يونس فنيش
المشغل الذي يحارب البطالة، بصفة عامة، هو ذاك الشخص المجتهد الشجاع الذي يستغل مؤهلاته وموهبته، وكفاءاته المهنية، ومهاراته الفكرية، لتأسيس شركة خاصة أو مقاولة خصوصية لتوظيف الناس وتحقيق الربح. المشغل إذن هو صانع أمل حقيقي ملموس.
ولكن استمراره في القيام بمهمة التشغيل رهين باستمرار أعماله التي لا يجب أن تصاب بالركود وإلا تعرض لإفلاس مزدوج: إفلاس شركته أو مقاولته، وإفلاسه الشخصي أيضا، مادام مسؤولا عن توفير أجور المستخدمين لديه من جهة، وتوفير أجرته الخاصة أو ضمان رزق أسرته من جهة أخرى.
المشغل إذن مناضل فعلي من طراز خاص، وعلينا كمناضلين أو كمثقفين أن نقر بذلك إن كنا فعلا كذلك. فهو ليس عدوا لنا بل حليفنا الاستراتيجي لأنه يوفر الشغل لأبنائنا ولآبائنا. حسنا.
في المقابل، كل مثقف عضوي قريب من الشعب، مثلا، لا يشغل العاطلين، ولكنه يدافع عن حقوقهم ويقوم بمهمة صناعة ذلك الأمل الحالم الذي يروق للشعب، ولكنه أمل لا يصنع المال الضروري لإنقاذ الأسر من آفة البطالة، لأنه بكل بساطة لا يوفر الشغل مباشرة على أرض الواقع. حقيقة مرة ولكنها الحقيقة. حسنا.
الحكومة أيضا تشغل الناس عن طريق الوظيفة العمومية التي تضمن الحقوق المكتسبة قانونا. ولكن الحكومة قررت تقليص أجور موظفيها، وإلغاء بعض التعويضات التي كانت مقررة لصالح الموظفين العموميين، لتفادي إفلاس بعض صناديقها من أجل المصلحة العامة التي ربما قد تسمو على القانون، ولقد كان هذا هو المنطق الذي اعتمده رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران لتبرير قراراته في هذا الشأن. طيب.
فإذا كانت الحكومة المسؤولة عن صرف أجور موظفي الدولة تعطي لنفسها الحق في خفض تلك الأجور نظرا لركود اقتصادي أصاب البلد برمته، فكيف لها أن لا تعير أدنى اهتمام ولو لجزء من القطاع الخاص المجتهد الذي قد يصيبه الركود الاقتصادي نفسه، بما أن المشغل المجتهد في القطاع الخاص يظل مقيدا بحقوق مكتسبة يفرضها قانون الشغل لصالح المستخدمين؟
القطاع الخاص المجتهد يعمل أيضا من أجل المصلحة العامة، فلماذا لا تسمح له الحكومة بتجاوز قانون الشغل نظرا للركود الاقتصادي، وبحكم المصلحة العامة التي بررت بها الحكومة تجاوزها للحقوق المكتسبة التي كان ينعم بها الموظفون العموميون، بما أن الجميع على ظهر سفينة البلد الواحدة، وبما أن الجميع، منطقيا، يعملون ويضحون من أجل الوطن سواء تعلق الأمر بالموظفين العموميين أو بالمستخدمين في القطاع الخاص؟
فما رأي رئيس الحكومة سابقا المواطن البسيط اليوم، عبد الإله بنكيران، الذي سبق وأن شبه الموظفين العموميين “بالقرادة التي تلتصق بعنق الكلب”؟
خلاصة: لدينا، مثلا وتاريخيا، النموذج الأمريكي الذي هو نقيض النموذج الفرنسي، ونماذج أخرى أيضا، في ما يتعلق بالتعامل مع الموظفين والمستخدمين كل حسب نموذجه الاقتصادي واختياراته… أما نحن، فعلينا تحديد اختياراتنا بكل وضوح وبلورة نموذج اقتصادي جديد ناجع ومنطقي، يمكن من التقدم والازدهار، ويوفر السعادة لكافة فئات المجتمع، لاسيما وأن العبقرية المغربية، والكفاءات المغربية، والمثقفين المغاربة الوطنيين الملهمين رهن الإشارة، والله أعلم.