عبد السلام الشامخ
من قبائل اكزناية الريفية، كانت بداياته الأولى مع عالمٍ مُفعمٍ بروحِ التمرّد والاندفاع القبلي الذي هزَّته غير ما مرَّة أوجاع وملذّات التاريخ الغابر، لما تعرّضتْ قبائلُ الريف إلى قمعٍ شديدٍ من طرف “قوات النظام” كما كانَ يُسميها الطلبة القاعديون في مدرجات الجامعة بوجدة، قبل أن يتعايش مع فكرة “المصالحة”، ويقرِّر ركوب البحر ذات خريف قاصدا بروكسيل ويُصبحَ، بعدَ مشقات الرحيل وكدر العيش، مستشاراً في إحدى مجالسها البلدية.
عبد الرحمان ادمام، القادمُ من أقاصي الريف البعيد، تحسَّس حبَّ الأرض لأول مرة في قبائل اكزناية القريبة من مدارِ أكنول المعروف بجباله التي تلامسُ السماء. وسطَ هذه الجغرافيا القصية ترعرع ابن الريف، ودرس بمدرسة اللوز المختلطة ثم بإعدادية أكنول آنذاك. وبعد الحصول على شهادة السنة الرابعة إعدادي، اضطر إلى تركِ قريته الصغيرة في اتجاه مدينة تازة من أجل متابعة الدراسة بثانوية ابن الياسمين، والتي توجت بحصوله على شهادة البكالوريا، ليتابع مسارَ التهجير إلى مدينة وجدة من أجل متابعة دراساته الجامعية.
سنة 1990، غادَر ادمام أسوارَ الجامعة من أجل الالتحاق بالمعهد العالي للفلاحة بمدينة بركان. وبعد ثلاث سنوات من الاجتهاد والمثابرة، كان الحظُّ في انتظارهِ ليحملهُ بصفته من أوائل الفوج لتمثيل المغرب الشرقي في المباراة الوطنية للمعاهد الفلاحية، من خلال إقامة مشروع فلاحي في ميدان البحث العلمي داخل المؤسسة.
ويعود المستشار المغربي في بلدية بروكسيل إلى هذه الواقعة قائلاً: “بفضل هذه المشاركة الفعالة توج مشروعي والمؤسسة الفلاحية الشرقية بالرتبة الثانية وطنيا، وهذا اللقب جعل من مشروعي واسم المؤسسة حديث الساعة آنذاك في محيط مديرية التعليم الفلاحي بالرباط وباقي مؤسسات التعليم الفلاحي بالمغرب”، مضيفاً: “بفضل هذا وقبل تخرجي اقترح عليَّ منصب أستاذ ومؤطر بمركز التكوين الفلاحي بمدينة وجدة”.
ولأن في الألم نحس بالرغبة في الوصول إلى أحلامنا ونظرا لطموحه واجتهاده، بدأ ابن اكزناية يبحث عن فرص أخرى داخل وخارج الوطن تخول له مستقبلا ومستوى ثقافي أفضل؛ ففي أبريل 1995، شاء القدر أن يفوز بمباراة وطنية هدفها كان هو انتقاء فوج من الشباب من أجل تأطيرهم وتكوينهم ببلجيكا وكل حسب اختصاصاته؛ لكن كلها تتعلق بالميدان الفلاحي والبحث الزراعي.
وبعد سنة من الاجتهاد والتعلم، عادَ ادمام إلى المغرب وهو فرحٌ وفخور لإقامة مشروعه البيداغوجي من أجل تكوين وتأطير وتوجيه الخريجين الجدد للمعاهد الفلاحية ومساعدتهم نحو الاستقلالية المهنية، يقول ادمام: “بعدما نفذدْ خزينتي بسبب الذهاب والإياب بين مختلف المديريات الإقليمية والوطنية للفلاحة والأبناك، أويتُ إلى قريتي وفكرت في حل ثان ألا وهو العودة إلى بلجيكا”.
في أبريل 1997، توجَّه مرة ثانية إلى بلجيكا ليبدأ حياةً جديدة ومن الصفر، يحكي ادمام: “اشتغلتُ أولا بشركة السكك الحديدية بفرع النقل اللوجستيكي ABX وبعدها استفدتُ من الترقية إلى منصب مراقب ومسؤول الواردات والصادرات”، مضيفاً” “كانت تجربة رائعة، وخاصة فيما يخص تدبير الموارد البشرية والعلاقات الاجتماعية والمهنية واكتشاف العمل النقابي. وبعد عشر سنوات، قررتُ الاستمرار في الدراسة والتكوين” يقول ادمام في تصريح لجريدة هسبريس.
ولأنه كان يطمحُ في الوصولِ إلى أعلى المراتب، بدأ ادمام في تعلم اللغة الهولندية بالنهار والتحق بمؤسسة تكوين الأساتذة بالمساء. وفي أبريل 2008، وبعدما تمكن من تطوير مستوى لغته الهولندية استطاع الحصول على عمل كمستشار بمصلحة التحسيس والتوظيف والتوجيه، وبعدها مرافق فردي وموجه بمكتب استقبال الأجانب ببروكسيل التابع للحكومة الفلمنكية. وبعد الحصول على شهادة الكفاءة البيداغوجية ببلجيكا، أصبح يقدّمُ ورشات عمل داخل وخارج المؤسسة.
بعدئذ، درس المهاجر المغربي لمدة سنتين كمستشار في مجال الوقاية والحماية في ميادين العمل، وأصبح كذلك مستشاراً لإدارة المؤسسة في هذا المجال. وفي سنة 2009، حدد كهدف الحصول على شهادة ضابط في التنمية ووسيط في مجال تعدد الثقافات.
ويشغلُ المهاجر المغربي أيضاً كاتباً عاماً لاتحاد المساجد بروكسيل والضواحي، ومدرسا للغة العربية في إحدى المدارس بالعاصمة البلجيكية، كما يشغلُ ممثل الآباء في منتدى الأقليات للتعليم الابتدائي ببروكسيل، النقطة الفاصلة كانت في سنة 2012، حيث “حاول صديق لي أن يقنعني بأن الجالية المغربية لا بد أن تمثل أحسن تمثيل، فعلى إثر نتائج انتخابات 2012 أصبح المكان الشاغر بالمجلس البلدي من نصيبي، وأنا الآن مرشح من جديد في لائحة حزب الخضر”.
وعن أسباب تركه المغرب، يفسر ادمام: “لأنني لم أجد فيه آفاقا تواكب طموحاتي واجتهادي من جهة؛ كما أن الفقر والوضع الاجتماعي كان عاملاً حاسماً دفعني إلى الهجرة، لقد كنت الأكبر سنا لستة يتامى. فما كان علي إلا أن أفكر كذلك في مستقبلهم”.