ماجد أحمد أبو مراد
مما لا شك ولا جدل فيه أن ما يجري اليوم في الصومال هو عبارة عن كارثة بالمعنى الحقيقي لمصطلح الكارثة الإنسانية، وقد ذكرت الإحصاءات الرسمية -على قلتها بهذا الخصوص- أن ثلث أطفال الصومال مهددون بالموت جوعاً..!!
وكثيرة هي القصص التي تحدثت عن النساء اللاتي ماتت فلذات أكبادهن وهن ينظرن وما باليد حيلة، وبعضهن تركن أبناءهن أو بعضهم على قارعة الطريق ليواجه الموت، طمعا في إنقاذ غيره من ذات المصير المحتوم أثناء سيرهم برحلة بالغة المخاطر في طريقهم لمخيمات اللجوء بالدول المجاورة.
واقع هذه المأساة ليس إلا نتيجة متوقعة وحتمية الحدوث لمقدمات طالما أصم العالم أذنيه وأعمى بصره عنها، على اعتبار أن البلد عاش وما زال سنين عجافا منذ عقدين من الزمن، بالإضافة لظروف أمنية صعبة وبالغة التعقيد ودون سلطة فعلية وحقيقية على الأرض، اللهم إلا جماعات مسلحة متناحرة منقسمة على نفسها لم تحسن سوى افتعال الحروب وتهجير الناس من موطن آبائهم وأجدادهم.
الكارثة المذكورة لم تقتصر على الصومال بل حلت بالقرن الأفريقي عامة بفعل قلة وندرة الأمطار التي تسببت بالجفاف، وزاد من سوء الحال بالصومال نفوق المواشي ونضوب معظم المحاصيل الزراعية أو كلها على الأغلب، وضاعف من حدة المأساة والكارثة غياب المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات التي من شأنها مكافحة مثل هذا الأمر والكوارث الطبيعية بشكل عام.
إن المنطقة المنكوبة بالصومال والتي أعلنت عنها الأمم المتحدة أنها تعاني من أزمة مجاعة حقيقية لتعتبر من أغنى مناطق الصومال بل وأخصبها على الإطلاق ويمكن أن تشكل سلة الغذاء الصومالي- وفق تصريحات المختصين- حيث يعمل أهلها بالزراعة ويعتمدون عليها منذ زمن.
وحينما ظهر جليا حجم المعاناة والمأساة بالصومال تداعت العديد من الجهات سواء دول رسمية وحكومات أو منظمات دولية لإطلاق النداءات بغية جمع الأموال لصالح المنكوبين، ولكن التعاطي مع تلك الحملات والنداءات ما يزال في مهده، كذلك موقف الدول النافذة بالأزمة ما زال يتسم بالكثير من الغموض لأنها تحتكم للغة المصالح، ولكن الأكثر غرابة في الأمر هو الغياب العربي الرسمي والأهلي فلا موقف سياسي من الدول، ولا مواقف إنسانية من المنظمات الأهلية العربية، ولو استثنينا الكويت التي أعلنت عن التبرع بعشرة ملايين دولار للمنكوبين، وجمعية قطر الخيرية التي قدمت مساعدات للنازحين الجدد المكدسين في مخيمات اللاجئين، لوجدنا أن الموقف العربي لا يمكن وصفه إلا بعدم المبالاة والتصريحات الجوفاء التي لم تتجاوز دعوات لا تسمن ولا تغني من جوع، اقتصرت فقط على دعوة المتخاصمين وأطراف الصراع لحل مشكلاتهم، دون تدخل مباشر ودون تقديم العون للوصول لحلول ترضي جميع الأطراف.
إن غياب الموقف العربي عن المعضلة الصومالية ليس له مبرر إلا لو افترضنا أن مجاعة الصومال لم تشكل عامل وخز للضمير العربي، الأمر الذي من شأنه أن يفقد الصوماليين شعورهم بأن لهم أشقاء يساندونهم ويقفون إلى جانبهم في محنتهم، وذلك لأن العالم العربي لم يكن له أي حضور فعلي ومؤثر في أزمة الصومال التي أكملت اليوم عشرين سنة من القحط والخلافات السياسية والمنازعات والصدامات، لا في المشهد السياسي ولا حتى الثقافي أو الإنساني، حقا لا يعذر العرب ولا يشفع لهم أن المشكلة الأمنية ومواقف السياسيين المتناحرين لا تشجع أحدا على تقديم العون لأهل الصومال.
ولمن أراد البحث عن حلول لأزمة المجاعة تلك نقول إن اختزال المشكلة بالصومال في المساعدات الطارئة -على أهميتها القصوى- يشكل خطأ فادحاً لأن البلد ليس بحاجة للمواد الغذائية للمتضورين جوعا فحسب، بل يحتاج لمقاربة شاملة من كل النواحي والأبعاد السياسية والإنسانية والاقتصادية لمعالجة جذور الأزمة ووضع حد لحالة الفوضى والاحتراب الداخلي والتنازع والتصادم المسلح الذي أودى بحياة الكثيرين من أبناء الصومال، وهذا يتطلب جهدا محليا وعربيا وإقليميا ودوليا مشتركا بغية انتشال الصومال من كبوته وإيقاف نزيف الدم من شرايين أهله وشعبه وإلا سيبقى هذا النزف مستمراً لا قدر الله.