بقلم : عبد المالك مروان
تصنف الجماعات المحلية ضمن الجماعات الترابية المحددة في فصول من 135 الى 146 من الدستور المغربي المعدل في فاتح يوليوز سنة 2011 ، وحسب نفس الدستور فهي شخصية معنوية خاضعة للقانون العام ، تضم مجموعة بشرية ، تسير شؤونها بطريقة ديموقراطية ، ولها تنظيم إداري ، وأجهزة إدارية منتخبة ، وموارد بشرية (الموظفون والأعوان) ، واقتصادية ، ومالية … الخ ، يسيرها مجلس جماعي يتكون من الرئيس ومجموعة من المستشارين من الأغلبية و المعارضة ، تفرزهم الإنتخابات الجماعية مرة كل ست سنوات .
يعتمد رئيس المجلس الجماعي على نوابه في الأمور التي تهم مصالح المواطنين المنتمين الى الجماعة التي يرأسها ، كتصحيح الإمضاءات ، و تسليم الرخص ، ومختلف الشواهد الإدارية ، والسهر لضمان السير العادي داخلها في حالة غيابه ، أو عجزه ومرضه ، أو للتخفيف عنه من عبء العمل اليومي .
إن هدف المغرب من إحداث الجماعات المحلية منذ الإنتخابات الجماعية ليوم 29 مايو سنة 1960 ، هو تثبيت اللامركزية ، و تقديم خدمات القرب للمواطنين ، وذلك بنقل السلطة من ممثل الدولة الى رئيس المجلس الجماعي المكلف بتدبير الشأن المحلي على أحسن وجه ، رفقة باقي أعضاء المجلس عن طريق إعداد مخططات تنموية معقولة لمدة ست سنوات تخص الجماعة التي يسيرها ، وتهم المجالات الإقتصادية ، و الإجتماعية ، والثقافية ، والرياضية … الخ .
ــــ المجال الأقتصادي :
على المجلس الجماعي تحديد برامج إقتصادية واضحة ، و مضبوطة ، بتوظيف مواردها المالية ، و الجبائية ،في قطاعات الفلاحة ، والصناعة ، و التجارة و الخدمات ، و الحرف ، و تنمية مؤهلاتها السياحية ، مع تشجيع الإستثماربإ نشاء مقاولات صغرى و كبرى ، وخلق العمل الذاتي … الخ ، بالإضافة الى الإهتمام بالبنيات التحتية من طرق، و مسالك ، و قناطر، و قنوات الصرف الصحي ، ومد التجمعات السكانية بالكهرباء ، و المياه الصالحة للشرب ، وإصلاح الأراضي الزراعية ، و الإهتمام بالفلاحين وتشجيعهم للإستقرار في أراضيهم بدل الهجرة الى المدينة .
ــــ المجال الإجتماعي :
من المفروض على المجلس الجماعي نهج سياسة محلية حكيمة ، تسعى الى تحقيق الإستقرار الإجتماعي ، و الرخاء للسكان المنتمين الى الجماعة التي يسيرها ، عن طريق الإهتمام بالتعليم والتكوين ، ومحاربة الهدر المدرسي ، والعناية بصحة المواطنين بإصلاح المراكز الصحية ، و تزويدها بالأجهزة ، والموارد البشرية الكافية ، و كذلك العمل على محاربة الأمية، و الهشاشة و الفقر، و السكن الغير اللائق ، و تعويضه بسكن مناسب لذوي الدخل المحدود ، ورعاية اليتامى و العجزة ، و ذوي الإحتياجات الخاصة بإنشاء دورأو مراكز إيواء خاصة بهم .
ــــ المجال الثقافي و الرياضي :
من مسؤولية المجلس الجماعي الإهتمام بالمجالين الثقافي و الرياضي ، ببناء الملاعب ، ودور الشباب ، و المسارح ، و المكتبات مع تزويدها بمختلف الأجهزة ، وتشجيع الفرق الرياضية ، و جمعيات المجتمع المدني ، المشهود لها بنشاطها ، و إخلاصها في العمل بدعمها ماديا ومعنويا .
ــــ المجال البيئي :
يعتبرالمشكل البيئي أهم تحد لسكان الكثيرمن المدن لذا يتحتم على المجلس الجماعي العمل لضمان بيئة سليمة عن طريق جمع النفايات المنزلية ، والنفايات المترتبة عن مختلف الأنشطة التجارية أو الحرفية داخل نراب الجماعة التي يسيرها ، وكذا الإهتمام بعمال النظافة ، و تزويدهم بوسائل العمل الضرورية ، مع مد كل الأحياء بقنوات الصرف الصحفي العصرية للقضاء على المطامير، وخلق مطارح خاصة مقبولة غير مضرة للبيئة ، و لا لصحة المواطنين ، بالإضافة الى التعجيل لنقل الأسواق الأسبوعية خارج المدار الحضري ، و إنشاء مراكز تجارية داخله للحد من ظاهرة الباعة المتجولين ، و احتلال الأملاك العمومية ، وإحداث مناطق صناعية خاصة بالصناع و الحرفيين، وإقامة فضاءات ومساحات خضراء مع الحفاظ عليها لتحقيق التوازن البيئي .
إن بعض المجالس الجماعية مع الأسف الشديد تفشل في تنفيذ برامجها على أرض الواقع ، و تخفق في تمثيل الدولة على الصعيد المحلي بطريقة ناجحة ترضي الجميع ، وفق ما ينص عليه دستور البلاد بسبب عجزها و تطفلها على التسيير ، بمعنى أن بعض أعضائها قد يصلحون لكل شيء كمزاولة الفلاحة ، من زراعة ، و تربية الماشية ، و الدواجن ، و النحل ، و الصيد ، والقنص ، أو التجارة ، و الحرف … الخ ، ماعدا التسيير الجماعي لثلاثة أسباب رئيسية :
ـــ أولا : عدم كفاءتهم ، وفسادهم ، و جهلهم للقانون ، وسوء أخلاقهم ، وعدم تواصلهم مع السكان.
ـــ ثانيا : ضعف الخدمات التي يقدمونها للساكنة في مجالات مختلفة ، من تعليم ، وصحة ، و ثقافة ، ورياضة ، و نظافة ، وشغل ، وكهرباء ، ومياه صالحة للشرب … الخ .
ـــ ثالثا :عجزهم عن تنفيذ مخططاتهم في مجال التهيئة الحضرية التي يسودها الضعف ، والنقص، والعشوائية،
وعدم الدقة و التركيز، وإتقان العمل ، مما ينذر مع مرور الأيام بتحطم كل ما أنجز، وبعودة الأمور الى نقطة الصفر.
إن الجماعات التي تسيرها مثل المجالس المذكورة تتألم ، ولو قدر لها أن تنطق لقالت : ” كفى ! ارفعوا عنا الأذى ، نحن لسنا في حاجة اليها ” ، بل و حتى السكان من داخل وخارج الوطن المكلومين ، المتشائمين ، و الغاضبين عن الواقع المريرإذا تم إستفتاؤهم عنها بعيدا عن أجواء الإنتخابات التي تمر في ظروف غيرعادية ( الضغوط و شراء الأصوات ) لأيدتها فقط 20 في المائة أو أقل من الأصوات المعبر عنها التي تضم خاصة أصوات بلطجيتها وأقاربها ، أما 80 في المائة فستكون ضدها وساخطة عليها .
إن الإنتخابات الغير النزيهة التي تتجلى خاصة في الشوائب العالقة في اللوائح الإنتخابية ، و شراء الضمائر، و الحياد السلبي للسلطة الوصية ، أو عملها و سعيها لخدمة جهة معينة بالتلاعب في محاضر مكاتب التصويت و تزويرها ، أو صرف أنظارها عن مختلف الخروقات في يوم الإقتراع ، من الأسباب الحقيقية التي تؤدي الى إفرازمجالس جماعية بدون مصداقية تعمل على إعداد مشاريع وهمية ، أو شبه وهمية ، تهدف فقط الى نهب المال العام ، والى نشر الفساد بكل أشكاله في المجتمع ، أو الى تفريخ بورجوازية إقطاعية هجينة ، و متخلفة ، و الى إفراز رؤساء جماعيين مستبدين يقومون بقمع و إقصاء كل معارض ، يتلاعبون بالموارد الجماعية ، غير قادرين على إيجادالحلول لأبسط المشاكل التي تعاني منها الساكنة التابعة لهم ، بل عادة ما يتهربون منها و يتركون الأمر للسلطة الوصية كي تنوب عنهم للتفاوض معهم رغم عدم إختصاصها ومسؤوليتها ، وذلك خوفا من سخطها أو انتقامها ( الساكنة) منهم يوم الإقتراع .
لكي تقوم الجماعات المحلية بالدور المنوط بها لابد من الإقلاع عن العقليات ، و الأفكار المتخلفة التي أكل عليها الدهر وشرب ، بمراجعة القوانين المنظمة للإنتخابات ، و تفعيل بنود الدستور المعدل ، و الميثاق الجماعي ، ومراقبة السلطة الوصية على الجماعات المحلية كي تعمل على تطبيق القانون ، بمحاسبة المسؤولين الجماعيين في حالة ثبوت تلاعبهم بالموارد الجماعية ، أو إستغلالها لصالحهم ، أو نهبها ، و تجريم مختلف أشكال التزوير التي تقوم بها بعض السلطات الوصية أثناء الإنتخابات لخدمة رمز، أو لون ، أو جهة معينة ، قصد إفراز مجالس جماعية برؤساء لهم كفاءة عالية ، و أخلاق حميدة ، من صدق ، و إخلاص ، و إيثار، و أمانة ، و غيرة ، و الإمتناع عن الغطرسة ، و العجرفة ، مع الرغبة في العمل ، مجالس تتمتع بالحرية في التسيير، مع عدم الإفراط في الوصاية عليها ، حتى لا تنعكس على السير العادي للجماعات التي تسيرها ، و تحول دون تحقيق تنميتها المستدامة ، لكن مراقبتها ضرورية حتى لا تستغل ميزانيات المشاريع المخططة لإنجازها بطرق ملتوية ، وغير شفافة ، بتواطؤ مع مقاولين لا ضمير لهم ، و بدون كفاءة ، ولا تكوين ، يهدفون فقط للإغتناء من أموال الشعب ، ( مراقبتها ) عن طريق تفعيل الوصاية عليها ، و مراقبة مقرراتها ، و مراجعتها ، خاصة إذا كانت تشكل خطرا على السكان و المال العام … الخ ، وكذا توقيف و عزل رؤسائها ، و نوابهم المخالفين للقانون لأنها مسؤولية كبرى أمام الله عز وجل ، و الوطن ، والشعب بصفة عامة .