ما طالعاش ما طالعاش
عصام الهرامية
من أولاد الحومة،كان يعيش بيننا شاب إسمه رشيد، عانى من مرارة اليتم منذ طفولته بسبب وفاة والدته وهو لايزال صغيرا، ثم زواج والده سريعا من إمرأة أخرى، ليعيش مع جدته وحيدا، وبعد وفاة جدتها انتقل من منازل خالاته إلى منازل عماته، يعاني من الإهمال و الدفء الأسري، يكتم جرحه وفرحه، لأنه لم يجد من يداوي أحزانه أو يفرح لأجله، أذكر جيدا مرحلة طفولته بمرارة شديدة قائلا “كبرت فى بيوت العائلة بلا أب ولا إخوة، ورأيت أمي للمرة الأولى وأنا في السابعة، ذات يوم جاءت إلى البيت حزينة، ورأيتها تنظر إلى بعينين حزينتين، ثم قبلتني دون أن تتكلم ورحلت، ومازالت هذه النظرة تصاحبني حتى الآن.. في السابعة من عمري أدركت أنني لا أعرف كلمة أم ولا أب..كانت له (كَرُوسَة) يشتغل بها في نقل البضائع، أو بما يعرف ب(حَمَّالْ أو طالب معاشو) إن صح التعبير، هذه المهنة التي عاش بها طوال أعوام، فما كان ينفعه سوى قوة عضلاته ولو أنه كان نحيفا، لكن صدقه وأمانته في إيصال (الفَايَاجْ) هما مَكمن سره الذي ضاع مع منافسة (الخَطَّافَة) له.
كان يتخذ باب السوق نقطة إنطلاق (الرحلة)، تحت أشعة الشمس الحارقة، التي زادت من سمرة لون بشرته، كان يأخذ معه حقيبة معلقة في جانب (الكروسة) يوجد بداخلها قنينة ماء وقطعتان من (الكارطون) الذي كان يستعملهما ك (فْرَانَاتْ) ،فكم كان يفرح حين يستأجره أحد الزبائن الساكنين بحي محاذي للجبل، لأن (الهبطة) مناسبة لركوب الكروسة أو (الكَاطْ كَاطْ كما كان يسميها) و يطلق العنان ، يتجاوز السيارات يمينا و شمالا مستغلا هبوب الرياح في تنشيف عرقه المالح.
ذات يوم ، كان جالساً داخل عربته يسترزق الله تعالى في قوته، إلى أن سمع صوت رجل يقول: (السلام عليكم ،نُوضْ تَخْدَمْ)، كان رجلا متقاعد.آتيا من ألمانيا ليستقر في المدينة بقية حياته،كنا نعرفه بعمي (الحَاجْ).
رد عليه رشيد قائلا:فين أعمي الحاج، فين بغيتي نْوَصَّلَّكْ الخُضرة؟
فقال الحاج : غير هنا و صافي…
أخذ رشيد يجر عربته وراء الحاج الذي فضل أن يتنزه في السوق قبل أن يشتري ما يريد لاختيار الأثمنة المناسبة، بعد عدة جولات بدأ في شحن العربة من الخضر والفواكه، واللحم والسمك، إضافة إلى صندوق (دْلاَّحْ) دكالي.
بعد ربع ساعة من المشي ، سأله مرة أخرى: فين ساكن آ الحاج؟ رد عليه: غي هنا فوق العين ديال الماء…
أخذ رشيد نفسا عميقاً، بين السرور لأن (لَحْدُورَة) مضمونة و الحسرة لبعد المسافة والثقل، لكنه تابع المسير إلى أن أمره الحاج بالوقوف والإنتظار، لأن عليه أن يشتري عشرون كيلوغرام من (الصباغة)، طأطأ رشيد رأسه كأنه يقول:مَاطَالْعَاشْ مَاطَالْعَاشْ ، و مع ذلك حملها أيضا و تابع المسير إلى أن وصلوا إلى محل لبيع مواد البناء، فقال الحاج:وَاشْ نقدر نْزِيدْ شي خَنشة ديال السّيما أ وليدي؟
رد عليه: أَغِير زِيدْ راه مَاطَالْعَاشْ مَاطَالْعَاشْ آ الحَاجْ…فالعجلة قد اعوجت فلن يستطيع إكمال (الفاياج)،
فعلى ما يبدو أن الحاج لم يفهم ما معنى :مَاطَالْعَاشْ مَاطَالْعَاشْ، ليضيف الخنشة إلى العربة، لكن العجلة لم تتحمل كل الثقل ما أدى إلى تعطيل (الكاط كاط) و بقوا (حاصْلين) في نصف الطريق…
هذا ما نقوله لحكومتنا؛ بأنها مَاطَالْعَاشْ مَاطَالْعَاشْ، زيادة واحدة يمكن لرشيد أن يتحملها،لكن واحدة تلو أخرى قد تؤدي إلى إعوجاج (الرويضة) ويبقى عمي الحاج (حاصل فالخضرة.)
فهل يوجد بينهم من رشيد!؟
يبدو ان اﻻخ عصام محترف في ادب القصة الشعبية المستوحاة من عمق واقع مجتمعنا المليئ بالمتناقضات..لخص في اسطر معدودة حياة شبابنا المعطل المجهل المفقرالمجوع الميتم المهمش..انها بكل بساطة الحكرة..اسلوب قصصي سلس وشيق ..مضمون جيد ممتاز..نفتخر بامثال اقلامك …ﻻتطل علينا غيابك…استمتعتك بقصتك الجميلة
قصة جميلة مؤثرة لخص فيها الكاتب حالة يتم الطفل رشبد الفاقد ﻻمه وحنانها..المتجول بين بيوت العمات والخاﻻت..المعاني من حالة الفقر والجهل..اشتغل صغيرا في اﻻعمال الشاقة طمعا في د ريهمات ﻻتسمن وﻻتغني من جوع..حرمان من حنان اﻻم ..حرمان من المدرسة .معاناة من قساوة المجتمع والحياة ..انها الحكرة بكل تجلياتها…قصة تلخص واقع حياة كثير من المغاربة..استمتعت كثيرا باسلوبها وطريقة حكايتها..اﻻخ عصام اصاب واجاد بارك الله فبك..ﻻتطل علينا الغياب…
واش كان الكودرون ديك الساعة فالحومة ولا والو. قصة شيقة أرجعتني إلى أيام الزمن الجميل. إيه رشيد مسكين الله ياخد بيديه.
السلام عليكم شكرا اخي عصام عن الاقصوصة والله الى ضحكت وتفكرت الايام الخوالي توحشناك اخاي عصام