أعتقد يوما أنني سأستطيع الهروب من دوامة لقبوها بــ “التقاليد” قدسوها وآمنوا بها حتى أصبحت ضرورة لا مفر منها، مطبقها أصبح عبدا تحت سلطة وهمية وتاركها صار عدوا لدودا لا يغفر له …
إلى متى؟ إلى متى سنظل هكذا خاضعين لأحكام مبنية على فـــراغ؟ ألن نرتقي بعقولنا يوما ما؟
لم أجد جوابا لحد الآن عن تساؤلاتي التي تغوص في أعماق الواقع الغامض، وهذا ما يدفعني للإبحار في قارب دون قائد يدلني على نعيم من نوع آخر ويجعلني أحقق ما لم أستطع البوح به في واقعي ألا وهو عالم الأحلام الذي صار ملجأ يأوي ذوي الأفكار والطموحات العالية مثلي …
تقاليد ليست كالتقاليد، زرعوها، حرصوا على نموها فسقوها أفكار مظلمة منغلقة عن الواقع فحصدوا دمى مقيدة بمعايير وهمية تنافي ما نحن عليه من تقدم علمي.
تقاليد منها من أرغمت الشباب على العزوف عن الزواج من كثرة تفاصيلها المرعبة التي تنهك وتشتت العقول الراقية، ومنها من جعلت من تعليم الفتيات جريمة شنعاء تؤذي شرفهن واستحوذت على أفكارهن من خلال نشر القولة الشهيرة “مكان الفتاة هو البيت”.
معتقدات خاطئة يمكن أن ترمي معتنقيها إلى التهلكة، وهم في سبات عميق غير مبالين بخطورة الموقف يطبقون فقط ما تداول عبر السنين دون دراية بالآثار الجانبية التي قد تخلفها هذه المعتقدات التي لا تمد للواقع بصلة، فالبعض منهم يتعامل معها بنية حسنة يرضي بها الآخرين من حوله ويقنع بها عقله كونه على صواب، والبعض الآخر ترمى على عاتقه كقطعة جمر ملتهبة تلتهم عقله وتفكيره من شدة غرابتها وتعارضها مع الدين والعقل.
إنه شيء ينافي عاداتنا، بل يقلل من هيبتنا، لا لا !! أتريد أن تجعلني مهزلة أمام كبار العائلة؟ في المستقبل ستصبح دكتورا مثل ابن الجيران!! إن لم تفعل هذا فأنسى أن لك عائلة! لا يمكننا التخلي عن أفكارنا وتقاليدنا التي ترك أجدادنا فهي سلاحنا اللامرئي الذي يساعدنا في الاستمرار…
كلمات تضربك كالصاعقة، تحيرك بين ماضيك وحاضرك، تخيرك بين أمرين “الهلاك أو العصيان”، إما أن تعبُر طريقا لست أنت من ستقرر مساره وعتباته وإما أن تدير ظهرك وتسمى خائنا عصى ما تبناه أجداده قرونا عدة.
لن ننكر يوما، أن العادات والتقاليد من بين أهم الأمور التي تثبت هويتنا وتعززها وتميز بلدا عن آخر أو منطقة عن أخرى، لكن الصالحة منها التي لا تمس أي جانب غير منطقي فينا، والتي لا تسبب إحراجا لنا، والتي لا ترغمنا على فعل ما لا نريد، سالكين طريقا غير الذي رسمناه في أذهاننا، …. ومنها ما لا يعد ولا يحصى كالطبخ مثلا أو اللباس التقليدي، …
سرعان ما تجاوزنا هذه التعقيدات والمفارقات بين قبيلة وأخرى سنتحد ونتماسك لبناء مستقبل زاهر، مستقبل يمنح للمثابرين فرصة التعبير عن آرائهم واعتقاداتهم، مستقبل يشجع الطموحين لاجتياز النقطة الفاصلة بين التردد والنجاح ويفتح لهم أبواب المحاولة، مستقبل ينمي قدرات ذوي المواهب البراقة…
إنه لشرف لي أن تكوني زوجتي ورفيقة دربي. إذا كان هذا أول مقال لك فكيف سيكون المقال الثاني والثالث والرابع… ؟ إنه أيضا لشرف لمدينتنا الصغيرة بأن تكوني ابنتها وإنه لفخر لي أن تجمعي بين الكاتبة والأم والزوجة والصديقة والإنسانة الطموحة… كنتِ الأولى وطنيا في مبارة العمل و ستضلين الأولى في كل شيء إن شاء الله.. شكرا على إسعادي بموهبتك.. حفظك الله.
أحيي كاتبة المقال الشيق الأستاذة سمية زروال، التي ألقت حجرا في بركة مجتمعنا الراكدة. مجتمعٍ يقدس التراث و يمقت كل من يفكر خارج الصندوق. طبعا، إلى متى؟ إلى متى التشبث بالعادات و التقاليد؟ هو السؤال الجوهري الذي لقي جدلا واسعا من طرف الكثير من المفكرين في مشاريعهم الفكرية. المرحوم الفيلسوف عابد الجابري، على سبيل المثال، دعا في كتبه “نحن و التراث” و “نقد العقل العربي” إلى قطيعة إبستمولوجية (ولو جزئية) مع نماذجَ معيَّنةٍ من التراث، كالقِيَم التي تتمثل في أنماط تفكير وسلوك وعادات ومُثل، لعل و عسى نلتحق بركب الدول المتقدمة. إلى جانب مفكرين آخرين كعبد الله العروي و محمد أركون و طارق رمضان…
فإلى متى يظل الانسان سجين عادات و تقاليد مجتمعه؟!
سلمت أناملك على هذا الطرح الطيب!
بالتوفيق لكما اخي محمد موضوع في المستوى او ممكن ان نقول فوق المستوى نتمنى من الله ان يرزقكم الذرية الصالحة يا رب
أجل، تقاليدنا إما أن تدفعنا إلى الأمام وإما أن تعطل عجلة حياتنا، حسب تعاملنا مع هذه التقاليد.
مقال رائع، وموضوع مهم، ننتظر المزيد.
وفقك الله
لشرف كبير لمدينة زايو لإنجابها فتاة مثقفة، مخلقة، محترمة مثلك أختي حبيبتي و لشرف لي التعليق على ما نقشته أناملك من حروف تحمل بين طياتها موضوعا ثخينا لطالما عانت منه معظم مناطق هذا الوطن الحبيب … فشكرا لرفع الستار على مفهوم العادات و التقاليد لنفظ غبار سوء الفهم الذي عان منه الكثير و مازال النقاش قائما
المجتمعات العربية هي مجتمعات دينية من الدرجة الاولى لكن يجب التقيد بالاسلام السني الصحيح الذي يدعوا الى العلم والتعلم وحرية التفكير وحرية السلوك والتعبير في اطار الشرع . فالاسلام ليس ضد التقدم بل العكس بل يدعوا الى احترام العقول وبناء حضارة صالحة تصلح البلاد والعباد . شكرا على المقال الجيد