رضوان كسابي
يعتبر إسكات الأصوات المخالفة الشيء الوحيد الذي لم تستطع السلطة في هذه البلاد القيام به، على الأقل هذه المرة، فهي لا تزال خائفة من رد فعل قد يكون مدمر لكل ما تحقق إن هي حاولت تكسير عظام خصومها، كما أنها لا تزال في حيرة من أمرها تجاه هذا الوضع، رغم بداية التعبئة من أجل التصويت بنعم عن الدستور الجديد، فإن التخوف من الصوت النشاز لأصحاب المقاطعة، واستنكار موقفهم المشاغب والمتمرد وغير المقبول، أمر لا تخطئه عين أحد سواء كان مهتما للوضع أم لا
لكن إيجاد حل لهذا الوضع الذي تقشعر له أبدان السلطات في أي بلد، يبدو لي في غاية البساطة والسهولة، ويمكن الشروع فيه حالا حتى قبل تمرير الدستور الجديد، وهذا الحل السحري يمكن اختزاله في مقولة “كبش فداء” لكن حساسية المرحلة وخطورة الوضع لا تستلزم “كبش فداء” وحيد بل عدة “أكباش للفداء” لأن الوليمة كبيرة والشعب كله مدعو للمشاركة فيها، فكبش فداء واحد لن يرضي المغاربة كافة خصوصا إذا تذكرنا أن الكثيرين منهم يضحي بعدة أكباش أو حتى بالأبقار في عيد الأضحى، فما بالك بعيد الشعوب العربية الغاضبة على الحيوانات التي تحكمها
إذن بكل بساطة على مسؤولينا الآن الانتقال إلى مرحلة رعب الإصلاح قياسا على مرحلة رعب الثورة، وذلك عبر تقديم أفواج من المفسدين إلى المحاكم، وطرد آخرين من مناصب تعفنت بوجودهم فيها، ثم نزع الأراضي التي تم تفويتها للإقطاع العسكري والسياسي وتوزيعها على الفلاحين البسطاء، وجر كل من تورط في ملفات الفساد المتنوعة على أنوفهم إلى المحاكم، باختصار كما قلت سابقا علينا المرور بسرعة إلى مرحلة رعب الإصلاح وتهديد وإرهاب كل من يحاول تعطيل عجلته
فالشارع لن يهدأ حتى يرى الأقوال تتحول إلى أفعال، وهذا أمر بالغ الأهمية، فمهما كانت خطب الحكام بليغة أو مؤثرة وتحض على توخي الحذر في هذه المرحلة الدقيقة، ومهما تلقفها الشعب بارتياح وترحيب، إلا أن الأمر الأكثر تأثيرا هو استجابة الحاكم لمطالب الشعب الذي يغلي، لأن الشروع في الفعل دليل على بداية الإصلاح وتعزيز لمصداقية الأقوال التي فقدت تأثيرها السحري في عصر المنجزات والمحاكمات العابرة للقارات، فالإنسان المسلم سواء في المغرب أو خارجه يرى كيف يحاكم جاك شيراك، ستروسكان، زعماء الفيفا، متطرفي أوربا، جزار البلقان، بينوشي، الخمير الحمر في كمبوديا، وغيرهم كثيرون، لكنه يصاب بالصدمة عندما يعجز جهازنا القضائي عن محاكمة رئيس جماعة قروية اختلس ميزانية طريق بقي غير معبد كما تركه الإستعمار الفرنسي منذ 60 عاما، عندما يعجز جهازنا القضائي على محاسبة عامل إقليم أو والي تلاعب بالدقيق المدعم، أو تلقى رشاوى أو استغل منصبه ليفعل ما شاء بغيره من أبناء الشعب، عندما يصبح الإجرام مشروعا والنهي عنه إجرام، ولا يستطيع القضاة فتح تحقيق في ما يحدث في البلاد، عند هذه العتبة الخطيرة أحرق البوعزيزي نفسه، وعند هذه النقطة يمكن لكل الشعب أن يتحول إلى نار تلتهم كل شيء، لأنه لا فرق لديه بين استمرار الوضع الحالي الذي تلتهمه فيه نيران الفساد الشائع والمقنن، وبين إشعال النار في الكل حتى لا ينعم أحد آخر بما لديه وحتى لا يتلذذ البعض بعذابات الآخرين
لتجاوز كل ذلك أكرر نريد أكباش فداء سمان، تراكمت عليها طبقات الدهون وخيرات الشعب والنعم والامتيازات منذ عشرات السنين، حتى تطمئن القلوب وتصفى الخواطر ويعود المتظاهرين من حيث أتوا، علينا العمل بمعيار الكفاءة والجدارة والاستحقاق في إسناد المناصب، علينا بتكافؤ الفرص والمساواة، على كل من يتحمل مسؤولية صغيرة أو كبيرة أن يخضع للحساب الدقيق
باختصار نريد أن نضحي بحزب الفساد الكبير، نريد أن نضحي بامتيازات الإقطاع المعاصر، لكي يبقى الوطن للجميع وليس لفئة دون أخرى، ولكي لا ندمر ما تحقق ونغرق المركب أو المريكب كما سماه ناس الغيوان، فالشعب عظيم بالغ الشهامة لا يريد أن يدمر البلد وبعيد كل البعد عن الأنانية والعبث وصبور للغاية لكن لكل صبر حدود، عكس المتنفذين وأصحاب المصالح الضيقة الذين يعملون بمقولة أنا والطوفان من بعدي، فتصوروا معي لو انتقلت صفات المفسدين إلى الشعب، ماذا سيحدث؟. إن السياسة أخد وعطاء وليس أخد فقط دون تقديم أي شيء، لأن ذلك يعني سيادة الفوضى وانعدم الاجتماع البشري إلى الأبد، وهذا ما يخشاه الجميع النظام والشعب، لكن لا يجب استغلال ذلك لبث العجز والتكاسل والخوف في نفوس الشعب وترك المفسدين يواصلون أعمالهم القذرة
والسلام
البريد الإلكتروني r.kessabi8@gmail.com
الشعب المغربي قال لا للفساد وصاحب الجلالة اعطى اشارات قوية لمحاربة المفسدين فماذا تنتضرون ‘