زايو سيتي / سعيد قدوري
يتذكر الكثير من المغاربة المبادرة التي اتخذها الملك الحسن الثاني أواخر القرن الماضي، حين دعا إلى بناء مسجد سُمِّيَ بعد الانتهاء من أشغاله على اسمه بمدينة الدار البيضاء، كما يتذكر الكل مساهم مختلف شرائح المجتمع المغربي في هذه المعلمة، التي تحتل اليوم المرتبة الثالثة عشر بين أكبر مساجد الدنيا، وهي أعلى بناية دينية في العالم.
عدد من المعارضين لهذه المبادرة اعتبروها مضيعة لملايير الدراهم على منشأة غير منتجة، لكن مع مرور الوقت أصبح مسجد الحسن الثاني واحدا من أكثر الأماكن زيارة ببلادنا، بل هو صورة حقيقية عما جادت به قريحة الصانع المغربي في عدة مجالات.
حديثنا عن مسجد الحسن الثاني يجرنا للخوض في أهمية المساجد، باعتبارها أولا بيوتا لله سبحانه وتعالى في أرضه تقام فيها الصلوات الخمس وتؤدى فيها وظائف جليلة ومنها توجيه الناس ونصحهم. وبما لهذه البيوت المقدسة من أهمية كان لا بد للجمال أن يكون حاضرا داخلها وبمحيطها.
الدار البيضاء ليست المدينة المغربية الوحيدة التي تتوفر على مسجد كبير بهندسة ورونق يضفي عليها جمالا أخاذا، بل العديد من المدن ببلادنا سارعت إلى تشييد مساجد صارت فيما بعد صورة لهذه المدن، بل حتى المدن الصغيرة بُنيت بها مساجد أضفت الجمال على محيطها.
بمدينة زايو يوجد أزيد من خمسة عشر مسجدا تستقبل يوميا المصلين لأداء فرائض الصلاة، وهي موزعة على أغلب أحياء المدينة، لكن أربعة من هذه المساجد تُعَدُّ الأكبر بالمدينة، والأشهر.
ومن المساجد الكبيرة بزايو، نذكر؛ المسجد العتيق، وهو أقدم مسجد بالمدينة، ويقع وسطها؛ مسجد الحسن الثاني، والمعروف بمسجد حي بام، وهو من أكبر المساجد استقطابا للمصلين بزايو، بُني أوائل الثمانينات من القرن الماضي؛ مسجد سيدي عثمان، الواقع بأقصى شمال المدينة، وهو من المساجد القديمة بزايو؛ مسجد حي الأمل، الذي يعد أحدث مسجد بين المساجد الكبرى بالمدينة.
لكن الملاحظ أن مساجد زايو لم تكن أبدا بالجمالية المطلوبة في بيوت الله حتى تكون صورة لمدينتها، ورمزا من رموزها، أو شعارا تُعرف من خلاله هذه المدينة، بل هي مجرد بنايات عبارة عن قاعات مغطاة تستقبل المصلين لا غير.
فداخل مساجد زايو تغيب الزخارف المغربية الأصيلة، ويغيب “الزليج” المحلي، كما يغيب الفسيفساء والخزف الملون على الأعمدة والجدران، بالإضافة إلى انعدام الجبص الملون المنقوش في الحنايا والأفاريز. أما خراج هذه المساجد؛ فحدث ولا حرج، إِذِ الفوضى عنوان كل شيء.
وليس بعيدا عن زايو، فقد دشن الملك محمد السادس عددا من المساجد التي صارت عنوانا لمدنها، ومنها المسجد الواقع بمدخل مدينة العروي الغربي، والذي أضفى على محيطها جمالا أخاذا، ومسجد وسط فرخانة، الذي يعد رمزا من رموز هذه الحاضرة الصغيرة، ومسجد حي المطار بمدينة الناظور، والذي لا زالت أشغال بنائه قائمة، ويبدو أنه سيكون بالجمالية المفروضة في بيوت الله.
مساجد زايو لا تفتقد الجمال داخلها بل حتى المحيط صار مجالا للفوضى، والصورة هنا من المسجد العتيق الذي تلفه الروائح الكريهة من كل جانب، والصادرة عن “محوتة” المركب التجاري، بالإضافة إلى الاحتلال غير القانوني لأرصفة المسجد من قبل الباعة الجائلين.
إن إيلاء المدن المغربية وكافة المدن الإسلامية الاهتمام الكبير للمساجد ما هو إلا احترام لأدوارها وإجلالا لمكانتها، وعبر ذلك جاءت أهمية عمارة المساجد، حتى صارت المدن تتنافس فيما بينها حول بناء أجمل وأكبر وأروع المساجد.