د. يوسف توفيق
نجح التعليم في فلندا، وصار الطلبة في فلندا من أخير الطلبة في العالم، متفوقين على الجميع اداء ومستوى وقدرة واندماجا ..والسبب يكمن في أن سياسة التعليم التي هي سياسة ديموقراطية بالدرجة الاولى، لها هدف أولي مقدم على جميع الاهداف الاخرى..هو ان تجعل التلميذ او الطالب سعيدا في الحياة.
فلاغرو اذن ان يتحدث استاذ الرياضيات في بداية الدرس عن فلسفة الحياة وعن جمال الاشياء وتناغم الطبيعة قبل ان يبدأ في الحديث عن الارقام والاشكال الهندسية والمعادلات الرياضية ..كما لا نعجب اذا اصطحبت استاذة البيولوجيا الاطفال الى الحديقة من أجل تسلق الاشجار ..سيعود الاطفال غدا ويسألونها عما رأوا من الحشرات والنباتات والاشياء وهي تجيب بكل تلقائية كأن الأمر أشبه بلعبة يتبادل فيها الاستاذ والتلميذ الادوار .
التعليم في فلندا يقوم اساسا على اللعب ..على تحرير الطاقات الكامنة وتوجيهها في مساراتها الصحيحة، وحتى دون ان يشعر التلميذ بذلك..التلميذ يلعب اكثر ويتحرر اكثر والمدرس يراقب اكثر وينقض في اللحظة المناسبة ليزرع الفكرة وينمي القدرة ويصحح الخطأ ويقوم السلوك ..
كل شيء يتم في اللعب ..واقصى حالات المرء جدية عندما يكون يلعب..وكلما لعب اكثر صفا ذهنه اكثر وكانت درجة استعابه اكثر ..
التعليم عندنا عكس ذلك تماما ..آلة جهنمية لانتاج كافة وصفات الشقاء ..شقاء يتقاسمه الابناء والاباء والاساتذة..شقاء يبتدئ من ساعات الصباح الاولى ويصير عنوانا لبقية اليوم..
يحشر التلاميذ في قاعة لا تسع حتى ربع من فيها..وتبتدئ جلسات التعذيب بالحفظ والاستظهار والقمع والحكرة والتمييز العنصري ..ولا يسمح للتلميذ بالحركة او التعبير الا داخل حدود ضيقة..هذا اذا سمح له ..ويستمر العذاب حتى الساعة الرابعة بعد الزوال..
وحتى عندما يعود التلميذ مكدودا مهدودا فان حصة اخرى من الشقاء تنتظره وتنتظر والديه مع الواحبات المنزلية الكثيرة التي لا تنتهي ..في فلندا الواجبات المنزلية أثر دارس من الازمنة الغابرة والقرون التعليمية الوسطى ..
36 ساعة اسبوعيا من العذاب عندنا مقابل عشرين ساعة من اللعب والاستفادة والاستيعاب في فلندا ..
الاستاذ في فلندا لا يفكر الا في ابنائه التلاميذ ..لا يفكر في ترقية او سلم او رتبة او درجة ..اغنته الدولة عن تلك الامور ..ويظهر من خلال حديثه ان لديه شهادة عليا..وان لديه حسا بيداغوجيا وديداكتيكيا عاليا ..
التعليم في فلندا ديموقراطي، لا فرق بين مدرسة وأخرى ..ابن الوزير بحانب ابن عامل النظافة بجانب ابن الخباز والحداد والسائق ..حظوظ متساوية في الولوج الى الخدمات العمومية ..
هنا المدارس مقاولات تجارية ومجال للتفاخر بين أولياء الامور ووسيلة للتبعصص الاجتماعي وداومة تطحن الجميع في أتون المصاريف المكلفة. هذا بخصوص التعليم الخصوصي.
اما التعليم العمومي ..ملاذ من لا ملاذ له .. فان الدولة تتعاقد مع الخريجين..تكونهم على طريقة الوجبات السريعة ..وتلقي بهم في المدارس كيفما اتفق ..اللي صدق هوا هاداك واللي ماصدقش الله يهنيه..اهناك عبث اكبر من هذا ؟