يحتفل المغاربة، على غرار العديد من الشعوب الإسلامية، اليوم الثلاثاء، بذكرى المولد النبوي الشريف، تعظيما وإجلالا لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، وتمسكا منهم بدينهم الحنيف وتشبثا وتعلقا بالرسول الكريم وتفانيهم في حبه وحب آل بيته.
ويعتبر احتفال المغاربة، وسائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بمولد نبيهم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، مظهر من مظاهر حب الرسول وإجلال لشخصيته العظيمة في نفوسهم، له مظاهره وتقاليده الأصيلة التي درجت عليها الشعوب الإسلامية حتى أصبحت من تراثها الشعبي، كما أنه مناسبة من أجل التذكير بالمثل العليا للإسلام ومعانيه السامية، والحث على مراجعة الأمة الإسلامية لسيرتها الذاتية، وسلوكها في التربية الروحية والهداية الأخلاقية.
و تعود عادة إحياء هذه المناسبة في المغرب إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب ما بين 500 و620هـ، والذين عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح، ولكي لا يؤثر هذا التعظيم للمسيح على المسلمين عمل الموحدون على تخصيص ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام النبي عليه السلام، وفي هذا الإطار ظهرت قصائد شعرية في مدح النبي وتعظيم قدره.
ويمثل هذا اليوم لدى المغاربة طابعا دينيا واجتماعيا، حيث تلتقي الأسر فيما بينها لما لذلك من دور في ترسيخ الروابط والأواصر والتمسك بالتقاليد المغربية الأصيلة والتشبث بالقيم ومنح القدوة للأجيال الناشئة. بالإضافة إلى عادات و مظاهر اخرى للاحتفاء بهذه المناسبة، قد تختلف من مدينة إلى أخرى.
و من مظاهر الإحتفال بهذه المناسبة نذكر :
جلسات المديح والسماع
بحلول هذه المناسبة، عادة ما تشهد الأضرحة والزوايا نشاطا دينيا ملحوظا ومتميزا، بحيث يمكن اعتبار هذا اليوم مثل عيد للزوايا والطوائف الصوفية بامتياز. يجتمع فيه رواد الطائفة بأعداد غفيرة جدا لإقامة حفلاتهم، وتبدأ الجلسات بالذكر المجرد، تتناوب خلالها الموسيقى والأغاني مع إلقاء القصائد في تمجيد الله عز وجل ورسوله.
الرقص الصوفي
تمسكت العديد من الطرق بالرقص والزوايا تمسكا عظيما بالحضرة أو الرقص، لأنها تعتبره أداة فعالة في تحقيق المقاصد الصوفية. وتسمى حصة الرقص الصوفي: الليلة،و تعتبر هذه العادة من أهم طقوس الطوائف الصوفية على الإطلاق خلال حفل عيد المولد النبوي، وتأخذ الليلة طابعا يمزج بين التراتيل الدينية التي تمتدح الرسول وتتوسل إلى الله بأوليائه، وبين الحضرة أو ما يعرف ب “التحيار” و”الجدبة” التي تنتهي بحالة الاسترخاء الكلي التي يشعر بها المشارك.
احتفالات المغاربة بالمولد النبوي بربوع المملكة
يحيي المغاربة ذكرى المولد النبوي بعادات وتقاليد وطقوس وخصوصيات تختلف حسب المناطق والتي تبرز التنوع والغنى الذي تزخر به الثقافة المغربية.
عند حلول الفاتح من شهر ربيع الأول وإلى غاية الثاني عشر منه وهو يوم الاحتفال بالعيد، تنطلق الاحتفالات بمختلف مظاهرها تعظيما لمولد الرسول الكريم، حيث تقام في عدد من مساجد المملكة بين صلاتي المغرب والعشاء دروس في السيرة النبوية وأمداح نبوية وموشحات دينية وغيرها من الاحتفالات، وعند اقتراب موعد صلاة الفجر من يوم العيد يقام حفل آخر ينطلق بقراءة الأمداح النبوية والتي تستمر إلى غاية الوقت الذي ولد فيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ( قبل صلاة الفجر) وتستمر الاحتفالات بعد صلاة الفجر.
ولعل أبرز احتفال لدى المغاربة، عادة مترسخة يحرصون على إحيائها منذ زمن طويل وهي ليلة “الميلودية”، إذ تقام هذه الليلة في البيوت من طرف بعض العائلات والأسر المرتبطة بمظاهر التصوف محبة في الرسول الكريم، كما تعد مناسبة لتجمع الأسرة والعائلة، حيث تفتتح بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وقراءة الأمداح والمواويل.
ومن بين أبرز المدن المغربية التي تحتفل بعيد المولد النبوي، مدينة مكناس لكونها تحتضن ضريح الشيخ الهادي بنعيسى أوالشيخ الكامل ( شيخ الطريقة العيساوية)، الذي يعد أحد رجال الطرق الصوفية، حيث تحيي عدد من الفرق العيساوية موسم هذا الشيخ تزامنا مع ذكرى مولد خير الأنام، وتأتي فرق عيساوة من مختلف مناطق المملكة أياما قبل حلول العيد تقيم في خيام قرب الضريح، لتنطلق الاحتفالات يوم العيد بموكب الفرق العيساوية بقرع الطبول وزغاريد النساء وترديد الأمداح و غيرها من مظاهر الاحتفال طيلة ثلاثة أيام.
وإلى جانب العاصمة الإسماعيلية مكناس، يعد حفل موكب الشموع أو”دور الشمع” الذي يقام في مدينة سلا التي تقع على ضفاف نهر أبي رقراق، من أبرز احتفالات الشعب المغربي بذكرى عيد المولد النبوي، حيث كان هذا الموكب يجوب مدينة مراكش وفاس سابقا في عهد السعديين وانقطع بعد ذلك، لكن استمر هذا الموكب بمدينة سلا وذلك بعناية أحد أقطاب الطريقة الجزولية الشاذلية وهوالشيخ عبدالله بن حسون صاحب أشهر زاوية بمدينة سلا، الذي عمل على ترسيخ هذا التقليد مع إضفاء بعض الخصائص المغربية عليه، كاعتماد شموع مربعة الشكل كشكل الصوامع المغربية.
ومنذ ذلك الفترة إلى اليوم، مازالت مدينة سلا تحافظ على هذا الموروث الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي بل وأضحى استعراضا كرنافاليا متعدد الأبعاد.
وللمرأة المغربية دور رئيسي في الاحتفال بعيد المولد النبوي، حيث تسهر على إعداد مائدة الإفطار يوم العيد بشتى أشكال الحلويات المغربية التقليدية و”الشهيوات” المرافقة لها الخاصة بهذه المناسبة، كما يفرح الأطفال بارتداء الألبسة التقليدية المغربية كالجلباب والجابادور، كما ترافق هذه الذكرى النبوية حركة تجارية غير عادية، حيث يكثر بيع البخور التقليدي الذي يقام في هذه المناسبة والمأكولات والألبسة التقليدية وغيرها، إضافة إلى تبادل العائلات للزيارات والتهاني طيلة اليوم في مظاهر احتفالية رائعة تزيد من قيم التآزر والتكافل الاجتماعي كسائر الأعياد الدينية.
بسم الله الرحمن الرحيم
المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم: أن الاحتفال بالموالد بدعة، لا شك في ذلك؛ لأن الرسول ﷺ وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، وهو المبلغ عن الله لم يحتفل بالمولد مولده ﷺ، ولا أصحابه، لا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه ولما تركه النبي ﷺ، ولعلمه أمته وفعله بنفسه، ولفعله أصحابه خلفاؤه ، فلما تركوا ذلك علمنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وقال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد في أحاديث أخرى تدل على ذلك، وبهذا يعلم أن هذه الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وهكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كـ البدوي والحسين وغير ذلك كلها من البدع المنكرة التي يجب على أهل الإسلام تركها.
وقد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة. وليس حب النبي ﷺ يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه ﷺ يقتضي اتباعه، والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم [آل عمران:31] فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع، ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله، وبالاستقامة على شريعة الله، بالجهاد في سبيل الله، بالدعوة إلى سنة الرسول ﷺ وتعظيمها والذب عنها والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الرسول ﷺ، ويكون بالتأسي به في أقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك.
هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه.
وأما كونه يعذب أو لا يعذب هذا شيء آخر، هذا إلى الله جل وعلا، فالبدع والمعاصي من أسباب العذاب، لكن قد يعذب الإنسان بمعصيته وقد يعفو الله عنه، إما لجهله وإما لأنه قلد من فعل ذلك ظناً منه أنه مصيب، أو لأعمال صالحة قدمها صارت سبباً لعفو الله أو لشفاعة الشفعاء من الأنبياء أو المؤمنين أو الأفراط، فالحاصل أن المعاصي والبدع من أسباب العذاب، وصاحبها تحت مشيئة الله جل وعلا، إذا لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا كانت البدعة مكفرة فيها الشرك الأكبر فصاحبها مخلد في النار نعوذ بالله، لكن إذا كانت البدعة ليس فيها شرك أكبر، وإنما هي فروع خلاف الشريعة، من صلوات مبتدعة أو من احتفالات مبتدعة ليس فيها شرك، فهذا تحت مشيئة الله كالمعاصي. نعم.