بقلم: عبد الواحد ابجطيط
اختار الأستاذ ميمون حِرش لمقالاته التي جَمعها في كتاب أصْدَرَه عام 2016م، عنواناً معبِّراً عن مُعظم مضامين الكتاب ومحتوياته (وشَهِدَ شاهِدٌ). فأما الشهادة فهي موجودة بَيْن دفتي الكتاب لتطلع عليها الأجيال الحالية واللاحقة. وأما الشاهد فهو ميمون حِرش، ونِعْمَ الشاهدُ هو؛ فهو شاهِدُ عَدْلٍ ورَجلٌ أمين، تشْهَدُ على ذلك أخلاقه الحَسَنة، وخصاله الحميدة، وسيرته الحافِلة بالعطاء الأدبي والتربوي… أمَّا عن الجهة المَسكوت عنها في العنوان، التي سَيَشهَدُ الكاتِبُ عليها ومِن أجلها ولصالحها، فهي مدينته.. إنها مدينة الناظور التي نشأ وترَعْرَع فيها واستنشق هواءها في زمن مَضَى وانقَضي، له خصوصياته وظروفه وأحواله ورجاله…
ويجسد الغلاف الخارجي مقهى كلوب المشهور الذي يقع على كورنيش مدينة الناظور، على يساره الأوراق النقدية المتطايرة تدفع الأيادي لصندوق التصويت، للإشارة إلى ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات، والفساد السياسي الذي شهدته المدينة منذ عقود من الزمن.
حين تقرأ بعض فصول الكتاب تشعر وكأنك تشاهد فلما سينمائيا، يوثق للمدينة ومشاكلها وأجيالها. ينتقل من فترة إلى أخرى، مسجلا وجهة نظره – دون تهرب أو تمنع – في قضايا وحوادث مما عايشه وعاينه؛ سواء كانت محلية أو وطنية أو عربية تتعلق بالأمة الإسلامية جمعاء؛ خصوصاً وأنَّ معظم مقالات الكتابَ كُتِبت في ظل مَوْجات الربيع العربي؛ كما اصْطُلِح عليه. فلم يكتف المؤلف باستعراض قضايا محلية تتعلق بمجال التنمية أو الفساد السياسي أو المشكلات المعاصرة أو غير ذلك من الهموم التي تواجهها الذات، بل نجد أنَّ نصْف مَتْن الكتاب يُسلط الضوء على قضايا وطنية، وأخرى عربية مشترَكة بين الشعوب؛ مثل: الفساد السياسي المُتمثل في تزوير الانتخابات وشراء الأصوات والتلاعب بمصير الشعوب، وكذا العكوف على الشاشات وغير ذلك من السلبيات الناتجة عن تطور التكنولوجيا في العصر الحاضر، وانحطاط البرامج الإعلامية، كما وقف عند ثورات الربيع العربي بإسهاب، ورصد بعض مظاهر التخلف في وطننا العربي؛ مثل: إقصاء المرأة وإبعادها واستضعافها وسلب حقوقها.
أما عن مدينة الناظور على وجه الخصوص فقد أسهب في وصف الداء العضال المستشري في جسد المدينة منذ فترة السبعينات إلى يومنا هذا، مقارناً أحيانا بين فترات متباعدة أو بين جيلين مختلفين فيما يخص الفرص المتاحة لكل جيل، والتحديات التي اعترضت سبيل المتقدمين من ذوي العزيمة من المثقفين والمبدعين، ممن عايشهم في فترة الشباب وفي مقدمتهم الدكتور جميل حمداوي، مُعنوناً هذا المحور بـ”جميل حمداوي كما عرفته”، ثم ختم الكتاب بتناول ثلاثة مؤلفات لكتاب ينتمون لنفس المنطقة، وهي: “دموع الكلمات” لفوزية القادري، و”تعويذة شهر زاد” للخضر الورياشي، و”رسم بريشة القمر” لمولاي الحسن بنسيدي علي.
في هذا الكتاب يعلن حرش موقفه بكل جرأة وشجاعة.. ليس راضياً عن السياسة التي نمارِسها.. والإعلام الموَجَّه إلينا.. والفن الذي يقدم لنا.. والعادات المنتشرة بين ظهرانينا…