خالد الفاكلي
الجمعة الأسود أو يوم التخفيضات بامتياز، إنها فرصة التجار من أجل تنشيط ركود رقم معاملات السنة. لقد أصبح هذا الحدث من أبجديات فن التسويق، غزا العالم بأسره وعزف على وتر الانتهازية التي طبعت العلاقة بين البائع والمشتري.
ظهر هذا اليوم أو بالأحرى هذه النظرية التسويقية في بلاد العم سام، مهد السوق الحر والرأسمالية. إنه اليوم الذي يلي مباشرة احتفالات عيد الشكر، والذي يصادف بدوره احتفالات نهاية السنة.
لقد أصبحت لهذا الحدث دلالة تجارية مهمة في المنظومة الاستهلاكية، نظرا للرقم الضخم الذي يضخه في جيوب الرأسمالية العالمية.
إن الأصل في هذه التسمية التي توحي بالسلبية في آذان العامة أكثر منها إيجابية هو أن هذا اليوم يمثل فعلا يوما أسود للعمال الذين يقضون نهاية أسبوع كاملة في البيع بدون توقف، فكان حرمانهم من الراحة له هذه الرمزية.
إنه يوم أسود بالفعل، ليس للمستخدمين فحسب، بل للمستهلكين الذين يقضون ساعات طوال في طوابير الانتظار لإعلان بداية الفرصة، أو وراء الحواسيب ترقبا لفتح موقع إلكتروني لثوان معدودة قد تفوت عليهم في غفلة من أمرهم الظفر بجائزة السنة. وفي مقابل ذلك، هي جمعة ناصعة البياض لتجار استثمروا في كل وسائل التواصل من أجل سواد هذا اليوم.
بظهور التجارة الإلكترونية أصبحت للجمعة الأسود قدسية خاصة في قاموس فن التسويق، إلى درجة أن الحملات الإشهارية التي تروج لقدومه تكتسي شراسة لا مثيل لها خلال السنة، قد تصل إلى حد الدفع إلى الاستهلاك بدون حاجة.
لقد فطن علماء التسويق إلى خلق مثل هذه الأيام لما لها من تأثير نفسي مباشر أساسه استغلال الضعف الخلقي عند البشر، والمرتكز أساسا على انتهاز الفرصة وتحفيزها بجعل العرض محدودا في الزمن.
إن الأمر عكس ما يتخيله الكثيرون، فهذه التخفيضات لا تمثل إلا رجوعا طبيعيا إلى هامش ربح معقول كان لا بد أن يكون هو الأساس؛ فالجمعة الأسود جُعِلَ منه بتعمد وتضليل يوما يعتقد فيه المستهلك أنه وسيلة للتخلص من البضائع ولو بالخسارة. إن خلق مثل هذه الأيام أصبح حتمية في المنظومة الاستهلاكية لتحفيزها وإنقاذها من أزمات الركود المتكررة، فظهر عيد الحب وعيد العزاب..وستظهر أعياد أخرى لا محالة في المستقبل لتجيب عن سؤال أزلي لن تكون له إجابة نهائية: “كيف يمكن أن نخلق الطلب؟”.
لإسناد مجتمع استهلاكي تشوبه التقلبات والأزمات من البديهي أن منضري التسويق في هذه اللحظة منشغلون ليل نهار بالبحث، ليس فقط عن جمعة بلون السواد، بل عن أيام أسبوع بكل ألوان الطيف.