حكيم أياو
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام، رمضان موسم الطاعة وميدان العبادة ومجال الصدقة وشهر التوبة، إنه موسم الخيرُ وموسم المغفرة والرحمة والعتق من النار.
إخوتي و أخواتي في الله فلنستدرك ما مضى بما بقى، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى.
العشر الأواخر من رمضان المبارك هي أفضل ليال للعبادة، والعمل الصالح وتبدأ من ليلة 21 رمضان إلى 30 رمضان
إذا كان الشهر كاملا. وفي العشر الأواخر يتحرى المسلمون ليلة القدر بما لها من مكانة.
قال الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره طلبا لليلة القدر.
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وغير ذلك من أنواع العبادات.
وقيام الليل في هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لاشك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء حتى نتعرض لرحمات الله جل شأنه.
كان يشد المئزر أي يعتزل النساء في العشر الأواخر من رمضان وينشغل بالعبادة والطاعة.
ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر منه على وجه الخصوص قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، واعتبار معانية وأمره ونهيه قال تعالى. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فهذا شهر القرآن، وقد كان النبي صلى الله علية وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان حتى يتم ما أنزل علية من القرآن وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين.
وقد أرشد النبي إلى فضل القرآن وتلاوته فقال (إقروا القرآن فان لكم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) رواه الترمذي وإسناده صحيح واخبر النبي أن القرآن يحاج عن صاحبه يوم العرض الأكبر فقال (يوتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) رواه مسلم
ولقد كان السلف اشد حرصاً على تلاوة القرآن وخاصة في شهر رمضان فقد كان الأسود بن يزيد يختم المصحف في ست ليالي فإذا دخل رمضان ختمه في ثلاث ليال فإذا دخلت العشر ختمه في كل ليلة، وكان الشافعي رحمة الله عليه يختمه في العشر في كل ليلة بين المغرب والعشاء وكذا روي عن أبي حنيفة.
وقد أفاد الحافظ بن رجب أن النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث إنما هوا على الوجه المعتاد أما في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها أو في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان والعشر منه فلا يكره وعليه عمل السلف.
وكذلك الاعتكاف، ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث «ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.»
فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام والشراب والنكاح فكذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من أثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب ونفسدُ اجتماعه على طاعة الله. وسيأتي موضوع الاعتكاف في حلقة خاصة.
إليكم بعض أخطاء الرجال والنّساء في رمضان وخاصة العشر الأواخر منه.
جاءت توجيهات الشرع الحنيف شاملة للرجال والنساء تحثهم على اغتنام شهر رمضان في العبادات والطاعات والقربات إلى الله تعالى، وعدم تضيع هذا الشهر فيما لا يُقرِّب إلى الله من الأعمال. ومما يؤسف له أن كثيراً من الرجال والنساء لا يفقهون المراد من شهر الصيام سوى الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، ثم هم بعد ذلك يقعون في بعض الأخطاء التي ينبغي الاحتراز منها، والابتعاد عنها، ومن تلك الأخطاء:
أولا: ضياع أوقات كثير من النساء بالنهار في إعداد الطعام، والتفنن في الموائد والمأكولات والمشروبات، حيث تقضي المرأة معظم نهارها في المطبخ، ولا تنتهي من إعداد هذه الأطعمة إلا مع أذان المغرب، فيضيع عليها اليوم دون ذكر أو عبادة أو قراءة للقرآن، وينبغي على الأخت المسلمة أن تحفظ وقتها في هذا الشهر الكريم، وأن تقتصد في الطعام والشراب فتصنع ما لا بد منه وتكتفي بصنف أو صنفين، وأن تتعاون النساء في البيت الواحد بحيث تعمل واحدة وتتفرغ الأخرى للعبادة والذكر وتلاوة القرآن.
ثانيا: ضياع الأوقات بالليل في الزيارات التي قد تمتد لساعات متأخرة من الليل وربما إلى قبيل الفجر، أو الانشغال بمتابعة القنوات والبرامج التلفزيونية، فتقضي المرأة معظم ساعات الليل في مشاهدة ذلك، وكان الأولى بها أن تحيي ليلها بعبادة الله وذكره وشكره وتلاوة كتابه
ثالثا : خروج بعض النساء إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح بلباس الزينة مع التعطر والتطيب مع ما في ذلك من أسباب الفتنة والإثم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه مسلم
ويقول أيضا: ( أيما امرأة أصابت بخورا، فلا تشهد معنا العشاء الآخر) رواح أحمد
الاختلاط الذي يحصل بين النساء والرجال عند الخروج من المسجد بعد صلاة التراويح، ما قد يتسبب
في حصول الفتنة، والواجب عليهن أن يبادرن بالخروج قبل الرجال، ولا يمشين إلا في حافة الطريق
وجوانبها، فهو الأستر والأحفظ لهن، وقد قال صلى الله عليه وسلم للنساء لما رآهن مختلطات بالرجال في
الطريق: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق) رواه أبو داود)
رابعا: خروج كثير من النساء إلى المحلات التجارية في ليالي رمضان وخاصة العشر الأواخر منه بدون محرم بالتجهيز للعيد، والتجوال في الشوارع ومحلات الخياطة لشراء الملابس وحاجاتها وحاجات أولادها، وقد يخالطن الباعة، فتحصل الخلوة المحرّمة، التي تقود إلى أمور لا تحمد عقباها، فعلى المرأة الشّريفة العفيفة أن تتجنّب مواطن الريبة، وأن تبتعد عن أماكن الاختلاط ونظرات العابثين، وأن تلتزم بلباس الحشمة والحياء حتى لا يطمع فيها طامع، أو يتطلع إليها فاسد، وقد قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله).
وهذا الأمر خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها، ويمكن للمرأة شراء حاجاتها وحاجات أولادها نهارا وقبيل هذه العشر أو في الأيام الأولى من رمضان بحيث تتفرغ تفرغا تاما إذا دخلت العشر.
خامسا: فتور بعض النساء عن العبادة حال الحيض والنفاس، فتظن أنها في رخصة من كل أنواع العبادة التي تقربها إلى الله جل وعلا، مع أنه يمكن للحائض أن تؤدي كثيراً من الطاعات حال حيضها كالمداومة على الذكر والدعاء، والصدقة، وقراءة الكتب النافعة، والتفقه في الدين، بل لها أن تقرأ القرآن على القول الصحيح دون مس للمصحف، إلى غير ذلك من الأمور التي ينبغي أن تحرص عليها الأخت المسلمة.
سادسا: من الأخطاء أن بعض النساء قد تطهر قبيل الفجر، ولا تتمكن من الغسل لضيق الوقت، فتترك الصيام بحجة أن الصبح أدركها قبل أن تصوم ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأن الطهارة ليست شرطاً لصحة الصوم.
سابعا: إنكار البعض على بناتهم إذا أردن الصيام بحجة أنهن صغيرات، وقد تكون الفتاة من اللواتي بلغن سن المحيض، فإذا أرادت الصيام منعها أهلها من غير أن يسألوها عن مجيء الحيض أو لا، فقد تكون بلغت سن التكليف الذي يجب فيه الصوم وهم لا يعلمون بذلك.
ثامنا: بعض الرجال والشباب ينامون النهار ويسهرون الليل، يضيعون أوقاتهم مع أن الوقت نعمة من النعم العظيمة التي امتن الله بها على عباده، حثي أهتم الإسلام به و أقسم الله به في آيات كثيرة.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الوقت ذا قيمة عالية وحث على اغتنامه فقال : “اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك” صحيح الجامع .
تاسعا: الإسراع من بعض الأئمة في صلاة التراويح إسراعاً يخل بالصلاة والمقصود منها، فيسرع في التلاوة إسراعاً شديداً، ولا يراعي الطمأنينة والخشوع، وكل همه إنهاء تلك الرُّكيعات لينصرف الناس بعدها لأعمالهم، وأشغالهم، ومسامراتهم، ومساهراتهم…، والواجب أن يطمئن الإمام في صلاته، وإذا لم يتيسر له ختم القرآن، أو قراءة قدر كبير منه في صلاة القيام تخفيفاً على الناس، فلا أقل من أن يحسن صلاته، فيطمئن فيها، ويتم ركوعها وسجودها.
عاشرا: تَرْكُ التهجد في العشر الأواخر من رمضان، والانشغال بالتجوال في الأسواق وشراء الأغراض وحاجيات العيد، فتضيع على العبد – رجلاً كان أو امرأة- هذه الليالي المباركة، وتضيع عليه ليلة القدر، التي من حُرِمَ خيرها، فقد حُرِمَ الخير كله، وهو أمر – مع الأسف الشديد- يقع فيه كثير من المسلمين في أواخر هذا الشهر المبارك، مخالفين بذلك سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي كان إذا دخلت ليالي العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر.
ولما كان أكثر الناس جاهلين بقدر هذا الشهر، غافلين عما يجب عليهم فيه من بشكر الله وطاعته.
لماذا لا يشغل هؤلاء أوقاتهم في قيام الليل وقراءة القرآن والذكر والدعاء حيث هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين؛ ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله .
ولقد كان السلف رضوان الله عليهم من حرصهم على الوقت في رمضان وغيره يقلون الكلام لكي لا يزلوا، وكان شعارهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.
الجميع عليه أن يخرج كل جهده في هذه العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك من صوم وقيام وصدقة وقراءة قرآن من إلف العادة إلى روح العبادة، فلا نريد أن يكون حظنا من الصوم الجوع والعطش، ومن القيام التعب والسهر، وعلينا أيضا بالجد والاجتهاد، والعمل والمثابرة في شهر المغفرة والرضوان من الرحيم الرحمن.
وأسأل الله أن يلهمنا رشدنا وييسر لنا مفاتيح المعروف، وسبل الهداية، وأن يبارك لنا في أوقاتنا، ومواسم الطاعات، وأن يُسهل لنا استثمارها، وأن تكون هذه الرسالة خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها المسلمين، على أن ما فيها من صواب فهو من توفيق وإنعام رب العالمين، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله أعلم وهو أحكم الحاكمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نشكرك أخي عبد الحكيم على هذه المعلومات القيمة وجزاك الله عنا كل خير