رمضانات مغرب الأمس (سيرة ذاتية)
الحلقة الثامنة : موعد مع الظلم
كان السائق يتمتم ببعض كلمات الرجاء والتوسل لدورية الدرك التي استوقفته عند المدخل الغربي لمدينة القصر الصغير بينما كنا نحن نقبع في خلفية الشاحنة دون أدنى حركة أو ضجيج.
– شوف آ الشاف والله العظيم ما عندي فالجيب غير هاذ 10 دريال ( 5 دراهم ) والله ما خباعت عليكم شي حاجا
– تا مال هاذ القوالب ما بغاوش يتسالاو منك .. كل نهار كتبكي .. 5 دراهم شغاد نديرو بها حنا بجوج .. البارح قلتليك الطاريف 10 دراهم .. دابا غادي نزل لموك دوك الباياصات كاملين .. جبد بعدا الوراق .. آرا نشوف
– حرام عليك آ الشاف راني مولا وليدات .. والله العظيم ما عندي أكثر من هاذ الورقة د 10 دريال
– حرام عليا . ؟ شايفني كناكول رمضان ولا مشفرليك رزقك ؟؟ آ شنو هاد الهضرة ؟؟ .. والاكن بصح حرام عليا إلي ما خليتش دار بوك المرا لي فاتت ملي حصلت عندك ربطة تاع الكيف .. دوي آ الحمار
– والله آ الشاف ما عندي ما نقول .. دير لي تشوفو واجب أنا بين يديك
– ندير لي نشوفو .. ويا الله توكل على الله نزل لي دوك الصنادق نشوف شنو هاز فهاد الكاميو ..
كنا نرتعش ونحن نتابع حوار السائق مع عناصر الدرك .. وما أن سمعناهم يتحدثون عن إنزال الشحنة حتى قفز عبد اللطيف من مكانه وبدأ يبكي خوفا
– آيمي الحبيبة ماش يشبرونا الجادارميا .. ألطيف آخاي عورناها
– سكوت آبنادم .. عندك يسمعوك
– ويسمعو .. وهما دابا ماش يطلعوك بحال الحولي
– وحنايا شني عملنا .. حنا غير راكبين .. ما علينا ما بنا
– راكبين ؟ ويلا رجعوك لباباك ماش يركب ليماك القطينا ( المينوط )
– وشني ماش نعملو .. ؟
– نهربو ..
– وفاين حنايا دابا بعدا ؟ فاين ماش نهربو فهاد الخلا ؟
– أنا سمعتو كيقول لهاديك الجبلية .. القصر الصغير
– القصر الصغير ؟
– وشحال باقي لتطوان
– وا تطوان بينك وبينها شحطا ما توصل بالطوموبيل حتى تشحف .. أما على رجلك غير نسى
عدنا نسترق السمع فإذا بالسائق يفتح حاجز الشاحنة الخلفي ودون أن ينظر إلينا حمل صندوقا من التفاح وآخر من الطماطم وثالث من البطاطس .. ووضعهم أمام رجلي الدرك ..
– هانتوما آ الشريف .. الرزق دلوليدات نعطيه لكوم
– حتى حنا عندنا وليدات .. ولادك ياكلو وولادنا ألآ ماشي معقول .. زيد أنا كنشم ريحك الحوت
– غير السردين آ الشاف .. وماشي حتا لتما
– وا يا الله ملي ماشي حتا لتما .. سير لمك حتى تجيب الروجي المرة الجايا والله يا ………. المرا الجاية ألف فرانك ولا نخلي دار بوك يا الله تحرك
—————-
كانت شمس الظهيرة حارقة ونحن نقاسي الويلات بين الصناديق المتهاوية علينا .. ومع بكاء عبد اللطيف وصراخ عبد الرحمن فقدنا أعصابنا وبدأنا نطل على السائق ونسأله كم بقي لنا لكي نصل إلى تطوان .
– والله يا والديكم وما سكوتو .. دخل راسك آ وجه النحس .. والله وما سكتو حتى نـــ ..
كان يصرخ فينا وقد بدى عليه القلق الشديد جراء ما خسره من مال وبضاعة .
أوقف الشاحنة على حافة الطريق ووقف يتحدث مع أحدهم وكانت تبدو على الرجل الآخر علامات الرخاء .. كان يلبس جلبابا أبيضا نظيفا ويضع على رأسه طربوشا تقليديا أحمر اللون وبيده بعض الأوراق والملفات
– وشكون هما ؟ واش عندك شي سميات ولا غير كتحرق ليا راسي
– آ سيدي الحاج .. راه واحد كيقولولو الشاف إدريس والثاني باقي صغير يكون فعمرو شي خمسة وعوشرين عام
– صافي .. صافي عرفتو .. الشاف ادريس .. شعرو خفيف
– ما نعراف أسيدي الحج .. راسو ديما مغطي بالطربوش
– صافي سير ولا عليك .. أنا غادي نهضر مع المعلم ديالو .. قولي بعدا عندك شي سردين
– وكاين شي بركة ولكن ماشي حتى لتما .. حتى لغدا ونجيبلك الطراوا
– واخا مزيان .. ونزلي شي جوج صنادق دتفاح وجوج بطاطا وأربعة ماطيشا
– عندي الطحين آ الحج بغيتي شي شكارة
– واش زرع ولا فورس
– ألا ..زرع .. مخير
– يا الله ارا نشوف وكون هاني غدا ماش نساليلك الموضوع
كان شمال المغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يعيش ارتباك في الولاء من قبل الساكنة وحالة تسلط وظلم من قبل هذا المسؤول وذاك وكانت رقاب الضعفاء وما ملكوا رهن إشارة رجال السلطة ومن والاهم . لم تكن الشكوى تنفع كثيرا فمغرب ما بعد الإستقلال لم يعترف بشمال المملكة كجزء من المشروع الوطني وظلت لسنين كثيرة مهمشة . ولعل في ذلك سر .. فبعض أهل الشمال لم يخفوا يوما قلقهم من الضرر الذي لحق بهم بعد مجيئ الإستقلال .. على الرغم من كون معظمهم شاركوا في صنع هذا الإستقلال سواء في منطقة طنجة الدولية أو تطوان دار الخلافة . أما أهل طنجة بالتحديد فكانوا يعبرون صراحة عن رفضهم لحكم من يسمونهم قدحا بـ ( العروبيا ) وظلم أهل الداخل .. بينما أدرك التطوانيون بدهاء كيف يتعايشون مع النظام الجديد.
كان المغرب في حالة مخاض مستمر .. مخاض كانت نتيجته هجرة الكثير من العائلات الطنجاوية والتطوانية إلى بلجيكا وإسبانيا وهولاندا .. وهي الهجرة التي تلتها تبعات كبيرة لا زالت بعض الأسر تدفع ضريبتها لغاية اليوم.
—————-
طلب منا السائق أن ننزل من الشاحنة وهو يلعن ويسب بسبب ما عاينه من أضرار في بضاعته وكانت رائحة كريهة تفوح من الشاحنة فمعظمنا لم يجد مكانا يقضي فيه حاجته ( المائية ) وما كنا لنستطيع النزول.
– وا ليني ولاد الحرام أنتوما .. شنو هادشي .. يا لطيف يا لطيف على ريحة يكما بلتو فالكاميون ؟؟
– والله آ الشريف ما أنا .. هو
– لا .. لا هو والله إيلا هو ما شي أنا .. أنا عملت فالردومة دبيبسي ( في قنينة )
– نتينا عملتيها فبيبسي .. وهاذا شنو هادا .. كرفتولي السلعة الله يكرفس والديكم نزلوا الله ينزل عليكم شي موصيبة .. آجي يماك أنتينا ( وبدأ يضرب )
– الله يلعن الطاسيلا دباباك آ ود الحرام ..
عالجته بحجر في الجبهة ففر الدم منها فورا بينما كان عبد الرحمن يحاول تحرير أحمد من قبضته .. كان عبد اللطيف يهدده بأنه سيكسر زجاج الشاحنة .. فحررناه أخيرا من يده وهو يتوعنا وقد غطى الدم وجهه.
كان علينا أن نمشي ما يناهز15 كيلوميترات وهي المسافة التي تفصل مدينة المضيق عن مدينة تطوان .. سألنا أكثر من شخص عن أسهل طريقة للوصول فأشاروا علينا بضرورة الركوب في سيارة أجرة أو إنتظار حافلة ( البرادلي ) . فلا مال الأجرة موجود وما كنا نملك غير تفاحتين وبعض حبات الطماطم وثياب تفوح منها رائحة السردين العفن.
كنا منهكين فقررنا النزول إلى شاطئ البحر للإستحمام .. كان الوقت قد تجاوز العصر وبات آذان المغرب قريبا .. لكننا صممنا على الإستحمام . وليكن بعد ذلك ما يكون.
كنا على يقين أن أهلنا يبحثون عنا في كل مكان
ساد الصمت لفترة ونحن نتحاشى الحديث مع بعضنا البعض وكأن كل منا كان منخرطا في عالمه الأسري الذي تركه من وراءه , الفراش الدافئ وصحن الأكل الساخن وحضن يأوي, وكأن كلا منا كان يراجع نفسه فيما فعل وما ستؤول إليه نتيجة هذه المغامرة.
فالرحلة إلى تطوان لا تزال طويلة والجوع بدأ يفعل فعله في بطوننا والخوف , الخوف الذي انتابنا مع أولى تباشير الغروب ..
فما الذي حدث بعد ذلك ؟ ( يتبع )
صفحة الكاتب: www.acradiousa.com
الحلقة الأولى: جريمة الكاو كاو
الحلقة الثانية: في ضيافة الدرك
الحلقة الرابعة : الجارة “حبابي ماريا”
الحلقة الخامسة: فلقة البوليبار
الحلقة السادسة : الحريرة فالبراكا
الحلقة السابعة: الهروب إلى تطوان