بقلم: اياو حكيم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وبصَّر َبه من العمى، وأرشدَ به من الغَيِّ، وفتحَ به أعيُنا عُميا، وآذانا صُمًّا، وقلوبا غُلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ، وبعد.
ألتقي بكم أيها الاخوة والأخوات في موضوع جديد بعنوان” احذروا شياطين الإنس في رمضان “.
أيها الاخوة والأخوات هناك شياطين الإنس بدأت عملها وشنت حربها قبل أن يدخل علينا شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والتوبة والقرآن فهل يا ترى بدأنا نحن أيضا اعمالنا لنعلي ديننا ونعيد كرامة امتنا، هؤلاء السفهاء قد أعلنوا
ما في صدورهم فجسدوا حربهم علينا بالرذيلة والفساد والإفساد، حافظوا على كرامة هذه الأمة.
قال تعالى:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
فقد كُتب في اللوح المحفوظ أن هذه الأمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم ، ولذا جاء عند الترمذي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( أنتم توفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) وفي رواية ( إنكم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) فهذه الأمة كأنها مستقاة ومستوحاة من بين الأمم لفضيلتها ، وما حصل لها من فضيلة فباعتبار فضل رسولها صلى الله عليه وسلم، ثم لو تأملنا فيما بعدها، قال عز وجل ” أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ” كأن هذه الأمة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخرجت واصطفيت من بين الأمم من أجل أن تكون خيرا للناس، فأنت يا عبد الله ممن تنتسب إلى هذه الأمة، فلا يليق بك أن تعصي الله، لا يليق بك أن يرى خلق الله من الكفار والمشركين أن يروك على غير ما يريده الله منك، فأنت من بين هذه الأمة المصطفاة ” أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” فكأن هذه الأمة مطالبة بأن تسدي الخير للناس فما هو هذا الخير؟ هو خير الدين، لكن متى تحصل هذه الخيرية لهذه الأمة؟ هي حصلت لأسلافنا من الصحابة والتابعين وفي القرون المفضلة رضي الله عنهم، لكن متى تحصل لأواخر هذه الأمة ؟ قال جل وعلا مبينا أن الخيرية ما نالتها هذه الأمة عبثا ، ولا هي بالتمني والأهواء – لا – إنما بالفعل ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” ما الصفات؟ ” تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ” وهذا إن دل، يدل على أن قوام الأمم لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالإيمان وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، لأنها إذا قامت بهذه الأشياء الثلاثة رحمها الله.
أيها الاخوة والأخوات إننا نعيش في عصر طغت فيه الماديات والشهوات وانحرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات.
لقد كثر فيه شياطين الإنس الذين يدعون إلى الرذيلة ولا يحترمون زما ولا مكانا، إن شياطين الجن تصفد وتسلسل في شهر رمضان، أما شياطين الجن لم تسلسل بعد! بل تعمل جهرا أمام الناس. لا توسوس لهم في السر فحسب بل تزين لهم كل قبيح لتلهيهم عن طاعة الله وعن الذكر والأعمال الصالحة.
هؤلاء الشياطين الذين لم يسلسلوا وجدوا أرضا خصبة كي ينفثوا سمهم ويخرجوا الناس عن دينهم ويصرفوهم عن عبادة ربهم تحت مسمى الفن، إنهم شياطين الإنس.
تلكم الشياطين التى تعزف على وتر الجنس والدعارة والانحلال والتخلف تحت مسمى الفن. أي فن هذا؟! الذي لا يجد له موسما غير شهر القرآن يظهر فيه أجساد النساء بكل تبجح وكأن هذا الشهر لا حرمة له. كأن هذا الشهر هو شهر النوم أمام التلفاز وإمعان النظر في أجساد النساء. لا شهر الجد والعمل والعبادة والقرآن والصيام والصدقة.
شياطين قد فرغت نفسها وحلت محل شياطين الجن وهم في الواقع أخطر من شياطين الجن لأنهم من بيننا يعادوننا ويحملون لنا ولديننا الحقد والكره والحسد والغل، شياطين أشاعوا الفاحشة في خير الشهور عند الله وعند الناس.
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة).
أيها الإخوة والأخوات إنها حرب شرسة يشنها هؤلاء المجاهرون على دين الله وعلى الشباب ليخرجوا الناس عن دينهم رويدا رويدا. فاعقلوا ياشباب واعوا أن هناك اناس بينكم لا يريدون لكم خيرا ولا يريدون لكم نصرا ولا عزا ولا تمكينا
احذروا ياشباب هؤلاء، دين الله لن ينتصر بالمسلسلات، ولا بالمهرجانات، ولا بالموازين، دين الله لن ينتصر بترك البصر يذهب إلى أي ركن شاء، دين الله لن ينتصر بشباب جعلوا قدوتهم شياطين يلقون إليهم بالمودة والمحبة.
دين الله لن ينتصر إلا بشباب نشأوا في عبادة ربهم، دين الله لن ينتصر إلا بجيل القرآن، دين الله الله لن ينتصر إلا بالهمم العالية خاصة في شهر رمضان، فإن لم نفز فيه برحمة ربنا وغفرانه فمتي ؟! متي أيها الشباب ؟
شهر رمضان مدرسة تربوية تُدربك على تقوية الارادة، فهو فرصة لتتعلم تقوى الله وذلك لما فيه من أسباب الخيرات، فاستعد الآن بفعل الطاعات، وترك الشهوات، والمسارعة في الخيرات واحذر شياطين الإنس.
لقد تحدث القرآن الكريم عن هؤلاء الشياطين الذين هم أعداء كل نبي وأتباعه قال تعالى في سورة الأنعام:
( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون).
جعل الله لكل نبي ومن تبعه أعداء من شياطين الإنس والجن، يخالفونه، ويعادونه، قبح الله هؤلاء الأعداء ولعنهم.
فمن الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، والشيطان كل متمرد، ويأمرك بالمعصية ويبعدك عن الطاعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ” يا أبا ذر تعوذ من شياطين الإنس والجن” فقال: وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم، هم شر من شياطين الجن.
فالشياطين يضلون الناس سواء كان من الإنس أو الجن ويزين بعضهم إلى بعض القول المزخرف وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره.
فشيطان الإنس أخطر من شيطان الجن، لأن شيطان الجن يستعان عليه بالله فيفر ، تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فيفر وتطرده بقراءة القرآن وخصوصاً قراءة سورة البقرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة” رواه مسلم.
وكذلك: قل هو الله أحد، والمعوذتان، لقوله صلى الله عليه وسلم: “قل: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء” رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ويطرد الشيطان بالأذان، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ” إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوِّب بها أدبر”.
لكن شيطان الإنس تقرأ عليه القرآن كله ويقول لك” إنا هاهنا قاعدون”.
ما مصير هؤلاء؟
قال تعالى في سورة الأنعام: ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)
هؤلاء لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارج التي جعلها الله سببا للهداية، لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، هم كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى: (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون)
( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وقال تعالى:
هؤلاء الذين لا ينتفعون بجوارحهم وحواسهم كالأنعام، فالأنعام قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه، لأن الأنعام تفقه ما خلقت له بطبعها وإما بتسخيرها بخلاف هؤلاء فإنما خلقوا لعبادة الله وطاعته وتوحيده ، فمن لم ينتفع بجوارحه ولم يسخرها في طاعة الله فهو كالأنعام بل أضل. ويوم القيامة يندم ولا ينفعه الندم ويعترف بذنبه.
قال تعالى في سورة الملك: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير)
لقد ندم الفاجر على الأعمال والأقوال التي كان يروجها في الدنيا ويدعو إلى المنكر والرذيلة. هؤلاء يشجعون على الرذيلة.
أين الفضيلة؟ وما هي؟
الإنسان الفاضل هو الإنسال الخير، البار، الذي يحب الخير ويفعله، وقد تعني الفضيلة أيضا قوة في النفس، تمكنها من الانتصار على كل نوازع الشر وإغراءاته، وتسير في طريق الله.
بحيث يخرج الإنسان من التركيز على نفسه فقط، إلى الاهتمام بالآخرين. والى محبة الله والناس. نقول هذا لأن الخطيئة كثيرًا ما تكون انحصارًا حول الذات. حيث يريد الإنسان أن يرفع ذاته، ويُشبع رغبات ذاته ويمتعها، لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية، أو لذة نفسة.
فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس، وتصبح لونا من أشباع الذات، وبطريقة خاطئة، فالذي يحب المال أو المقانيات، إنما يجد لذة في المال وفي المقتنيات.
وكذلك من يحب الزينة أو الطعام، ومن يحب المناصب والشهرة، إنما يجد لذة في كل هذا، ومن يحب الجسد يجد لذته في الجسد، ومن ينتقم لنفسه يجد لذة في الانتقام.
الخطيئة إذن هي سعى وراء اللذة، أما الفضيلة فهي ارتفاع فوق مستوى اللذة حتى تجد إشباعًا لها في السعادة الروحية .
والسعادة غير اللذة، وكذلك الفرح غير اللذة.
اللذة غالبًا ترتبط بالحسّ ، بالجسد والمادة. أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح. ولذلك فالفضيلة إذن تكون ارتفاعًا فوق الخضوع للمادة.
أين الذين يدعون إلى الفضيلة؟!
أخي، أختي في الله: إن الفساد والإفساد من الشيطان وأوليائه اسمعوا ما قال نبينا صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء.
قَال حُذيْفة بن الْيَمانِ في الحديث الطويل:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ
قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ.
قد ترى أناسا بشحمهم ولحمهم وعظمهم لكنهم يحملون قلبوب الشيطين، وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة.
لقد تكلم علماؤنا وقرروا بأن هناك شيطان جني، وهناك شيطان إنسي، استناداً إلى قول الباري جل وعلا في سورة الناس:
( الذي يوسوس في صور الناس من الجنة والناس).
حتى قال بعض أهل العلم: بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضرراً، وأشد فتكاً.
ولذا فعلى المسلم أن يحذر هذا الشيطان أكثر، وأن يتعرف عليه أكثر، وأن يتفطن لطرقه وأساليبه أكثر، لكي يسلم من شره، وينجو من غوايته.
وأساليب شياطين الإنس في إغواء الناس، وأن شياطين الإنس أشدّ من شياطين الجن: سنتلمس بعض حيل وأساليب هذا الشيطان، لعل الله أن يعصمنا من فتنته:
يقول أهل العلم بأن:
كل من تعاون مع إبليس، وكان من جنوده في الإغواء، وتحبيذ المنكر والفحشاء فهو شيطان.
كل من كانت له مشاركات وجهود في صد الناس عن سبيل الله، فهو شيطان.
كل من دعى إلى طرق الباطل بأي أسلوب، وتحت أي شعار، أو مذهب، فهو شيطان.
إن الشيطان من هذا النوع أشد من شيطنة إبليس؛ لأن إبليس قال:(لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين 83)
سورة ص
وقال: ( لأحتنكن ذريته إلا قليلا 62) سورة الإسراء
فهو لا يريد التسلط على الجميع، بينما شيطاننا هذا لم يقتصر على الإغواء كإبليس، ولكنه تسلط بجميع أنواع الفتنة والإرهاق، يريد إغواء الجميع وإضلالهم واحتناكهم، حيث لا يدع أحداً ينطق إلا ما يوافقه، ولا يسعى إلا بما يهواه.
والله تعالى قال في كتابه:( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم 98) سورة النحل
ولم يقل استعذ من إبليس؛ لكثرة أجناس الشياطين وأنواعهم الذين يصدون عن سبيل الله. فما أكثر أعداء الرسل من شياطين الإنس، الذين ظهروا في كل عصر وبلد وفي كل فترة، وهم أشد ضرراً من شياطين الجن.
إن ورثة إبليس من شياطين الإنس، الذين سلكوا طريقته في تغـريـر بني آدم، وإغوائهم على الشر وتحبيب الرذيلة، وهجر الفضيلة، وتحبيب خيانة الله، باطراح دينه، ونبذ كتابه، إن هؤلاء أخبر الله عنهم بصفات من كتابه، يمكن التعرف عليهم.
فأخبر عن هؤلاء الشياطين أن طبيعتهم الاستكبار والفخر، وطلب العلو في الأرض، ورفض كل ما لا يصدر على أيديهم وإن كان صحيحاً نافعاً.
هذا الشيطان يعادي الحق إذا صدر على غير يديه، إنه يأمر بالسوء على اختلاف أنواعه وأشكاله، ويحبب الفحشاء للناس بكل وسيلة.
وها نحن نرى هؤلاء الشياطين في هذا الزمان يسمون الفساد إصلاحاً، ويسمون المؤامرات والفتن ونقض العهود تحرراً، ويسمون خيانة الله، ونبذ ملة إبراهيم وطنية، ويسمون ارتكاب الفواحش مدنية، ويسمون الدياثة حضارة وتطوراً، وعندهم نبذ كتاب الله رقيًا ومسايرة للزمن، وهكذا مما تلوكه ألسنتهم العفنة في وسائل الإعلام المختلفة، وتسطره أيديهم النجسة في الكتب العصرية، والنشرات الدورية، والصحف التي تفاقم شرها.
فما أحرى المؤمن أن يكثر الاستعاذة بالله من جنس الشيطان الرجيم، القاعد لعباد الله بالمرصاد القائل: ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) سورة الأعراف
فلقد تفاقم شر هؤلاء الشياطين، وكثر جنودهم وأولياؤهم وعمت فتنتهم، وكثر ضررهم، لقد سيطر الشياطين على أغلب المرافق، وتاجروا بالعقول، وتمويه الفكر، وبلبلة الخواطر، وقلب الحقائق، وتنويع الباطل، وتوزيعه بشتى الزخارف والألوان.
ومن صفاتهم السكوت على الحق، لقد قرر علماؤنا بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، كما قرروا بأن الناطق بالباطل والساعي فيه شيطان ناطق. وإليك بعض الأمثلة:
– فالمثبط والمعوق للناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحبب الرذيلة للناس بأي مصطلح، وتحت أي
مسمى.. شيطان.
– والذي يعمل لإزالة الحياء من المجتمع.. شيطان، والذي ينشر ما يخالف الملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية وينشر ما يفسد الأخلاق، ويذهب بالمروءة والحياء.. شيطان.
– والذي يغري الناس بقوله، أو فعله على تقليد أعداء الله ورسله في أزيائهم، وأخلاقهم، وأعيادهم، ومراسيمهم.. شيطان.
لأنه يقول بلسان حاله، أو بصريح مقاله، أو بسوء خصاله لمن قلدهم من أمثاله:(هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) سورة النساء، الآية 50.
– ومن أعظمهم شيطنة، ومن أشدهم خبثاً على الإطلاق من يعمل على إزاحة الناس عن ملة إبراهيم، وعن شريعة محمد عليهما الصلاة وأتم التسليم.
إنك لتجد الشيطان الإنسي مرهقاً متعباً، يلهث كما يلهث الكلب، لنشر دعايته، وترويج فكرته، وينفق الأموال الطائلة للصد
عن سبيل الله:(فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) سورة الأنفال، الآية 36.
فكن أيها المسلم على حذر ويقظة مما يقذف إليك سراً وجهراً، وظاهراً وباطنًا، واجعل كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هما الميزان الذي تزن به كل شيء، وكل أحد. فإذا أعجبك كلام أحد أو تبجحه بدعوى الإصلاح، فلا تجعل له في قلبك مجالاً حتى تنظر في سيرته وأعماله، وتقارن ما يقول بما يفعل.
فإذا كانت أعماله على وفق كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ورأيته حاملاً رسالة الله آخذاً بكتابه، عاملاً لنصرة دينه، مدافعاً عن قضايا المسلمين فذلك مؤمن رضي الله عنه ورضي عنه.
وإن رأيت أن أحواله وأعماله كحال المنافقين التي كشفها الله في القرآن، وأن ما يدعيه مجرد مزاعم يتاجر فيها بعقول الناس، ويلعب بعواطفهم، وأن أعماله ومبادئه مستمدة من الشرق، أو الغرب؛ فذلك شيطان، من جند إبليس، ودعاة الضلال مهما كبرت مكانته، أو كثرت كتبه ومقالاته، أو كثر أتباعه والمجندون لمبادئه، فإن الله تعالى يقول:( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) سورة الأنعام الآية 116.
فعليك أيها المسلم: بمعاداة من هؤلاء الشياطين، وإن قالوا ما قالوا، وادعوا ما ادعوا، فإنهم من شياطين الإنس، الذين هم أضر من ابليس أبي الجن وذريته.
وإذا كان الله أمرنا بالاستعاذة من جنس الشيطان: من همزه ونفثه ونفخه، ورفض خطواته عموماً، فأمره يدل بطريق أولى على معاداته ومنابذته في كل شيء، فواجب المسلم أن يتعوذ بالله متبرئاً من الشيطان:
من همزه: الذي يكون بالوسوسة والإغراء على الشر بجميع الوسائل، مقروءة ومسموعة، مرئية ومشاهده.
وكذلك من نفخه: الذي يكون بغرس الكبر، بأن يقذف في روع الإنسان أنه من نوع كذا، أو أنه من عنصرٍ سام، فيلهب صدره بالقومية الفلانية، أو النعرة الفلانية، أو يطغيه بمركزه، فيجعله بهذا، أو ذاك معرضاً عن الحق، ساعياً بالباطل كما وصف الله بعضهم بقوله:( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) سورة غافر، الآية 56.
ومن نفثه: بالشعر، والكلمات الرنانة المغرية على السير بالباطل، والتمادي فيه، معتقداً نجاح طريقته، بهذا النفث في آذان الناس. فإن الكثير من الناس يُخدع بالكلام المعسول.
وإليكم نوع آخر من شياطين الإنس:
– روى البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً ثم يرخي ستراً، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك، ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها، وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها. فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون.
قال: فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها. وحسنه الألباني .
هذا جامع زوجته في الحلال فما بالكم من يجامع نساء في الحرام ويحدث من شاء بذك او ينشر تلك الرذيلة؟
لقد تفاقم شر الشاطين في هذا الزمان، إلى حد أنهم أراحوا الأبالسة من الجن في كثير من الأمور، وأراحوا شياطين الاستعمار في كثير من المهام. فصارت فتنتهم أشد من القتل؛ وذلك لأنهم احتسوا من قيح الاستعمار ودمه وصديده، فأخذوا يمجونه على القلوب الطاهرة، وتجرءوا على ما لم يتجرأ عليه المستعمر قولاً، وعملاً، وتنفيذاً، وفتنة.
فأكثر أيها المسلم من الإستعاذة، متبعاً لها بالحذر واليقظة، والعمل الدائم لإعلاء كلمة الله، وحفظ حدوده، وأشغل نفسك في جميع أوقاتك بطاعته، كيلا تجعل للشيطان مجالاً، أو فراغاً ينفذ منه، فلا يحصل له عليك سلطان.
وإن خير ما شغل به المسلم نفسه، للتصدي لهذا الشيطان بعد إقامة أركان الإسلام: الدعوة إلى الله عز وجل، والعمل للإسلام، والبذل للدين، ومن جملة العمل: التصدي لهؤلاء الشياطين بفضح خططهم، وتوضيح أساليبهم، وتحذير الناس منهم، تحذيراً عاماً وخاصاً، واستغلال بعض المناسبات لتحذير الناس من شر هؤلاء الشياطين، وتبيين مدى خطرهم.
والمفرّط في دينه، إما بترك بعض الطاعات، أو إرتكاب بعض المخالفات، أو الغفلة والجهل بهؤلاء الشياطين، فإنه لابد من استيلاء الشيطان عليه، من بعض النواحي والجوانب، والمعصوم من عصمه الله. فنسأل الله أن يقينا شر أنفسنا، وشر الشيطان وشركه. اللهم من أراد الإسلام والمسلمين من شياطين الإنس والجن بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدبيراً عليه يا رب العالمين.