اعداد – مصطفى الوردي
المذكرة السادسة والاخيرة
القيام بواجب أجره عند الله
وفيما يتعلق بالباخرة دينا ، فإن الحاكم العسكري لرأس الماء توجه مع حاكم زايو وبعض جنوده إلى مكان الباخرة وبعد معاينتها أقام عليها حارسا من القوات المساعدة وعاد إلى مقر إقامته ، أما أنا فاتصلت ببعض الرجال العاملين معي في الحزب وقمنا بنقل الأسلحة إلى منزلي ووضعها في مطامير أحكمت إغلاقها كما وضعت بعضا منها بداخل بعض الأماكن التي قد لاتصلها أيادي التفتيش . وبعد اطمئناني على تخرين الأسلحة عقدت إجتماعا مع جميع الأفراد الذين عملوا معي في هذه العملية ، وقلت لهم أتدرون ماذا صنعتم ؟ هل عرفام مابداخل تلك الصناديق ؟ قال أحدهم نعم إنه السلاح أنزلناه من البحر وحملناه على ظهورنا ووضعناه في أماكن خاصة ويكفي لتسليح جيش بكامله ، فقلت لهم إن السلاح يساوي الموت وإن أي أحد منا سرب معلومات او قام بأي تصرف يدعو إلى الشك والأرتياب فقد حكم على الجميع بالموت ، فكونوا يقطين وحذرين وفعلا كان هؤلاء الرجال في مستوى المسؤولية ومستوى الحدث الهام .
وأعود لطاقم الباخرة . لقد منحتهم السلطة المحلية بيتا للإقامة فيه إلى حين إصلاح سفينتهم ، وكنت ألتقي بهم في الليل عندما يحل الظلام ويتوقف محرك الأنارة بمركز رأس الماء فأطلع على أحوالهم وأترقب كل معلومات جديدة حولهم .
وبعد أيام ، كنت بمدينة الناظور أتجسس الأجواء والمستجدات وألتقي بعض الإخوان ، وكنت أنزل فندق السيد عبد القادر بوعنان وفيه إلتقيت بالسيد صفي الدين حسن ” لعرج ” ولم تكن لي معه سابق معرفة ، لكنه أصر على الحديث معي بعد أن دله بعض الإخوان على شخصي فكنت أتحدث معه بكل تحفظ فقدم لي نفسه على أنه من رجال الحركة الوطنية ، وأنه لاجئ من مدينة الدار البيضاء إلى تطوان ، وأن جماعة الإخوان المناضلين بتطوان علموا بقدوم الباخرة دينا ، فأرسلوه لإستطلاع الاحوال ومعرفة مصير السلاح ـ وبعد ان تناولنا الطعام في أحد المطاعم أخرج كمية من النقود ليسلمها لي فقلت ماهذه ؟ قال ” إن الإخوان أرسلوا هذه المبالغ للرجال الذين عملوا معك “فقلت ” إن أبناء قبيلة كبدانة لايرضون أن يساوموا على وطنيتهم وأن النقود في هذا العمل ستحط من قيمته وقد تضيعه وتضيع أصحابه ” وشكرني وافترقنا .
شاء القدر ، ذات صباح أن يعثر أحد الحراس الذي كان يحرس الباخرة ” دينا ” على جزء بندقية كان مدفونا تحت الرمال ، وتعرى بفعل الرياح ، فقدمه إلى الحاكم الأسباني برأس الماء الذي أرسله مع تقرير إلى الحاكم الأسباني بالناظور الذي احاله بدوره على المقيم العام الأسباني بتطوان ، وبعد عرضه على اختصاصيين أقروا بأنه من صنع دولة اجنبية مما يثبث أن سلاحا جديدا قد دخل المنطقة ، وأعطيت الاوامر بتشديد الحراسة والمراقبة في كل مكان وفي جميع الطرقات والمنافذ البرية و البحرية ، خصوصا لما وجدت هذه القطعة قرب موقع الباخرة دينا ، مما قد يترتب عنه ما لاتحمد عقباه ، وامرت السلطات العسكرية بالناظور باعتقال كل مشتبه فيه وإرساله إلى الأقامة العامة بتطوان للتحقيف معه ، وهكذا بين عشية وضحاها ، انقلبت الأوضاع من الهدوء والسكينة إلى القلق والاستنفار وتناثرت فرق البحث والتقصي في كل مكان .
أما الجواسيس عيون الإستعمار سواء لفرنسا أو إسبانيا فحدث ولا حرج . ولما وصلت . ولما وصلت الأخبار إلى الزعيم عبد الخالق الطريس عقد اجتماعا بالمقيم العام الأسباني بتطوان السيد ” غارسيا فالينو ” ثم وقع الأتصال بالجنرال ” فرانكو ” رئيس دولة إسبانيا بمدريد ، نتج عنه إنفراج في درجة المراقبة والتفتيش .
هذه الظروف جعلتني أبحث عن طريقة تؤمن نقل تلك الأسلحة إلى الحركات المسلحة في المغرب والجزائر قبل أن تسقط في يد الإستعمار ، فتذهب جهودنا وتضحياتنا أدراج الرياح . وبما أن أمر توزيع السلاح بالمغرب يتم بطريقة سهلة ، فإن العكس هو الحاصل بالنسبة لإدخال السلاخ إلى التراب الجزائري ، خاصة وأن العملية تتطلب نقل تلك الأسلحة بسرية تامة من دولة لأخرى . فاتصلت بالسيد شيبان عمرو الجزائري وطلبت منه وضع خطة لنقل السلاح إلى الجزائر في أقرب وقت ممكن فوعدني بأنه وضع خطة لنقل السلاح إلى الجزائر في أقرب وقت ممكن فوعدني بأنه سيتصل بالسيد ” محمد بوضياف ” الموجود بالقاهرة . وبعد أيام توصلت من السيد بوضياف برسالة يقول فيها ” أرجوك التريث بعض الوقت وإذا تعذر عليك أرجوك مساعدة الإخوة الجزائريين على تحويل ونقل البضاعة التجارية ، وبيعها ” بعد ذلك إتصلت بالإخوة الجزائريين بالناظور وأخبروني بأن السيد العربي بالمهيدي قد نوجه إلى الجزائر لوضع خطة مناسبة لأدخال السلاح ، ولما عاد اتصلت به ، فأخبرني أن لديه خطتين اثنتين : إحداهما عن طريق البحر والثانية عن طريق البر مع تأمين سرية السلاح بالدرجة الاولى .
وبعد دراسة هاتين الخطتين ، تبين أن البرية منها محفوفة بالأخطار بسبب الدوريات العسكرية وأجهزة المراقبة على الحدود وتم تفضيل الخطة البحرية موهما اجهزة المراقبة بانه يصطاد السمك حتى يصل إلى مكان يسمى ” واد العنابرة ” بالساحل الجزائري ليجدوا في الإستقبال جماعة تقوم بنقله داخل التراب الجزائري ، علما بأن القارب سينطلق من مكان يسمى ” جرف الطير ” بشاطئ رأس الماء ويمر بالجزر الجعفرية وهي عبارة عن جزر توجد بها ثكنات عسكرية مجهزة برادارات ووسائل المراقبة .
وفي اليوم المتفق غليه اخترت 4 رجال من رفاقي وهم :
– محمد الأدريسي
– محمد الفراغي
– أمحمد الفراغي
– محمد الرحماني
وكلفت أربعة آخرين بحمل كميات من السلاخ على ظهور الدواب والتوجه بها إلى جرف الطير وشحنها في القارب وهم :
– شوراق أحمد
– شوراق عمر
– سرار علي
أحمد حادوش
واتخذت أنا موقعا غير بغيد لمراقبة سير الغملية ، وفي تلك الأثناء أقبل علي أحد أقريائي يرافقه شخص جزائري ، فسلمني الجزائري رسالة تتضمن العبارات التالية ” أخي حمدون أرجوك ان تؤجل العمل إلى أجل غير مسمى ” وكانت هذه الرسالة بخط السيد العربي بلمهيدي . فأمرت رجالي بإيقاف العملية وتوجهت إلى مدينة الناظور ، حيث عقدت إجتماعا مع الإخوة الجزائريين لدراسة المستجدات ، فتبين أن السلطات الفرنسية تشدد رقابة دقيقة على السواحل الجزائرية وخاصة القريبة من المغرب ، واتفقت معهم على نقل السلاح عبر البر ، علي ان تتكفل مجموعات من الجزائريين بنقله في مرحلتين وإدخاله الجزائر ، ولما حضرت المجموعة الاولى امرت كل واحد منهم أن يحمل مايستطيع من السلاح على ظهره ، ويتوجهون إلى التراب الجزائري يقودهم اثنان من رجالي هما :
محمد لصكع
ومحمد أجواك
ليصلوا إلى منزل الفقير رمضان بالجزائر ونصحتهم باتخاذ الحيطة والحذر وبالتفرق إذا اكتشف أمرهم ، وانطلقت القافلة وما إن قطعت خمسة كيلوميترات حتى اصطدمت بدورية لجنود فرنسيين على وادي ملوية ، الذين أمروا القافلة بالتوقف ، إلا أن أفرادها تفرقوا وتشتتوا حسب المتفق عليه . وأثناء ذلك سقطت من أحدهم بندقية عشارية من صنع إنكليزي . وفي الصباح قامت السلطات القرنسية يتمشيط المنطقة فعثروا على البندقية وشكلت لهم لغزا محيرا ، حيث أن السلاح الأنجليزي لايمكن ان يوجد بالمنطقة ، حيث لاتستعمله الجيوش الفرنسية ولا الأسبانية وبذلك تضاعفت وسائل المراقبة والحراسة على الحدود وانتشر الجواسيس في كل مكان ومع ذلك وصلت الحمولة تلك الليلة ألى التراب الجزائري .
يدا في يد جزائريون ومغاربة
في شهر يونيه 1955 أخبرني الجزاريون بأن باخرة ثانية ستحل بالمنطقة محملة بالسلاح ، فعقدنا اجتماعا حضره من الجانب المغربي عبد ربه وعباس المسعيدي ومن الجانب الجزائري محمد بوضياف ، وقمنا بدراسة خطة إنزال السلاح وتفادي الأخطاء التي وقعنا فيها في العملية الاولى مع الباخرة دينا ، واشترطت أن تكون قطع الأسلحة من بنادق ورشاشات ومسدسات وقنابل مرتبة ومصنفة في أكياس ملفوفة بحبال موثقة حتى يسهب نقلها عوض الصناديق الخشبية واستبدلت مكان استقبال الباخرة بموقع يقال له ” حاسي الضرو ” وتوجهن إلى مدينة مليلية رفقة شيبان عمرو الجزائري واشتريت قاربا من أحد الأسبان وعدت إلى القبيلة فانتقيت مجموعة من الأشخاص لانجاز هذه العملية وفي اليوم المحدد توجهنا إلى موقع حاسي الضرو . وكان معي تلك الليلة شيبان عمرو والعربي بلمهيدي وعبد الوهاب من الجزائر وسعيد بونعيلات وعبد الله الصنهاجي من المغرب ، وعندما حضرت الباخرة كانت عبارة عن طراد حربي له مدافع تصوب فوهاتها في كل إتجاه .
كما أحضر القارب الذي اشتريته وجاء رفاقي بقارب آخر وربطناه بالباخرة وبدانا ننزل كميات السلاح إلى قاربين وإذا بأحدهما يدخله الماء وبدأ يغرق وحاولنا إسترجا بعض السلاح وما تبقى نزل به القارب إلى أعماق البحر . اما الثاني فقد امر قائد الباخرة بإرجاع حمولته إلى الطراد ” الباخرة ” وقال لنا قائد الباخرة ليس لدي الوقت الكافي للبقاء هنا بهذه المنطقة أكثر من الآن ” وحتى تكونوا مستعدين ” . ثم رحل متوجها لحال سبيله ، وفي هذه الأثناء تم إصلاح الباخرة دينا التي غادرت الموقع ، وبعد ذلك أخبرني السيد محمد بوضياف بأن ذلك الطراد سيعود بحمولته وعلي أن أختار له الموقع المناسب ، فأخترت حاسي القصبة مكان الباخرة دينا . وحضر في الموعد المحدد وقمنا بإفراغه بكيفية منتظمة وحضر معي هذه العملية الجزائريون بوضياف – شيبان – عبد الوهاب ، وبوصوف ونجحنا في انجاز العملية .
بعد تأمين اخفاء الاسلحة التي افرغناها من الباخرتين دينا وفخر البحار وصلتني تعليمات بمجيء باخرة ثالثة تسمى النصر وعلى متنها أسلحة هامة ، وقمت بالفعل باتخاذ الترتيبات اللازمة من إعداد الرجال وتحضير أمكنة إخفاء السلاح ، وحضر معي هذه محمد بوضياف وأنجزناها بموقع حاسي الضرو ، ولما داهمنا الفجر وضعنا ماتبقى من السلاح في صخرة داخل البحر وأقمت عليها حراسا كأنهم يصطادون السمك ولايبرحون الموقع إلى أن تقلته في اللية الموالية ، وبعد هذه العملية جندت مجموعات من أبناء رأس الماء قاماو بحمل هذه الأسلحة وإدخالها إلى التراب الجزائري عبر عدد من المنافذ والمعابر .
أما فيما يتعلق بالكميات المخصصة للجانب المغربي من أسلحة الباخرة دينا فقد نسقت مع المسؤولين في قيادة جيش التحرير بالناظور وعلى نقلها الى مركز كارمة ثم لى بعض منظمات المقاومة في بركان وإلى معسكرات جيش التحرير بجبال الريف .
المذكرة الخامسة : اليخت دينا
https://www.zaiocity.net/?p=15191
المذكرة الرابعة : خلايا الحزب تتاهب
https://www.zaiocity.net/?p=14504
المذكرة الثالثة : اول عملية في فبراير 55
https://www.zaiocity.net/?p=13843
المذكرة الأولى والثانية : النشأة – لقاء بوضياف وبلمهيدي