رمضانات مغرب الأمس (سيرة ذاتية)
الحلقة السادسة: الحريرة فالبراكا
—————-
ورمضان في بداياته تكون أحوال المنازل وعادات ربات البيوت المطبخية مرتبكة بعض الشيء وهو أمر طبيعي بحكم التعود. لكن هذه الربكة والفوضوى التي تجتاح البيت مع بداية الشهر المبارك كانت فرصتنا نحن القرود ( العفاريت ) في اقناص الكثير من الغنائم ( المأكولات المسروقة بصراحة شديدة ) ولتخزين غنائمنا عادة ما كنا نبني براكة ونغشي سقفها بالقصب و الأغصان ونغطيها بالبلاستيك وبذلك نطمئن لتحولات الطقس.
لكن ما خطر ببالي ذات ليلة من ليالي رمضان كان أكثر من كل ما سلف فقد اختليت بعبد اللطيف وأحمد التيرا وأخبرتهم أننا يجب أن نطبخ حريرتنا بنفسنا ونحشيها كل اللحم الذي بحوزتنا وإلا فإن أية محاولة لشوائه ستفضح أمرنا وامر براكتنا ( كوخنا ) مما سيجر علينا فلقة مؤكدة . فمحتوى المسروقات من بيتي وبيت عبد الرحمن وأحمد وعبد اللطيف كان يمكن أن يلقي بنا في دهاليز العذاب على يد آباءنا.
أما أنا فسرقت من الثلاجة ذات صباح ما يناهز نصف كيلو من اللحم وحوالي عشرة حبات طماطم واربع كبلوغرامات من الدقيق .. فيما ذبح عبد الرحمن دجاجة والدته العويتقا التي كانت تبيض لها كل صباح بيضتين شهيتين . وأربع قوالب سكر وزيت كثير أما أحمد فكان الأكثر سطوا إذ أنه وضع كتف خروف بكامله في حقيبته المدرسية المترهلة وحمل معه أربع علب من الشاي الأخضر والكثير من البغرير والمسمن وكلنا كنا نعتقد أنه صارح والدته بالحقيقة فأعطته كل ذلك , لكنه كان يقسم أنه سرقها وانه لم يفشي السر.
– قول والله
– والله ما قلتلا والو
– وكيفاش ماجي بالنص د الحولي كامل زعما عندكوم الكسيبا فالكوزينا
– ولا .. هاذ الكتاف د الحولي كانت مش تديهم يما ( أمي ) صدقة لواحد المرا مسكينة وأنا كنعرف ديك المرا وقلت نيما ( قلت لأمي ) خليني أنا نديهملا ..
– تبارك الله وفرمضان آصحبي حرام عليك
– وانتوما ماشي حرام عليكم
– لا أخاي حنايا سرقنا من ديورنا ما شي من الرزق دالموساكن ( المساكين )
– شوف أنا عندي فكرة .. نطيبو الحريرة نعمروها باللحم والجداد ( الدجاج ) ونعمرو شي سطل ونديواه لديك الرما المسكينة وناكل حتى حنايا ..
– حتى نشبعوا حنايا
– لا .. هي اللولا .. الأولى حيت غيولي (سيصبح ) كلشي حرام فحرام فرمضان
– فهمني دابا هو ما سرقشني من الماكلا د دار ديالوم هو سرق الرزق ديك المسكينة حيت يماه قالتلو يدي اللحم نديك المرا .. فهمتى دابا
– دابا فهمت وبلا ما تغوت آ ,,,,
– صافي كلس وسكوت .. شوف هاد اللحم خصا تمشي لديك المرا دابا وحنا عندنا باش نعدلو حريرة مخايرة بالجداد ( الدجاج )
وبالفعل حملنا اللحم وأرغمنا أحمد على تسليمه للسيدة المعدمة ثم عاد إلى بيته وجاء لنا بضلع خروف أدركنا بعدها أنه حلال لأنه سرقه من بطن إخوته وأمه وأبيه وليس من الأغراب ففي عرفنا لم السرقة من رزق الآباء حرام
—————-
قطعت الطريق المؤدية إلى حي المصلى كان علي أن أقطع حي إيبيريا ثم المشي على الأقدام حتى المدرسة الإسبانية (Ramon y cajal ) ومنها النزول إلى المصلى حيث كنت أتوقف كل لحظة للتفرج على المعارك ( التشنديلات ) التي كانت تشتعل بين الباعة والباعة والباعة والزبائن وتلك التي كانت تنشب بين شخص وذاته , مثل سلام الحوات الذي كان مشهورا بتدخين السبسي وكان شهر الصيام يرغمه على الإنفصال عن المخدرات فكان ضغطه يرتفع وتحمر عيناه ويبدأ في الصراخ سبا ولعنا وتقديحا في أشخاص لا يسميهم بالإسم ولكن يشير إليهم بكلمات بذيئة وهو يحملهم مشاكل السوق وقلة الزبائن وانقطاع الرزق الوافر
– ما تقولو ليشي بأن المغرب ما فيهش الحوت .. آعباد الله البحر نشفوه العروبيا وبنادم ما بقاشي كيشبع يا ربي اللطيف .. شعاندك كتشوف انتينا يا الله تحرك شري ويلا باغي شي حوت ولا درق كمارتك
فيستنفر الأخر ويرد بوقاحة فيغضب سليمو أو سلام الحوات فتخرج السكاكين ويبدأ تقطيع الوجوه .. وكان الوجه دائما هو هدف المهاجم فالرشمة يجب أن تكون في الوجه لتحدد الفائز في معاركهم
—————-
اختلفنا على مقدار الدقيق والماء والكرفس والطماطم وكان كل منا يجتهد وينفد ما يراه داخل القدر وفي تلك الحريرة المعذبة بين أيدينا ..
بدأت تغلي بشكل غريب وبدأت تتطاير منها فقاعات ساخنة وكانت البراكا صغيرة جدا على أربعة أطفال ونار وقدر مليء بالحريرة التي تغلي على فحم ملتهب .. حاول أحمد أن يمسح بعضا مما يتطاير على حنبات الكوخ الصغير فضرب برجله القاعدة التي تحمل القدر فانقلب وحول المكان إلى أرضية تغلي حرقت أقدامنا فتطايرنا نحو الخارج نصرخ.
سقط سقف الكوخ على النار وما هي لحظات حتى كان لهيبها قد وصل إلى أغصان الشجر ساعتها أدركنا أن المصيبة وافعة لا محالة فصرخنا نطلب النجدة تقاطر سكان الحي وأفراد أسرهم وتعاون الجميع على إخماد النار ونجحوا في ذلك بعد ساعتين من العمل المضني.
تناهت إلى سمعنا بعض الأخبارالتي تقول أن العفاريت هم من أضرم النار وأن حبابي ماريا الجارة هي التي أبلغت عنا حين شاهدتنا نشعل النار قبل إدخالها للكوخ.
طلبت من الشاطين أن يمهلوني فرصة للتأكد فناديت على أختي وسألتها فأخبرتني أنني مطلوب أمام العدالة الأبوية متى ما ألقي علي القبض وان أبي يرغي ويزبد وجدتي تخاصمه بسببي أنا.
فهمت الرسالة وعدت للعصابة واخبرتهم أنها مسألة وقت قبل أن يمدونا للفلقة.
فاتخذنا قرارنا بالسفر إلى بيت خالة عبد الرحمن بمدينة تطوان .. فكيف نفذنا عملية الهروب ؟ وماذا عن وسيلة التنقل ؟ ( يتبع )
صفحة الكاتب: www.acradiousa.com
الحلقة الأولى: جريمة الكاو كاو
الحلقة الثانية: في ضيافة الدرك
الحلقة الرابعة : الجارة “حبابي ماريا”
الحلقة الخامسة: فلقة البوليبار