سعيد صغير
أوشكت أيام رمضان، التي انزل فيه القرآن، أن تنتهي. وهل عيد الفطر المبارك الذي طال انتظاره لدى الصغار قبل الكبار.
’سيشتري لي أبي ثياب العيد الجديدة’’ يقول احدهم. ’’في العيد سيزورنا عمي صادق الساكن في ألمانيا ويحضر معه هدية رائعة’’ يقول آخر. ’’في عطلة العيد سأسافر إلى مدينة طنجة مع أسرتي، لنزور خالي صالح، سيكون عيد رائع رفقة ابن خالي أمين على شاطيء طنجة’’ أردف ثالث. ما يميز الأطفال الثلاثة هو أنهم يلبسون الجديد ويأكلون ما لذ وطاب في هذا العيد السعيد. إلا عثمان، الذي جلس جانبا كعادته شارد الذهن، يحس بنفسه اقل حظا من ذبابة. ’’ اجل أنا اقل حظا من الذباب، لان الذباب لا يعرف فرحة العيد مثلي انا، طبعا اعرفها من رفاقي، ولكن لم أحس بها أبدا’’ يقول عثمان في نفسه. أبي، عمي، خالي. علامات لا وجود لها في عالم عثمان، الذي يعيش مع أمه الوحيدة وأختة عائشة الرضيعة في كوخ صغير، في أقصى المدينة. سمع عثمان عن الدعاء المستجاب في العشر الأواخر من رمضان. قرر هذه المرة أن لا تفوته الفرصة وعزم عن مراسلة ربه. بدأ في التصميم وقال في نفسه: ’’ من يوصل رسالتي إلى ربي؟’’ ثم بدا في الكتابة.
************
من الطفل عثمان إلى رب السماوات والأرض
بسم الله الرحمن الرحيم
’’رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ’’ صدق الله العظيم
إلهي عيد الفطر على الأبواب، وأمي المسكينة لا تقوى عن العمل بسبب أختي الرضيعة. ليس عندي أب ولا عم ولا خال ،إلا ربي ذو الجلال والإكرام. أنا وأختي عائشة في أمس الحاجة الى ثياب العيد والى شيء لذيذ نتمتع بأكله في هذا اليوم السعيد. امي تحتاج الفراش لأننا لا نملك إلا واحدا تضعني وأختي فوقه لتفترش هي الثرى.
بسم الله الرحمن الرحيم
’’ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ’’
صدق الله العظيم ************
احكم عثمان إغلاق رسالته إلى رب العالمين، ثم اصطاد طيرا فربط الرسالة في رجله قائلا له ’’ والله ما أردت بك شرا، خذ كتابي هذا إلى رب العالمين’’ بدموع مالحة فوق خديه الورديتين ’’ دموع كل الأطفال مالح مذاقها’’ أطلق عثمان الطائر في الهواء ثم تتبعه بعينيه الدامعتين الحزينتين، إلى أن اختفى أثره في الشفق البعيد.
أحس عثمان بقوة الإيمان ،أعادت إليه الثقة المفقودة في نفسه الصغيرة. قرر ان يخرج غدا للعب مع رفاقه غير مبال بوابل الحط من قيمته والاحتقار الذي يتعرض لهما بسبب يتمه وثيابه البالية. تسلح عثمان بقول الله تعالى بعد، بسم الله الرحمن الرحيم ’’ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)’’
في ليلة العيد أتى طارق فدق على باب الكوخ الصغير. انفزعت الأم وصغارها ثم التصقوا ببعضهم حتى أصبحو قطعة واحدة. نادى الطارق: ’’عثمان والله ما أردت بك شرا، ان عندي لك بشرى’’ تردد عثمان قبل أن يخرج ليجد أمامه رجلا وضع على وجهه خمارا كي لا تبدو ملامحه. ’’خذ يا عثمان هذا رزق من عند الله’’ اندهش عثمان عندما رأى ثلاثة صناديق أمامه، ظن انه لن يقو على حملها بيديه النحيلتين. كانت الفرحة عارمة، كاد معها عثمان ان ينس شكر ربه. ادخل الصناديق الواحد تلو الأخرى بكل اعتزاز كأنه رجل كبير، ثم قال لامه بكل افتخار:’’هذا من عند الله’’ فتح مع امه الصندوق الأول فوجدوا به فراشا وغطاء لها. ثم فتحوا الثاني فوجدوا بداخله كل ما لذ وطاب من أكل وشرب. وأخيرا فتحوا الثالث ليجدوا لباس العيد، فتنهد عثمان ثم رفع يديه الى السماء، بعينين تكاد تدمع من شدة الفرح ليقول: ’’يا رزاق’’
أيها القراء الأعزاء لا تنتظروا أن تنزل عليكم رسائل من السماء، ربطها أطفال فقراء في ارجل الطيور لتدلكم على مكان عثمان. عثمان في مدينتكم وقد يكون في حيكم او في شارعكم وربما في عمارتكم أو اقرب إليكم من حبل الوريد.