لا شك أن من سيقرأ عنوان مقالتي اليوم سيتساءل: ما بصاحب “يازمان الوصل”, وبعد أن خاض في موضوع العفاريت والتماسيح والغيلان, نجده اليوم يختار الحديث عن الهواتف!!؟ أسيحدثنا عن دور الهاتف, خصوصا الذكي منه, لنصل الأرحام, ونسمع ونرى الأحبة والخلان!؟. أتراه دخل مع صاحب الموقع في صفقة إشهارية لأحدى أنواع الهواتف الذكية, وبدل “زمان الوصل” سينزل وصلة إشهارية لها!!؟ أتراه سيحكي عن حالات الغش التي إجتاحت إمتحانات الباكالوريا لهذا العام, والتي كانت فيها الهواتف الذكية من إيفون, وسامسونغ,…المتهم الرئيس !؟ هل سيعيدنا في “زمان الوصل” إلى الزمن الجميل الذي كان فيه الغش في الإمتحانات من “تحراز”, و”تحناش”, و”نقيل” بدائيا وبسيطا وجميلا, ويقارنه بآخر صيحات الغش, والتي أصبح الفايسبوك وتويتر ب”هاشتاغاتهما” يؤرخان لها!؟ أم جاء ليحدثنا عن الهواتف المزورة والمقلدة التي دخلت الأسواق لتنزع بعض الهيبة عن الجيل الجديد من الهواتف الذكية, تماما كما فعل التمساح المزورالذي نزل الأسواق بذيله المعقوف, وبفمه الفاغر ذي الأسنان المتراصة, وساوى وعدل بين أنواع الألبسة والعطور وأرسى الطمأنينة في قلوب كل من لم يستطع لألبسة وعطور التمساح الحقيقي سبيلا!!؟
ربما سيكون عنوان مقالتي جذابا لأجيال التقنيات الحديثة أو التكنولوجيا الذين ألِفوا الرسائل القصيرة على شاشات هواتفهم ولم يذرفوا دمعة كما فعلت أجيالنا وهي تكتب رسائل الغرام, وتناشد قريحتها أن تجود عليها بما يجعل المتلقي يذرف أدمعا!! ربما سيقولون: سيحدثنا عما لا يجيد التحدث فيه, فبينه وبين عوالم التكنولوجيا وأدبياتها سنوات رقمية!! ربما سيستنكرون مقالتي فقط من خلال عنوانها, وهم الذين اعتادوا النقر على الشاشات, وتمرير أصبع السبابة, عكسنا نحن الذين إعتدنا الريشة ومداد “ادواية” وشذبنا وقلّمنا عود القصب لنصنع منه أول أقلامنا لنغمسه في مداد مزاجه صمغا, نكتب به على اللوح أول الكلمات, وأول الآيات الكريمات, لنمحوها بالصلصال, بعد حفظها واستظهارها على مسامع الفقيه, الذي يكون قد أذاقنا من بركات”زلاطه” ما تيسر من الضرب مثنى, وثلاث,ورباع وخماس
لأضع حدا لكل هذه التساؤلات, والتخمينات, والحيرات فإنني اليوم سآخذكم
لأحدثكم عن هواتف عصر الجاهلية الخارقة!!!, وهي هواتف الشعراء أو شياطينهم
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى زهير بن أبي سلمى قبل البعثة وقال: “رب أعذني من شيطانه”. ولأن الشعر الجاهلي كان تراثا مرويا فإنه كان لكل شاعر راوية يروي شعره وينقله بين الناس, كما كان لكل شاعر هاتف, أو شيطان, أو هاجس, أو قرين أو رئي يلقي في روعه شعرا. ومن كان شيطانه أمردا كان شعره أجودا. بل وكانوا يتفاخرون بشياطينهم حتى قال أحدهم
إني وكل شاعر من البشر***شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
فما رآني شاعر إلا استتر***فعل النجوم إذا عاين القمر
كما أن لكل شيطان من شياطين الشعراء إسم. فكان شيطان امرئ القيس مثلا هو لافظ بن لاحظ, وشيطان الأعشى هو مسحل بن أثاثة, وشيطان النابغة الذبياني هوهاذر بن ماهر, وشيطان طرفة بن العبد هوعنتر العجلان… وكانت تسكن ثلاث أودية هي “وادي زرود”, و”وادي الأرواح”, و”وادي عبقر” الذي ذكره “ابن شهيد الأندلسي” في رسالته “التوابع والزوابع” ليتخيل رحلة إليه يلتقي فيها بشياطين الشعراء من الجاهلية حتى العصر العباسي. ويسمع منهم ويسمعوا منه ومن شعره وخطابته ويجيزوه كما فعل شيطان الجاحظ حين قال له:” إذهب فإنك شاعر وخطيب” أو كما قال فيه شيطان المتنبي:” إن امتد به طلق العمر فسينفث بدرر
.”
وإذا حاولنا أن نتقفى أثر ابن شهيد, ونتخيل ما تخيله, فإننا سنحار بأي واد سنلتقي بشيطان خالد البدوي مثلا. أيسكن شيطان شعره وادي “البطحاء”!!؟ أم الواد الذي يخترق الحي الجديد, والذي يمر بمحاذاة بيت صاحب زايو سيتي!!؟. وسنحار أكثر إذا وددنا لقاء شيطان الزبير خياط. أترانا سنجده في وادي “إسلي”, أم في “الواد الناشف”, أم أنه يرحل مع شاعرنا أينما ارتحل, ويسكن اليوم بالواد المحاذي ل”لطويحين”!!؟. ثم إذا كانت الشياطين تلقي في روع الشعراء الشعر. فكيف يا ترى وأين إجتمع شيطان جزائري وشيطان مغربي ليصوغا ويؤلفا لنا قصيدة جاءت على لسان الشاعر بغداد, وشاعرنا أحمد لحمر!!؟. أترى الشيطانين يسكنان “واد كيس” الذي يفصل السعيدية عن مرسى بن مهيدي!!؟ وإذا كان كذلك, فبأي الشاطئين يصيفان ويستجمان!!؟ أترى لهما معبرحدودي”زوج شياطن” كمعبر “زوج بغال” المقفول إلى إشعار آخر!!؟. ثم إذا افترضنا أننا سنلاقي كل هذه الشياطين في تلك الأودية. فبأي الأسماء سميت!؟ أسئلة ما أظن شاعرنا لحمر ولا شاعرنا بغداد يعرفان جوابا لها. وإن كنت أثقلت عليهما بسؤالي هذا, فسأخفف عنهما في مقالتي القادمة التي ستكون إهداءً مني لهما بحول الله.
رشيد محيي- إسبانيا
السلام عليكم ورحمة الله .
دائما ما تفاجئنا بمقالاتك الجميلة .وها أنت تأخذنا اليوم بأسلوبك السلس وخيالك الواسع من عالم التكنولوجيا الحديث الذي أغرقنا في متاهات الأخبار والمستجدات التي لا تترك للإنسان وقتا ولا فرصة للتحليل ولا للنقاش،ناهيك عن الاستنتاج والإدراك ..تأخذنا الى الزمن الجميل الذي كانت فيه البساطة والتلقائية هي التي تشكل ذلك الإحساس اليومي بالزمن والوقت ،بل و باللحضة وجماليتها ..بكل تداعياتها وارهاصاتها .
كما يقال ،فإن جمالية الشيء تكمن في بساطته. تحياتي .
Un grand salut pour toutes nos poetes.notre ville et fiere de vous .et de toi egalement cher rachid.
Toujours innovant dans tes articles. Cette fois-ci ce sont les poètes et leurs ” Muses ” qui fait l’essence de ton texte. Comme on a toujours entendu qu’en chacun de nous dort un poète. Il y a ceux qui le réveillent, le tiennent en éveil et se lie d’amitié avec ce nouvel être qui serait son “double” lequel est appelé communément” inspiration”.
Pour toi, c’est sûrement en Espagne que tu as pu trouver cette âme sœur. Nous aussi, nous te remercions du fond de la belle époque pour cette noble dédicace.
شكرا رشيد.انك فعلا تستحق ان تحب
قراءة أولى و لي عودة أخي رشيد
أحبك حتى ترضى أيها البهي
شكرا على مقالك الذي ذكرت فيه شعراء المدينة,تحية لهم جميعا و تحية خاصة الى الشاعر الكبير يوسف توفيق و جميع مثقفي المدينة .
و مزيدا من العطاء.
تحياتي أخي محيي، أسلوبك جميل، سهل ممتنع، تحاول أن تحيي زمن القلم والريشة والرواية الشيقة في زمن طغت فيه التكنولوجيا حتى أصبح الحديث عن “الدواية” من حكايات ابن المقفع في كتابه “كليلة ودمنة”.
شكرا لك على هذه الوصلة الإشهارية لزمن البساطة والسعادة الصفتين المفقودتين في زمن المادة و”iphone”
الله يحفظك الاستاذ ويا اخ صديقيالعزيز الاستاذ محمد بلغ له السلام ولكل العائلة في زايو الحبيب وخارجه واتمنى لك التوفيق في ماتتمناه ا